وسط أجواء سادها الحرص والحذر الشديدان، والالتزام بالتعليمات إلى أقصى درجة، افتُتحت مساء أمس فعاليات الدورة الـ77 لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي (لا موسترا)"، المُقامة لغاية 12 سبتمبر/ أيلول 2020. سبق حفلة الافتتاح التقاط صُور تذكارية على السجادة الحمراء، التي مشى عليها نجوم ونجمات قلائل (مع كمّامات أو من دونها)، حضروا تلك الدورة الاستثنائية في تاريخ المهرجان، والمهمّة جداً لصناعة السينما العالمية.
هذا العام، أقامت إدارة المهرجان جداراً خشبياً مرتفعاً أمام القصر لعزل مدخله والسجادة الحمراء عن الخارج، حيث وقف الجمهور وعشّاق السينما والمارّة لمتابعة وصول النجوم والنجمات، والتقاط الصُوَر لهم، والحصول على تواقيعهم. خلف هذا الجدار، أقيم مدرجٌ خشبيّ، جلس عليه 120 مُصوّراً صحافياً فقط، تمّ اعتمادهم لتصوير تلك اللحظات، على بعد أمتار من مكان مرور النجوم والنجمات. وهذه لقطة استثنائية وغير معهودة سابقاً، لكنّها مفهومة في إطار التدابير المتّخذة جرّاء تفشي وباء "كورونا" المستجدّ.
فور انتهاء مراسم السجادة الحمراء، التي اتّخذت وقتاً قصيراً، أُطفئت الأضواء داخل الصالة، وبدأت "أوركسترا روما السيمفونية"، بقيادة الملحّن والمايسترو أندريا موريكوني، ابن إنيو موريكوني، عزف إحدى مقطوعات الأب الراحل، أحد أبرز مؤلّفي موسيقى الأفلام السينمائية. ووراء الأوركسترا، عُرضت لقطات فيلمية، اختُتِمت بصورة شخصية رائعة، بالأسود والأبيض، للمُلحّن الإيطالي الراحل، فوقف الجميع تحية تقدير لفنّه وإبداعه.
اتّسمت الحفلة، التي قدّمتها الممثلة الإيطالية آنّا فوليتا، بالإيجاز والبساطة، وخيّمت عليها الجدّية، وربما حزن وضيق بما آلت إليه أمور السينما أخيراً. تجلّى هذا عبر الصُور المنقولة وغير المألوفة، للحاضرين الجالسين مع كمّامات طبية على وجوههم، وعدم نزعها إلا عند صعود بعضهم إلى خشبة المسرح لإلقاء كلمة. وكذلك، ظهور مقاعد فارغة إلى جوار كلّ واحد من المدعوين وخلفه، في مظهر غريبٍ وموحش وقاتم. هذا يعني أنّ نصف، أو أكثر من النصف بقليل، من مقاعد الصالة الرئيسية الكبرى، "سالا غراندي" (1100 مقعد)، كانت شاغرة.
فور إعلان آنّا فوليتا اسم رئيسة لجنة التحكيم، صعدت الأوسترالية كيت بلانشيت إلى المسرح، وألقت كلمة سريعة، أشادت فيها بالمنظّمين وبمرونتهم وإبداعهم، في حدثٍ وصفت إقامته بأنّه "معجزة إيطالية"، ليست غريبة عن إيطاليا صانعة المعجزات، وأضافت أنّها كانت تتطلّع دائماً إلى هذا. بعد كلمتها، لم يصعد أعضاء لجان التحكيم (المسابقة الرئيسية والمسابقات الأخرى) إلى خشبة المسرح، كالمعتاد، مكتفين بتحية الجمهور من مقاعدهم.
لكنّ المخرجة والسيناريست البريطانية جوانا هوج صعدت إلى المسرح لإلقاء كلمة، بمناسبة تكريم البريطانية تيلدا سوينتن، الحائزة بفضله على "الأسد الذهبي" عن مسيرتها المهنية. بعدها، ألقت سوينتن كلمتها، وتسلّمت الجائزة من بلانشيت، وليس من ألبيرتو باربيرا، المدير الفني للمهرجان. بعد ذلك، بُثّت لثوانٍ لقطات لنجوم ونجمات، ومخرجين ومخرجات، كجورج كلوني وجودي فوستر وأليخاندرو غونزاليس إيناريتو وإيزابيل أوبير وداستن هوفمان وآنغ لي وويليام فريدكين وتود هاينز وصامويل إل. جاكسون وباولو سورّنتينو وندين لبكي، وغيرهم، تحدّثوا فيها عن معنى السينما وأهميتها بالنسبة إليهم. واختُتِمَت المقاطع بكلمة جاين كامبيون، عن حبّها للسينما، والرغبة الكبيرة في العودة مُجدّداً إلى الصالات والمهرجانات. كما أثنت على "مهرجان فينيسيا"، وعلى الخطوة الشجاعة التي اتّخذها باربيرا ورفاقه، مُنهية كلمتها بحماسة: "برافو فينيسيا".
بعد كلمات سريعة مُسجّلة، وبهدف الإعراب عن الشكر الجزيل للمهرجانات الأوروبية، التي ألغيت دوراتها أو تمّ تأجيلها، ولمديريها الذين أعلنوا عن تعاونهم وتضامنهم مع "مهرجان فينيسيا الـ77"، وتقديراً من "لا موسترا" لهم، وللمحنة التي تمرّ بها السينما والمهرجانات الأوروبية، أُعلن تباعاً عن أسماء المديرين الفنيين لتلك المهرجانات: تييري فريمو (مهرجان "كانّ")، وكارل أوخ (مهرجان كارلوفي فاري)، وكارلو شاتريان (مهرجان برلين)، وخوسيه لويس ريبوردينوس (مهرجان سان سيباستيان)، وليلي هينستين (مهرجان لوكارنو)، وفانيا كالودغيرسِك (مهرجان روتردام)، وألبيرتو باربيرا (مهرجان فينيسيا)، إلى إعلان اسم تريسيا توتل (مهرجان لندن) التي تعذّر حضورها.
بعد صعود هؤلاء إلى المسرح، وظهور شعارات مهرجاناتهم على جدران الصالة الكبرى، ألقى كل واحدٍ منهم كلمة مُقتضبة عن السينما ودعمها، وأهمية المهرجانات ودورها كصناعة، وكمنابر ثقافية وتعليمية وترويجية وخدماتية. ثم اختُتِمَت حفلة الافتتاح بترديد ابتهاجيّ من جانبهم لاسم المهرجان ورقم الدورة، باللغة الإيطالية.
فور اختتام الحفلة، عرض فيلم الافتتاح "روابط" لدانيلي لوكيتي، أول فيلم افتتاح إيطالي في "لا موسترا" منذ 11 عاماً، وهو خارج المسابقة الرسمية. والفيلم، متوسّط المستوى، يروي قصّة اجتماعية تدور بين زوجين من نابولي، في ثمانينيات القرن الماضي، ويتمحور حول المشاكل الزوجية المعتادة للطبقة الوسطى: الخيانة الزوجية، والابتزاز العاطفي، والشعور بالذنب. ومعنى الولاء، والحبّ، إلخ. وتبعات هذا كلّه على ألدو (لويجي لو كاشيو) وفاندا (ألبا رورفاخر) وطفليهما. هناك أيضاً المشاكل المُتأتية من غرام ألدو بالشابّة ليديا (ليندا كاريدي). الفيلم مأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه (2014)، للإيطالي دومينيكو ستارنوني، المُشارك في كتابة السيناريو مع فرانشيسكو بيكولو ودانيلي لوكيتي.