عندما وصلت قصيدة "قسماً" إلى إذاعة "صوت العرب" في القاهرة، منتصف الخمسينيات، كان دور التلحين قد وصل إلى الملحّن المصري محمد فوزي، فرأى مسؤولوها أن صاحب "ماما زمنها جاية" ليس أفضل من قد تُوكَل إليه مهمّة تلحين نشيد ثوري، وطلبوا منه أن يترك دوره لمحلّن آخر. لكنهم استجابوا – في النهاية – لإصراره على أن يكون ملحّن القصيدة.
اليوم، ومع كلّ استماع جديد للنشيد، لا تظهر فقط عبقرية فوزي في قدرته على الانتقال من الألحان العاطفية وأغاني الأطفال إلى مجال آخر مختلف تماماً، وإنّما صدقُه وإيمانه بالثورة الجزائرية التي وجدت في مصر ظهيراً لها. مصر القومية التي ساندت العرب ودافعت عن قضاياهم العادلة.
لكن صورة مصر اليوم تبدو بعيدة ومختلفة جدّاً. حتّى إن بعضهم لم يخجل من التذكير بمصرية اللحن أو القول بنبرة منٍّ– خلال أزمة عابرة بين البلدين – بأن مصر "حرّرت" الجزائر. للأسف، انخرطت النخبة في هذا الخطاب الغوغائي الذي لم يسلم منه حتّى كتّابٌ كبار كالوا السباب للجزائريين. لم يقتصر الأمر على الجزائر طبعاً، بل طاول أيضاً السوريين والفلسطينيين وشعوباً عربية أخرى.
ثمّة شوفينية، موجّهة إلى "الأشقاء" أوّلاً، ولغة عدائية تملأ فيسبوك لم أحد يتوقّع أن تصبح متداولةً إلى هذا الحدّ. حتّى في ظرف فلسطين الحالي، لم تتحرّج صفحات مصريين في مهاجمة الفلسطينيين والنيل من مقاومتهم. ما الذي حدث لـ "أمّ الدنيا"؟