تعيش مدينة عدن جنوبي اليمن صدمة، ومعها يعيش الوسط الثقافي والسياسي حالة من الخوف والتوجّس، وذلك عقب اغتيال الناشط السياسي الثقافي أمجد عبد الرحمن (23 عامًا) منتصف مايو/ أيار الماضي، ومنع الصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين بدعوى أنه "ملحد".
ليلة الـ 14من مايو/ أيار الماضي، كان الشاب أمجد عبد الرحمن محمد، يجلس في مقهى إنترنت، بمدينة عدن جنوبي اليمن، عندما دخل عليه مسلح يرتدي زي الشرطة، وقام باغتياله ذبحًا، في جريمة أثارت رعبًا واستنكارًا واسعين في الأوساط اليمنية، قبل أن يتّضح لاحقًا أن القاتل ينتمي لقواّت تتخذ صفة حكومية، وتنضوي ضمن ما يعرف بقوات "الحزام الأمني" التي دعمت دولة الإمارات العربية المتحدة تأسيسها وتسليحها وتمويلها.
وتكشف معلومات عن استخدام الجماعات الإرهابية عناصر في الداخل والخارج لجمع معلومات عمن يعتقد بأنهم "لا دينيون"، إذ تلقى أمجد رسالة تهديد عبر تطبيق "واتسآب" مصدرها مقيم يمني في الخارج.
التطرّف بداخل الأجهزة الأمنية
الملاحظ أن مدينة عدن، ومنذ تحرّرت قبل عامين من الآن من مليشيا الحوثي وصالح، أخذت ظاهرة التطرّف والجماعات الإرهابية في التوسّع والتطور، ولكن الباعث على الصدمة في الوقت الراهن هو أن الإرهاب والتطرّف باتا في أوساط الجيش والشرطة.
يؤكّد الناشط السياسي، عاصم محمد، في حديثه مع "جيل"، أن دمج المقاومة الشعبية في جهاز الدولة في غياب أي ضوابط أدى إلى تسرّب عناصر متطرفة إلى داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، ما يهدد بإعادة إنتاج نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي شكل وجود جماعات متطرّفة في داخله أحد أسباب تعثر جهود مكافحة الإرهاب.
وتقدمّ قوات الحزام الأمني التابعة للشيخ السلفي هاني بن بريك (أبو الحارث)، نموذجًا إضافيًا لخرق القوانين والحقوق المدنية، إذ يبدو عملها أشبه بأسلوب الشرطة الدينية.
المعروف أن أمجد، لم يكن ملحدًا، ولا يمثل تيارًا سياسيًا أو عسكريًا، حتى يتم استهدافه بتلك الطريقة البشعة.
يقول الكاتب الصحافي، فتحي أبو النصر "أمجد عبد الرحمن، شاب يساري عدني نبيل، مع دولة القانون والمواطنة وعدم الاستغلال السياسي للدين. شاب حالم بطموح ثقافي وإنساني تحرّري ديمقراطي. وأما حادثة اغتياله فهي مهولة، وتنبئ بمخاطر حقيقية تعيشها عدن في ظل الانفلات الأمني، وهي تؤكّد أيضًا أنه حصل دمج لإرهابيين في الجيش والأمن، ولربّما ليس دمجًا بل تسليمًا كاملًا، والمؤكّد أن هناك جيشًا خارج الجيش، وهنا مكمن الخطورة، كما تشير إلى سلبية معظم القوى السياسية تجاه الإرهاب، وكذا غالبية القوى المجتمعية التي بلعت ألسنتها وصدمت الجميع".
ويضيف أبو النصر "إن اغتياله اغتيال لكل الحالمين في دولة النظام والقانون والمساواة والتنوير التي كان ينحاز إليها. والحال أن عودة الخطف والتعذيب والاغتيالات في الجنوب تنبئ بمستقبل كارثي حالك السواد، ثم لا يعقل أن دولة "المليشيات" هي الدولة التي يطالب بها الجنوبيون".
