اقتتال أنصار زكزاكي وأبوجا: لغم طائفي إضافي في نيجيريا

02 نوفمبر 2018
أحرق المتظاهرون سيارات تابعة للشرطة (فرانس برس)
+ الخط -
تتضاعف المخاوف في نيجيريا من بروز حركة تمرّد جديدة، عقب تجدّد الاشتباكات وأعمال العنف، من جراء تظاهرات تقودها حركة دينية من المذهب الشيعي للمطالبة بالإفراج عن زعيمها، رئيس "الحركة الإسلامية في نيجيريا" إبراهيم زكزاكي، المعتقل منذ 2015 بتهمة التحريض على العنف، وسط تحذيرات من انحراف هذه التظاهرات عن مسارها، إذا لم تُحْسِن السلطات التعامل معها واحتواءها. وشهدت العاصمة النيجيرية أبوجا خلال الأيام الأخيرة احتجاجات مناهضة لاستمرار اعتقال زكزاكي، قبل أن تتحوّل هذه الاحتجاجات إلى أعمال عنف، نجمت عنها صدامات بين عناصر قوات الأمن والمحتجين، الذين تتهمهم السلطات بأنهم أضرموا النار في عدد من سيارات الشرطة.

وتفاقمت وتيرة الأحداث الدموية خلال الساعات القليلة الماضية، إذ أعلنت "الحركة الإسلامية في نيجيريا" مقتل 48 عضواً منها خلال الأيام الخمسة الماضية، واعتقال نحو 400 آخرين. وقال المتحدّث باسم الحركة، إبراهيم موسى، في حديث للصحافيين إنّ اشتباكات اندلعت بين قوات الأمن وأنصار رجل الدين المحتجز والموالي لإيران، إبراهيم زكزاكي، في العاصمة أبوجا، موضحاً أنّ الحركة "أحصت 48 قتيلاً في صفوف مناصريها".

وكان الجيش النيجيري أكد أخيراً مقتل عدد من المتظاهرين المناصرين لزكزاكي، وذلك بالتزامن مع مثول أعضاء من "الحركة الإسلامية في نيجيريا" أمام المحكمة، حيث من المقرر أن توجّه لهم تهم عدة منها التحريض على العنف وحمل السلاح، وفقاً لما قاله بالا سيروما، وهو مفوّض شرطة في أبوجا.

وتكمن الأسباب المباشرة لأحداث أبوجا، في إعلان الطائفة الشيعية رفضها استمرار اعتقال زعيمها، من دون أن تتم محاكمته، نافية التهم الموجهة إليه، ومتهمة السلطات بـ"اختلاقها من أجل توقيفه"، على اعتبار أنه "يشكّل مصدر إزعاج لهم من خلال دعمه القضايا العادلة، سواء ما يتعلق منها بنيجيريا، أو ببلدان أخرى". وتتهم سلطات نيجيريا إبراهيم زكزاكي البالغ من العمر 65 سنة، "بالتحريض على العنف من أجل زعزعة الاستقرار".


وزكزاكي من مواليد عام 1953 في مدينة زاريا في ولاية كادونا شمال نيجيريا، وهي مشهورة بأنها معقل الشيعة في البلاد. تأثّر الرجل بالثورة الإيرانية، وقد قاده ذلك إلى تأسيس "الحركة الإسلامية النيجيرية" منذ أن كان طالباً في الجامعة، وهي الحركة التي يطلق عليها إعلامياً في نيجيريا اسم "حزب الله النيجيري". وأدّت هذه المعطيات إلى اتهام زكزاكي من طرف الأنظمة النيجيرية المتعاقبة بـ"السعي إلى إنشاء جمهورية إسلامية إيرانية في نيجيريا"، وقد اعتقل مرات عدة خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، غير أن حركته وأتباعه ظلّوا في اتساع. وكثيراً ما دخل زكزاكي وجماعته في أعمال عنف مع قوات الأمن النيجيرية، والتي يتهمها بقتل زوجته واثنين من أبنائه عام 2014.

