بينما كانت تمشي هند (18 عاما)، مع أخيها علي في أحد شوارع مدينة الرقة شمال سورية، استوقفتهما دورية رجال تابعة لما يسمّى بـ"الحسبة" التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ليتقدّم واحد من الرجال، ويسأل أخاها: "ليش البنت اللي معك عم ترفع العباية؟".
الأخ استغرب السؤال ولم يُجب، فعاد رجل داعش (فلسطيني الجنسية)، ليسأله عن درجة القرابة التي تربطه بالفتاة، وما إن عرف أنّه أخوها، حتى طلب منهما هويتهما الشخصية للتأكد. أعطت هند هويتها للرجل وهي ترتجف خوفا، فحملق الأخير فيها وقال: "ليش مانك مغطية صورتك بشاش أسود؟".
القصة التي بُنيت على أساس أنّ واحدا من عناصر دورية الحسبة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، رأى أو ربما تخيّل الفتاة وهي ترفع عمدا عباءتها السوداء المنسدلة على كامل جسدها، انتهت بتنبيه واحد سجّل في إضبارة هند (ملفها الشخصي)، كما أنّها كانت كافية لأن يحزم عليٌّ أغراضه وينزح خارج الرقة.
أبو إبراهيم الرقّاوي، أحد مؤسسي حملة "الرقة تذبح بصمت"، حكى لـ"العربي الجديد" القصة التي، بحسب وصفه، "بقدر ما هي مضحكة، بقدر ما تحمل ألما عميقا يضاعفه يوميا الواقع المتردي الذي وصلت إليه مدينته"، وأشار إلى أنّه إذا سُجل في ملف الفتاة تنبيه آخر فالعاقبة وخيمة، قائلا: "في حال (تبلّى) عنصر من داعش، هند، بتنبيه آخر، فإنّ المصير الذي ستلقاه حتما هو السجن، بالإضافة إلى وضع أهلها أمام خيارين، إمّا أن تُجلد ابنتهم، أو أن يتحمّل أحد إخوتها الذكور العقاب بدلاً عنها" مستشهدا بحالات سابقة مشابهة.
نساء الرقة لم يجبرن فقط على لبس الخمار، وارتداء عباءة سوداء، ومن تحتها قماش سميك يسمّى بـ"الدرع" ليمنع ظهور أيّ علامة على أنوثتها، "بل منعت اللواتي تكون أعمارهن تحت الـ45 عاما من السفر خارج (أرض الخلافة)، لأن (داعش) يخاف عليهن من الاغتصاب، في حين يزرع دوريات الحسبة في الطرقات لتراقب ما لو كانت ترتدي النساء الدروع تحت العباءات أم لا"، وفقاً لأبي إبراهيم.
الرقة اليوم لا تشبهها أبدا منذ عامين، فـ(داعش) أخذ يتفنن في قراراته، بينما لا يجرؤ أحد من أهالي المنطقة على الاعتراض. اليوم يمكنك أن ترى رجال الرقة ممنوعين من ارتداء الجينز وحلاقة ذقونهم، لأن ذلك "تشبّه بالغرب والنساء في ذات الوقت"، بحسب المنشورات التي وزّعها التنظيم أخيرا، حاظراً على متاجر المدينة بيع المرتديلا والماجي وعلب الفطر ومشروبات الطاقة أيضا، كونها "مضرة بالصحة".
مصادر محلية أكدّت لـ"العربي الجديد" أنّ "العقوبة المستحقة لكل من يخالف ما سبق تتباين وفقا لعناصر داعش الذين يلحظون المخالفة"، في وقت انتشرت فيه على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لقفص وضع وسط ساحة مدينة الطبقة في ريف الرقة، مشابه للذي أحرق فيه الطيار الأردني معاذ الكساسبة، ليزجّ فيه لمدة 24 ساعة كل من يرتدي الجينز أو يدخن السجائر أو يتأخر عن الصلاة".
أحدهم كتب تعقيباً على ذلك "أهلاً بكم في الرقة.. المكان الوحيد الذي تعود فيه عقارب الساعة إلى الوراء".
اقرأ أيضا:
أهالي الرقة يتظاهرون ضد قرار منع السفر
مدارس الرقة تعود إلى العمل.. وفق ترتيبات "التنظيم"
زواج عناصر "داعش" من السوريات .. ترغيب وترهيب