إن قلبي مقبرة جماعيّة ينام فيه الكثيرون ممن أحببت، وعلى أطرافه معتقل كبير يزوره الكثير من أصحاب القلوب المقبرة.
لعن الله ذاكرتي العفنة. لا شيء فيها سوى الموت والقهر والذلّ والعذاب والاشتياق. الاشتياق لأصحاب الطريق.. لرفاق التعب.. الاشتياق لرامي.
رامي…
صديقي المرمي في عتمةٍ ما، لا يعرفها إلا جلادٌ وحشٌ، يعذبك ساعة ويلعب مع أطفاله ساعة، كيف حالك؟ هل تسمعني؟ هل تسمع صوت دقات القلب حين أحدثك؟ لنا صورة يا صديقي في بيروت، التقطت لنا في بيت واحدة من رفيقات دربنا منذ أكثر من ثلاث سنوات طويلة، أنا أرتدي بنطال جينز أسود مع كنزة صيفية خفيفة، أضع شالًا أحمر وقبعة مدورة على رأسي. أنت ترتدي كنزة صيفية ذات لون عسكري فوق جينز أزرق، شعرك الطويل قد رُبط إلى الخلف. لي لحيّة كاملة ولك سكسوكة تحبها. كرشك كبير كما هو دائماً.
هل تذكر هذه الصورة؟ صديقتنا تلك، تعيش الآن في بلاد باردة في الشمال الأوروبي وهي لا تتواصل معي. أنا لم أزر بيروت منذ أكثر من سنتين، أي بعد اعتقالك بحوالي خمسة شهور، كانت خاوية بيروت دونك. ثيابي السوداء وشالي الأحمر ما زالا كما كانا. لحيتي أطول وشعري أطول. انظر إلى هذه الصورة الآن، ويبكي قلبي حسرة وقهراً وضعفاً.
أحب برلين حيث أسكن الآن، لكنّي أفضّل بيتاً صغيراً من بيوت أشرفيّة بيروت، يجمعني بك؛ كأس من العرق ولعبة "طاولة الزهر" وأحاديث لا تنتهي. أغنية "اشهد يا عالم علينا وع بيروت" نغنيها أنا وأنت وخالد في إحدى القرى في جبل لبنان. خالد استشهد تحت التعذيب في أحد أقبية الأسد، وأنا وحيد الآن في منفاي أكتب عنكما والوجع يعتصر قلبي، وأنت.. أنت يعلم الله وحده أين أنت. هل تسمعني يا رامي؟ يقولون إن القلوب تتحادث مهما كانت المسافة التي تفصل بينها. هل ترى الشمس ذاتها التي أراها، تلك التي ندور حولها دورة أبديّة؟ هل تذكر محفظة النقود المصنوعة من ورق الجرائد؟ ما زلت محتفظاً بها، كلما أخرجت نقوداً، أو كلما احتجت إلى هويتي وأخرجت المحفظة، أرى طيفك أمامي مبتسماً، وأنت تمد يدك لتعطيني إياها.
يبكيني غيابك، يبكيني عدم وجودك يا صديقي. أفتقدك بكل ما تعنيه كلمة فقد من معنى. رامي، لا أعرف ما أكتب ولا ماذا سأقول لك، هذا إن التقينا ذات يوم. يبقى الأمل كبيراً يا صديقي، لكن لو يأتيني خبر منك، خبر واحد يثلج قلبي. لو أعرف أين أنت. لو أعرف أنّك حيّ. لو لو لو آخ يا صديقي يالوجعي!!! يالوجعك!!!
منذ غبت وأنا أحاول أن أحادثك، أن أكتب لك شيئاً. كم كان سهلًا التحدث إليك في حضورك! كم صعب هو توجيه الحديث إليك في غيابك! يا إلهي لم أكن أدري، بأن أبسط الأشياء هو أصعبها.
أحاول أن أكتب هذه الكلمات منذ زمنٍ طويل، بدأت بكتابة هذه الصفحة منذ شهر. كتبت أول كلمة منذ شهر، وإلى الآن لا أعرف ماذا يمكنني أن أقول لك. لا أعرف ماذا أكتب. تباً للغاتنا وأبجدياتنا حين لا تستطيع أن تنطق بالألم الذي نحمله معنا في حلّنا وترحالنا. تباً لكلماتنا التي لا تستطيع وصف عجزنا. آه يا صديقي ماذا عساني أقول؟ آه يا صديقي آه.
لعن الله الشام التي تخفيك يا رامي تحت الأرض في قبو معتم مليء بصرخات ألم ووجع لا ينتهيان. لعن الله بلداً، لم يحتمل قلبك الطيب. لعن الله ذاكرة تنساك يا رفيقي.