وتعليقاً على التطورات الأخيرة، رأى الصحافي الموريتاني المتخصّص في الشؤون الأفريقية، محفوظ ولد السالك، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الاحتجاجات الأخيرة في نيجيريا تأتي في ظلّ ظرف سياسي حساس، وهو استعداد البلاد لتنظيم انتخابات رئاسية يسعى فيها الرئيس الحالي، محمدو بخاري، للفوز بولاية رئاسية ثانية، في مواجهة مرشّح موحّد من طرف المعارضة، فيما يشكّل الشيعة كتلة انتخابية كبيرة، وهو ما قد يؤثر في بخاري إذا لم يطلق سراح زعيم الطائفة ويدخل في مفاوضات مع أنصاره، تسمح لهم بالاستمرار في مواصلة نهجهم".

ويحذّر بعض الباحثين والكتاب النيجيريين السلطات من الاستمرار في التعامل بعنف مع الشيعة في البلاد، حتى لا تتحوّل حركتهم إلى "بوكو حرام" جديدة، فتخرج حاملة السلاح، ويتحوّل إبراهيم زكزاكي إلى بوبكر شيكاو جديد، وهو زعيم جماعة "بوكو حرام".

وأضاف ولد السالك أنّ زخم الأحداث في نيجيريا "يرجّح تفاقم العنف، ويشي بمزيد من الدموية خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، إذا لم تقم الحكومة بتسوية ما مع قادة الحركة الإسلامية، من شأنها أن تبعد شبح العنف والإرهاب الذي بات يخيّم على نيجيريا".

وكان الزعيم الروحي الإسلامي البارز في نيجيريا، محمد سعد أبو بكر الثالث، قد حذّر السلطات من استعمال القوة ضدّ المتظاهرين من أنصار "الحركة الإسلامية"، مشدداً على أنّ اللجوء إلى القوة والعنف ضدهم "لن يزيدهم إلا إصراراً ومواصلةً على المواجهة بالمثل".

وقال أبو بكر في تصريحات صحافية إنّ "الظروف التي أدّت إلى اندلاع التمرّد المسلّح في نيجيريا في الماضي، والتي تركت عواقب كارثية لا تزال قائمة". وانشق أبو بكر الذي كان مقرباً من زكزاكي عن "الحركة الإسلامية في نيجريا" عام 1995، وأسّس تنظيم "جماعة التجديد الإسلامي" الذي عارض توجهات زكزاكي.

إلى ذلك، أوضح الصحافي المهتمّ بالقضايا الأفريقية محمد جوب، أنّ "أنصار زكزاكي كلّهم من الشيعة ويمثّلون نسبة كبيرة داخل نيجيريا، باتت لها مطالب وطموح، غير أنّ علاقتها بالسلطة متوترة جداً، نظراً للخلاف العميق لزعيمها مع النظام الحاكم، والذي يبدو أنه مصرّ على عدم التفاهم مع الحركة الإسلامية ويسعى لتقليم أظافرها، وهو ما قد يقود لاستمرار العنف المسلّح في هذا البلد الأفريقي".

ورأى جوب في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "تزايد الصدام المسلّح بين الأجهزة الأمنية وأنصار الحركة الإسلامية في نيجريا بقيادة زكزاكي، يمهّد الطريق لبروز جماعة مسلحة أخرى، على غرار جماعة بوكو حرام".

ويبلغ عدد سكان نيجيريا 180 مليون نسمة، نصفهم من المسلمين، بمن فيهم الشيعة الذين يقدّر عددهم بنحو مليونين، معظمهم يؤيدون الحركة الإسلامية التي يقودها زكزاكي. ولكن مقارنة بتعداد السكان، تعدّ الطائفة الشيعية والتي كثيراً ما دخلت في صراع مسلح مع النظام الحاكم، أقلية مقارنة بالطوائف الأخرى، وهي غير ممثلة في البرلمان والحكومة وإن كان بعض أفرادها معيّنين في وظائف مهمة في الدولة بصفتهم الفردية كمواطنين لا لتمثيل طائفتهم.

وتتمركز الأقلية الشيعية في نيجيريا في محافظات كانو في شمال البلاد، وسكوتو التي تقع في الجزء الشمالي الغربي من نيجيريا، وكادونا الواقعة في الشمال بالقرب من نهر كادونا. ويعود أوّل ظهور للمذهب الشيعي في نيجيريا إلى العام 1979، وهو تاريخ انتصار الثورة الإسلامية في إيران.