بحجّة الدين نقتل بصمت
في بيان صادر عن إدارة نادي الناصية الثقافي، الذي اغتال المتطرّفون مؤسّسه ورئيسه أمجد عبد الرحمن، عبر أعضاء النادي عن حزنهم العميق، واعتبروا أن الحادثة استهدافا للمشروع الثقافي المدني والشبابي.
وجاء في بيانهم "لم ينته موسم حدادنا على الرفيق المغدور بهِ أمجد عبد الرحمن، ولكن كان لزامًا علينا أن نستقطع من حزننا ساعات لنظهر للعامة أن ناصيتنا ضربت في النصف لأنها كانت تخيفهم لكونها تحمل مشروعًا فكريا أوسع من مجرد تجمعات شبابية ثقافية، ولا يختلف إثنان على أن أعضائها كانوا مجموعة من أشهر الشباب الناشط ميدانيًا، وكان لها إنتاج فكري حقيقي، على أيدي الكتاب الشباب المؤسسين للنادي".
وخاطب الشباب أبناء عدن بالقول: "يا أهل عدن الحبيبة وسلطاتها المحليّة، لقد كنتم خير شهود على جرائم التطرّف الديني خلال الحرب، وبعدها، ولن نجد أكثر منكم درايةً بمبرّرات القتل العشوائي، التي وزعتها ثلة إرهابية على أنها عريضة تبيح القتل دون الرجوع للقانون، وصفقت لها جهات تستفيد من إثارة الشغب، وحالة الفوضى، لتخدع العامة بمصطلحات هلامية، تبرّر الجريمة، واليوم نقولها بعد قراءة المشهد العدني منذ انتهاء الحرب، لم يجد المجرمون، والقتلة المأجورون تهمة تثير جلبة في الشارع العدني المؤمن بطبعهِ عدا حجّة الدين، ولقد خدعنا بها مرارًا، وتحولنا إلى أدوات مساعدة للإرهاب إما بالصمت، أو بإعطاء حجج واهية تتنافى مع القانون، وتتنافى مع صلب العقيدة الإسلامية، أو باتهامنا للضحية دون وجهِ حق، كيف لشباب واع لدينه ويسعى إلى تصحيح المفاهيم، ولا يملك مقرًا ولا دعمًا محدّدا يقدّم له، أن يتهم بارتباطات له بمنظمات أو تحقير ديننا الإسلامي الحنيف".
حملة اعتقالات وملاحقة
عقب اغتيال الشاب أمجد، واجه الشباب من مثقفين وصحافيين وناشطين الجريمة بالاستنكار والتنديد، وعلى خلفية ذلك تعرض ثلاثة صحافيين للاعتقال والسجن، وجرى تعذيبهم من قبل الخاطفين الذين ينتمون لجهاز عسكري مندرج ضمن ما يسمى بقوات الحزام الأمني.
الصحافيون وبعد أن تم الإفراج عنهم بعد أسبوع من الاعتقال والسجن نشروا صورًا لهم، تظهر فيها أثار التعذيب والضرب الذي تعرّضوا له، وأكدوا أنهم غير قادرين على كشف وشرح تفاصيل حقيقة ما تعرّضوا له وأنهم سيكشفون ذلك حال توفرت لهم فرصة.
"جيل" تواصل مع أحد الناشطين، وأوضح أنه اضطر إلى مغادرة عدن خوفًا من الملاحقة والمطاردة التي تجري الآن في عدن بشكل مخيف ومقلق للغاية، مشيرًا إلى أن الحملة مستمرة وأن بعضا من زملائه الناشطين تلقوا رسائل تهديد بالتصفية من قبل جماعات التطرّف التي حولت عدن إلى مدينة موحشة، بل مدينة موت محقق.
وكان ناشطون ومنهم الشابان عمر باطويل وأنور الوزير، اللذان قُتلا بطريقة مشابهة لاغتيال أمجد عبد الرحمن، حيث تلقيا رسائل مماثلة. طبقًا للناشط الذي فضّل عدم ذكر اسمه، والذي عبّر عن قلقه من استفحال استهداف القوى المدنية والمدافعين عن حقوق الإنسان في عدن.
