اضطراب إعلامي قبيل الانتخابات الرئاسية المصرية

05 مارس 2018
من وقفة سابقة أمام النقابة في القاهرة (محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -
ها هو شهر مارس/آذار، المقرر أن تُجرى فيه الانتخابات الرئاسية المصرية، يأتي، وتأتي معه قبضة أمنية شرسة ألقت بظلالها على المشهد الإعلامي المصري. 
أحد لم يعد يتوقع الآتي، فآلة القمع تطاول القاسي والداني، ولم تفلت منها حتى أذرع النظام الإعلامية نفسها. فمساء أمس الأحد، قررت نيابة وسط القاهرة المصرية، برئاسة المستشار سمير حسن، حبس الإعلامي خيري رمضان، لمدة 4 أيام احتياطياً على ذمة التحقيقات التي تجرى معه بمعرفة النيابة، في قضية اتهامه بنشر أخبار ومعلومات من شأنها الإساءة إلى جهاز الشرطة، والعاملين به، بحسب ما أفادت به وكالة أنباء "الشرق الأوسط" الرسمية في مصر.

وكانت النيابة قد باشرت التحقيق مع مقدم برنامج "مصر النهاردة"، في البلاغ المقدم ضده من الإدارة العامة للشؤون القانونية بوزارة الداخلية، تحت رقم 1070 لسنة 2018، ويتهمه بالإساءة للوزارة، وضباط وأفراد الشرطة، وذويهم، وإذاعة أخبار كاذبة ببرنامجه، المذاع على القناة الأولى (التليفزيون الرسمي).

ويأتي التحقيق مع رمضان، وهو أحد الإعلاميين الموالين للنظام، على خلفية وإذاعة حلقة من برنامجه "مصر النهاردة" على القناة الأولى المصرية، رسالة من سيدة قالت إنها زوجة ضابط شرطة تحدثت فيها عن معاناتها وأسرتها من صعوبات الحياة وضعف رواتب ضباط الشرطة، وأنّها تفكر في العمل خادمة. ما أثار استياء ضباط الشرطة وذويهم، واعتبروها "إهانةً لهم".

وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، الخميس الماضي، إنه "لن يسمح بالإساءة للقوات المسلحة أو الشرطة، لأنها تعد خيانة عظمى (من وجهة نظره)"، زاعماً أن أي انتقاد لأداء المؤسستين الأمنيتين سواء في الإعلام أو على مواقع التواصل الاجتماعي "لا علاقة له بحرية الرأي"، ويمثل إساءة لجميع المصريين.

وجاءت التحقيقات مع خيري رمضان، بعد أيام معدودة من القبض على الصحافية مي الصباغ والمصور أحمد مصطفى، في الإسكندرية، بينما كانا يعدان تقريرًا ميدانيًا عن "ترام الإسكندرية" لصالح موقع "رصيف22". وتم احتجازهما في قسم الشرطة وعرضهما على النيابة.
وفي اليوم التالي، قررت النيابة حبس الصحافية والمصور 15 يومًا بعد أن وجهت إليهما تهم: تصوير تقرير صحافي بدون ترخيص من وزارة الثقافة، وحيازة أدوات للتصوير لنشر بيانات وأخبار كاذبة والإسقاط على القيادة السياسية، والانضمام لجماعة أُسست على خلاف القانون من أجل تعطيل الدستور والإضرار بالوحدة الوطنية وإسقاط النظام وهي حركة 6 أبريل، ومزاولة مهنة بدون ترخيص.

كلّ هذا، دفع المنظمة المصرية لحقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني موالية للنظام) لإصدار بيان أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء واقعة القبض على الصباغ والمصور أحمد مصطفى، وطالبت بسرعة إصدار وزارة الداخلية بيان ملابسات هذا الحادث، مشيرةً إلى ضرورة مطالبة نقابة الصحافيين بتوثيق مثل هذه الحالات ورفعها إلى الحكومة لوضع آلية واضحة للعلاقة بين الحكومة والصحافيين "لأنه من غير المعقول أن يتم القبض على الصحافي لمجرد أداء عمله".


