اضطرابات نفسية في اليمن

29 يونيو 2017
تداعيات الحرب ليست سهلة عليه (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -

الحرب وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية أثّرت على اليمنيّين بشكل كبير. وبدا البعض عاجزاً عن تحمّل ويلاتها، ما أدى إلى إصابته باضطرابات نفسية. وتزداد نسبة هؤلاء يوماً بعد يوم، في ظل استمرار الحرب وغياب أي دور فعّال للحكومة أو المنظّمات الدولية.

ويقول المواطن علي الرياشي، وهو من حيّ الصافية في مدينة صنعاء، إنه يعرف أربعة أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية، علماً أنّهم لا يتجاوزون الخامسة والثلاثين من العمر. ويوضح أنّه ربّما تختلف أسباب الصدمات النفسية والعصبية التي تعرّض لها هؤلاء، لكنّ للحرب تأثيراً واضحاً. ويحكي الرياشي لـ"العربي الجديد"، عن أحد أصدقائه، وهو متزوّج ولديه طفلان. بعد اندلاع الحرب، بدا عاجزاً عن تأمين احتياجاتهما بسبب تسريحه من عمله في الدولة، حيث عمل على مدى 31 عاماً بعقد مؤقت. يصفه بالرجل "الحسّاس"، لافتاً إلى أنّ "لديه التزامات اجتماعية كثيرة، ولم يستطع تحمّل الهموم والتكيّف معها مثل آخرين". يشير إلى أنّ حادثة طرده من العمل مع كافة المتعاقدين مؤقّتاً مع الحكومة "تسببت له بصدمة نفسية كبيرة، وبات عاجزاً عن السيطرة على سلوكه".

من جهة أخرى، كانت للحرب آثارها المباشرة أيضاً على المنخرطين فيها بشكل أو بآخر. انضمّ حسن عامر إلى إحدى الجماعات المسلّحة قبل سنوات، ثم قرّر تركها والعودة إلى حياته الطبيعيّة إلى جانب عائلته، بعدما رأى ممارسات لم يكن يعرف أنّها يمكن أن تكون حقيقيّة، وهي ليست ضمن مبادئه. ويقول محمد، وهو شقيق حسن، إن الأخير لم يعد يتصرّف بشكل طبيعي. قد يمضي نهاره بين العائلة والعمل، لكن في الليل يتقمص شخصيته السابقة كمقاتل يؤمن بكل أفكار الجماعة وممارساتها، ليبدو شديد التوتر والعنف. في بعض الأحيان، يضرب رأسه بالجدار، أو يشد شعره بقوة. يضيف أنّ الطبيب النفسي قال إنه يعاني من انفصام في الشخصية، ما يستدعي نقله إلى أحد مراكز العلاج لبعض الوقت.




ويلفت الطبيب النفسي إلى مشكلة حقيقيّة في البلاد تتمثّل في عدم وجود أي مستشفى حكومي للعلاج النفسي، أو قسم للمرضى النفسيين ضمن أي مستشفى حكومي. ويلفت إلى وجود ثلاثة مستشفيات خاصة في مدينة صنعاء وأخرى في عدن، علماً أنّ كلفة العلاج فيها تعدّ مرتفعة، وهي تكلّف زبائنها أموالاً كثيرة، خصوصاً أنّ بعض الحالات ترقد في المستشفى ما بين شهر وستة أشهر، في وقت لا يجد 80 في المائة من اليمنيين مصادر للغذاء أو مياهاً للشرب أو الرعاية الصحية وغير ذلك. بعض العيادات التي تعالج المرضى النفسيّين تختار علاج الحالات الأقل حدة.

في هذا السياق، تقول المعالجة النفسية العاملة في مستشفى السبعين للأمومة والطفولة، هناء سنان، إنها موجودة في المستشفى منذ نحو خمسة أعوام، إلا أنّها لا تمارس عملها لأسباب عدة، منها أنّ المستشفى بالكاد يؤمّن غرفة لاستقبال المرضى، خالية من أي أدوات مساعدة، إضافة إلى عدم معرفة المرضى بوجود العيادة في هذا المستشفى. تضيف لـ"العربي الجديد"، أن "أحد أهم أسباب عدم زيارة الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية العيادات التي تقدم هذه الخدمة، هو عدم اقتناعهم بأنّهم مرضى، أو أنّهم يخشون من تعامل الناس معهم على أنّهم مجانين".

وتشير سنان إلى أنّ الخدمات المتعلقة بالدعم يجب أن تكون سريعة، حتى لا تتفاقم حالات المرضى وتؤدي إلى أمراض عضوية خطيرة، موضحة أنّ هذه الخدمات يجب أن تتلاءم وحجم الاضطرابات النفسية وتراعي المجتمع. وترى أنّ أفضل من يستجيب للعلاج النفسي هم الأطفال ثم النساء، كونهم أكثر قابلية للتفاعل مع العلاج، بالمقارنة مع الذكور أو الأكبر سنّاً. إلى ذلك، تقدّم منظّمات دوليّة خدمات الدعم النفسي للمتضرّرين من الحرب، أبرزها منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، وصندوق الأمم المتحدة للسكان. إلا أن دعمهما للأطفال يتركز على توفير المساحات الصديقة المفتوحة، مثل توفير ألعاب وغيرها، أو تقديم نصائح عامة في عياداتها ومراكزها.

يشار إلى أنّ دراسة سابقة صادرة عن منظمة يمن لإغاثة الأطفال حول الآثار النفسية للحرب على الأطفال، كشفت أن 58.2% من الأطفال اليمنيين ممن شملتهم الدراسة ينتابهم الخوف الشديد، فيما يعاني 37% من قلق دائم واضطراب نفسي. وأفادت الدراسة التي استهدفت عينة من الأطفال في محافظات أمانة العاصمة وعدن وتعز وأبين، بأن 36.4% من العائلات أفادوا بأن أطفالهم لا يشعرون بالأمان، و32.7% قالوا إنهم يعانون من مشاكل في النوم بسبب الخوف من أصوات الغارات الجوية ومضادات الطيران.

المساهمون