الإرهاب في الزيّ الرسمي
الشباب في مدينة عدن يمرّون بحالة خوف كبير، صحافيون وناشطون ومدنيون، جميعهم يتحدّثون بلغة واحدة، مفادها أن الموت يترصد لهم من قبل الإرهاب والتطرّف الذي صار يرتدي زي الشرطة لا زي الجريمة والإرهاب.
يقول الصحافي والناشط السياسي، عمار أحمد لـ "جيل": "قضيّة مقتل الشاب أمجد عبد الرحمن مثلت فاجعة كبيرة لنا كناشطين وصحافيين بلا شك وتفاصيل الحادثة وما جرى له لاحقا كانت مؤشّرًا خطيرًا، لأنها حادثة امتزج فيها العامل الديني مع السياسي مع التوقيت الخطير الذي تمر مدينة عدن من إحداث سياسية، رغم أن الشاب أمجد لم تكن له أراء انتقاديه حادّة ضدّ الدين حتى يتم قتله بتهمة الإلحاد بل ويمنع الصلاة عليه في مسجد الحي من قبل مسلّحين متطرفين، والكارثة أنهم يتبعون لواءً عسكريًا معروفًا".
وتابع عمار "أمجد كان ناشطًا سياسيًا وآراؤه معروفة، ولم تكن له آراء انتقادية ضد الدين، رغم ذلك تعرّض للتهديد بتهمة الردّة والخروج عن الدين وتعرّض للاعتقال من قبل قائد اللواء 20 الذي منع الصلاة عليه بعد مقتله، وهو ذات اللواء الذي قام باختطاف الزملاء الثلاثة الصحافيين، هاني الجنيد وماجد الشعيبي وحسام ردمان".
وأضاف "المثير للشك والخوف هو الغموض الذي لف القضية، أوّلًا لم يتم التحقيق مع قيادة اللواء المشار له والذي عكست تصرفاته بعد مقتل الشاب أمجد شكوكا حول علاقته بالحادثة وأيضًا لم يحقق معها حول أسباب اعتقال الصحافيين الثلاثة، ثانيا، حتى زملاء الصحافيين المختطفين عقب خروجهم لم يتحدّثوا للآن حول تفاصيل ما جرى لهم من اعتقال واعتداء وضرب وهذا مثير للاستغراب".
وفي حين يتساءل عمار: لماذا استهدف الشاب أمجد من بين آلاف الشباب المعروفين بانتقادهم التطرف والتشدد؟ وهل كانت الحادثة فقط الهدف منها خلط الأوراق في مدينة عدن عقب أزمة إعلان المجلس الانتقالي، والآن يراد إغلاق هذه القضية تمامًا؟ يرى هو بان هذه الحادثة انعكاس للخلل الذي تعيشه قوّات الأمن والجيش في مدينة عدن، تعدّد التشكيلات العسكرية والأمنية في المدينة وعدم خضوعها لقيادة واحدة ينتج مثل هذه الحوادث والتي تضيع بسهولة مع تقادم الزمن وتتحوّل إلى مادة للصراع السياسي وتضيع المسؤولية عنها.
ويصف سكّان وناشطون الوضع في عدن بالمرشّح للانفجار، خصوصًا مع تأزم العلاقة بين الأطراف المؤيّدة للسلطة الشرعية وإصرار كل طرف منها على إقصاء الآخرين، ما جعل عدن مقطعة الأوصال بين جماعات متنافرة.
وفي هذا الصدد، ندد اتحاد الأدباء والكتاب في عدن باستهداف الناشطين تحت غطاء ديني، داعيًا الى تشكيل ائتلاف مدني لمناهضة الإرهاب وتفعيل مؤسّسات القضاء، مؤكدًا في بيان له أن مزاعم بعضهم بوجود إلحاد لدى بعض الشباب مجرّد مبرّر لاستحلال دمهم لأسباب سياسية.