اعتداءات نيويورك ونيوجيرسي تعزّز خطاب "التنميط"... وترامب رابح أول

21 سبتمبر 2016
ترامب يتقن استغلال ظروف كهذه (درو أنغرير/ Getty)
+ الخط -
جدّدت التفجيرات الأخيرة في نيويورك ونيوجيرسي، إضافة إلى حادثة الطعن العشوائي في ولاية مينيسوتا، الحديث الأميركي عن الإرهاب. وكالعادة، رجعت معه نغمة "التطرّف الإسلامي" إلى التداول الساخن، الإعلامي والسياسي، من باب أنّ الفاعلين الأميركيين مسلمون من أصول أفغانية وصومالية. ففي هذه الحالات غالباً ما يصدر الحكم الفوري على الهوية وقبل استكمال التحقيقات. الأجواء جاهزة، والساحة متخوّفة من وقوع هجمات من هذا النوع، خاصة وأنّها شهدت قبل أشهر، عمليات إرهابية في ولايتي كاليفورنيا وفلوريدا.


على هذه الخلفية ارتفع منسوب التخوّف والتوتر وتنامي الارتياب، وزاد من الهلع أنّ زرع المتفجرات في نيويورك وجوارها، حصل في لحظة استنفار أمني غير اعتيادي في المدينة التي كانت في تلك اللحظة قد بدأت تستقبل القيادات الدولية المتوافدة إليها، للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة. اختراق الإرهاب لمثل هذا الجدار الأمني، عزّز التخوّف، وبالتالي رفع من درجة النقمة.

حتى هنا يمكن تفهم ردّة الفعل الأولية الغاضبة، تجاه الإرهاب والأعمال الإرهابية. فهذا أمر طبيعي ومشروع. لكنّ المسألة تدخل في منطقة الخطر، عندما يجري توظيف اعتداءات لشحن خطاب عنصري للتحريض، والتأليب ضد المسلمين عموماً ووضعهم كتلة واحدة في قفص الاتهام. بل المحاكمة. وهذه نزعة تنامت في السنوات الأخيرة، وتغذّت على العمليات الإرهابية التي وقعت في غير مكان خاصة في أوروبا.

في كل مرة يحصل اعتداء من هذا النوع، كانت قوى اليمين الأميركي، حامل خطاب الكراهية، تسارع إلى استغلال الفرصة لسكب الزيت على نار الخوف العام، بقصد تعميم النفور والعداء للمسلمين، خاصة الأميركيين منهم، وبما يجعلهم في موقع المنبوذ وغير المؤتمن.


اليوم لدى هذه القوى من يمثلها بتفوق وينطق باسمها كما لم يحصل من قبل. والخطورة الزائدة لهذا الممثل، دونالد ترامب، فخطابه معمم على مدار الساعة، بحكم كونه مرشحاً رئاسياً قد يخطف البيت الأبيض، إذا ما حكمت الظروف بوصوله إلى قمة هرم السلطة الأميركية.


فقد جاءت هذه الأحداث هدية له على طبق من فضة، لأنه يتقن، عدا عن كونه عنصرياً، استغلال ظروف من هذا النوع وبارع في المتاجرة بها، من خلال اللعب على مشاعر كثيرين من الأميركيين الواقعين بين الخوف من الإرهاب، وبين خطاب التخويف من هيلاري كلينتون؛ بزعم أنها "رخوة" مثل باراك أوباما في التعامل مع الإرهاب.

فور وقوع الحادثة، سارع ترامب، وبدون خسارة وقت، إلى استحضار مقولته التي طالما كرّرها في الحملة الانتخابية، حول ضرورة وضع المسلمين الأميركيين تحت الرقابة، باعتبار أنه مشكوك فيهم، ومتهمون حتى تثبت براءتهم. كما سارع ابنه البكر للعزف على وتر خطاب والده وبذات النفحة العنصرية. ولم يشأ ترامب أن تفوته الفرصة من دون اغتنامها للتحريض ضد اللاجئين السوريين، بزعم أنهم أحد مصادر الإرهاب القادم معهم من بلادهم، مطلقاً عليهم تسميات وتشبيهات دونية تعكس عنصريته الفجّة. توصيف أثار اعتراضات وإدانات واسعة، صدرت عن أوساط مختلفة، ومنها من الحزب الجمهوري مثل وزير الدفاع السابق روبرت غيتس الذي قال إنّ "ترامب عصي على التصحيح". الرئيس أوباما غمز في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، من زاوية ترامب ونزعته العرقية من دون أن يسميه، كما تصدّت له المرشحة كلينتون التي دعت إلى "التعاون مع الجاليات الإسلامية" في أميركا، لمحاربة الإرهاب.

الأخطر من هذه اللغة "الترامبية" في التمييز الفاقع بين الناس وحتى بين الأميركيين، أنّ هناك توجهات فاشية بدأت تطل برأسها أكثر فأكثر، بحجة "محاربة الإرهاب".

السناتور الجمهوري لاندسي غراهام، يدعو إلى تصنيف هذه العناصر التي قامت بعمليات الأيام الأخيرة، في خانة "المقاتل المعادي" والتعامل معهم على هذا الأساس. ومثل هذا التصنيف يحرمهم من حقهم الدستوري الذي يقضي محاكمتهم ومحاسبتهم على أعمالهم الجرمية، وفق ما تنص عليه القوانين وأصول المحاكمات. بخلافه، يكون في الأمر نزع للمواطنة عن المتهم ومعاملته كأجنبي، وفي ذلك جنوح خطير قد يتطوّر إذا ما تفاقمت الأحداث، إلى توجه إقصائي للمواطنين غير المرغوب فيهم، بحجة أنهم خطر على الأمن القومي، خاصة وأنّ المناخ الأميركي مسمّم، وقد تزداد سمومه لو جاء ترامب أو أمثاله وتواصلت العمليات الإرهابية أو تصاعدت وتيرتها.



المساهمون