ولم تعلق نقابة الصحافيين المصرية على الأمر. بل إن النقيب عبد المحسن سلامة، يرى أن المرحلة التي تمر بها مصر "حرجة جدًا"، وتتطلب من جميع المؤسسات "التكاتف لمواجهة المؤامرة التي تحاك ضدها"، وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي "يبذل جهداً كبيرًا على مدار الساعة ليواجه قدره في قيادة البلاد في هذه الفترة الصعبة من تاريخها.
وأضاف سلامة، خلال الندوة التي نظمتها النقابة الفرعية للصحافيين في الإسكندرية، قبل يومين، أن نقابة الصحافيين لم تكن يوماً في مواجهة مع مؤسسات الدولة، بل هي من ضمن أذرعها الرئيسية، وكان للصحافيين دور محوري في مواجهة السيناريوهات التي كانت معدة لانزلاق الدولة فيها.

في السياق ذاته، نشر الصحافي المصري ومقرر لجنة الحريات السابق بنقابة الصحافيين المصرية خالد البلشي، تكذيبًا لعدة أخبار منشورة في مواقع مصرية، تدّعي تعاقده مع قناة "الحرة" الأميركية لإجراء حوارات سلبية ضد مصر، وإشارة مباشرة لحصوله على دورة تدريبية بالولايات المتحدة خلال عمله عضو مجلس النقابة. وعلّق البلشي "حملة أكاذيب وأخبار مضروبة ضدي.. عيشوا بشرف".
وأضاف عبر حسابه الخاص على "فيسبوك" مستعرضًا مجمل ما جاء من أنباء عن تعاقده مع قناة الحرة "هذه سلسلة أخبار واضح أنها موزّعة على الصحف، وكلّها تتكلّم عن شيء وهمي وهو تعاقدي مع قناة الحرة لإجراء سلسلة حوارات. وطبعاً بعضها (الصحف) أضافت من عندها فشتمت زوجتي. والألطف أنّ وسائل أخرى أضافت أكثر فقالت إنّي خضعت لدورة تدريبية في الولايات المتحدة الأميركيّة أثناء وجودي في مجلس النقابة".
وتابع: "المشكلة أنّه ليس هناك أي كلمة صحيحة في هذه الأخبار، وهذا في حد ذاته إنجاز يُحسب لمن يزيّفون الأخبار. إذ إنّ آخر مرة استضافتني فيها القناة، ضمن المرات القليلة التي ظهرتُ عليها، كانت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد فوزي بجائزة نيلسون مانديلا. والأهم أني لم أتقاضَ مليماً مقابل هذا الظهور".

ولا يمكن فصل كل تلك الوقائع عن البيان الذي أصدره النائب العام المصري، قبل أيام، بتكليف المحامين العامين، ورؤساء النيابة العامة كل في دائرة اختصاصه بالاستمرار في متابعة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وضبط ما يبث عنها ويصدر عنها عمدًا من أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب في نفوس أفراد المجتمع أو يترتب عليها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة المصرية، واتخاذ ما يلزم حيالها من إجراءات جنائية".
وفي بيان رسمي، طاولته انتقادات حقوقية وقانونية عدة بسبب صياغته وتعبيراته، حيث استخدم فيه نفس كلمات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التي يرددها في أحاديثه عن "قوى الشر"، نص على "في ضوء ما تلاحظ مؤخرًا من محاولة قوى الشر النيل من أمن وسلامة الوطن ببث ونشر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي، أصدر النائب العام المستشار نبيل صادق، قرارًا بمتابعة وضبط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تبث الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية".

يُشار إلى تصاعد وتيرة الاختفاء القسري، ضد صحافيين وناشطين في المجتمع المدني منذ بداية 2018. وكان من بينهم خلال الأيام القليلة الماضية، أحمد طارق، المونتير في الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومعتز ودنان المراسل الصحافي، الذي أجرى حوارًا مع رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق هشام جنينة، وكذلك حسن البنا، الصحافي المتدرب، ومصطفى الأعصر، الباحث في المركز الإقليمي للحقوق والحريات، وحسام الوكيل الصحافي الذي ما زال مختفياً حتى الآن.
المساهمون