لعن الله ذاكرتي العفنة. لا شيء فيها سوى الموت والقهر والذلّ والعذاب والاشتياق. الاشتياق لأصحاب الطريق.. لرفاق التعب.. الاشتياق لرامي.
رامي…
صديقي المرمي في عتمةٍ ما، لا يعرفها إلا جلادٌ وحشٌ، يعذبك ساعة ويلعب مع أطفاله ساعة، كيف حالك؟ هل تسمعني؟ هل تسمع صوت دقات القلب حين أحدثك؟ لنا صورة يا صديقي في بيروت، التقطت لنا في بيت واحدة من رفيقات دربنا منذ أكثر من ثلاث سنوات طويلة، أنا أرتدي بنطال جينز أسود مع كنزة صيفية خفيفة، أضع شالًا أحمر وقبعة مدورة على رأسي. أنت ترتدي كنزة صيفية ذات لون عسكري فوق جينز أزرق، شعرك الطويل قد رُبط إلى الخلف. لي لحيّة كاملة ولك سكسوكة تحبها. كرشك كبير كما هو دائماً.
هل تذكر هذه الصورة؟ صديقتنا تلك، تعيش الآن في بلاد باردة في الشمال الأوروبي وهي لا تتواصل معي. أنا لم أزر بيروت منذ أكثر من سنتين، أي بعد اعتقالك بحوالي خمسة شهور، كانت خاوية بيروت دونك. ثيابي السوداء وشالي الأحمر ما زالا كما كانا. لحيتي أطول وشعري أطول. انظر إلى هذه الصورة الآن، ويبكي قلبي حسرة وقهراً وضعفاً.
أحب برلين حيث أسكن الآن، لكنّي أفضّل بيتاً صغيراً من بيوت أشرفيّة بيروت، يجمعني بك؛ كأس من العرق ولعبة "طاولة الزهر" وأحاديث لا تنتهي. أغنية "اشهد يا عالم علينا وع بيروت" نغنيها أنا وأنت وخالد في إحدى القرى في جبل لبنان. خالد استشهد تحت التعذيب في أحد أقبية الأسد، وأنا وحيد الآن في منفاي أكتب عنكما والوجع يعتصر قلبي، وأنت.. أنت يعلم الله وحده أين أنت. هل تسمعني يا رامي؟ يقولون إن القلوب تتحادث مهما كانت المسافة التي تفصل بينها. هل ترى الشمس ذاتها التي أراها، تلك التي ندور حولها دورة أبديّة؟ هل تذكر محفظة النقود المصنوعة من ورق الجرائد؟ ما زلت محتفظاً بها، كلما أخرجت نقوداً، أو كلما احتجت إلى هويتي وأخرجت المحفظة، أرى طيفك أمامي مبتسماً، وأنت تمد يدك لتعطيني إياها.
يبكيني غيابك، يبكيني عدم وجودك يا صديقي. أفتقدك بكل ما تعنيه كلمة فقد من معنى. رامي، لا أعرف ما أكتب ولا ماذا سأقول لك، هذا إن التقينا ذات يوم. يبقى الأمل كبيراً يا صديقي، لكن لو يأتيني خبر منك، خبر واحد يثلج قلبي. لو أعرف أين أنت. لو أعرف أنّك حيّ. لو لو لو آخ يا صديقي يالوجعي!!! يالوجعك!!!
منذ غبت وأنا أحاول أن أحادثك، أن أكتب لك شيئاً. كم كان سهلًا التحدث إليك في حضورك! كم صعب هو توجيه الحديث إليك في غيابك! يا إلهي لم أكن أدري، بأن أبسط الأشياء هو أصعبها.
أحاول أن أكتب هذه الكلمات منذ زمنٍ طويل، بدأت بكتابة هذه الصفحة منذ شهر. كتبت أول كلمة منذ شهر، وإلى الآن لا أعرف ماذا يمكنني أن أقول لك. لا أعرف ماذا أكتب. تباً للغاتنا وأبجدياتنا حين لا تستطيع أن تنطق بالألم الذي نحمله معنا في حلّنا وترحالنا. تباً لكلماتنا التي لا تستطيع وصف عجزنا. آه يا صديقي ماذا عساني أقول؟ آه يا صديقي آه.
لعن الله الشام التي تخفيك يا رامي تحت الأرض في قبو معتم مليء بصرخات ألم ووجع لا ينتهيان. لعن الله بلداً، لم يحتمل قلبك الطيب. لعن الله ذاكرة تنساك يا رفيقي.