في الشكل، بدأ الاشتباك وفق التالي: يوم الجمعة قتل عنصر من حركة "فتح" زميله بالخطأ. قبل وقت قليل من تشييعه يوم السبت، دخل قائد الأمن الوطني في المخيم، العميد أبو أشرف العرموشي، إلى شارع حطين الذي يسيطر عليه الإسلاميون الذين يتهمون العمروشي بالمسؤولية عن قتل عنصرين منهم في الاشتباك الذي حصل منذ شهر. لم يتقبلوا الأمر، فأطلقوا النار عليه في محاولة لقتله، لكنه نجا وجرح عدد من مرافقيه. ردّ عناصر "فتح" على إطلاق النار وبدأ الاشتباك الذي توسع ليشمل أحياء عدة داخل المخيم، وتُستخدم فيه الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية. نتج عن الاشتباك مقتل ثلاثة من الحركة وجرح أكثر من عشرين شخصاً، بينهم مدنيون.
اقرأ أيضاً: مسلسل دموي متواصل من كابوس "عين الحلوة" في لبنان
وبحسب مصادر من داخل المخيم، فإن مسار الاشتباكات كان لصالح الإسلاميين الذين سيطروا على نقاط لـ "فتح"، التي اضطرت إلى استقدام تعزيزات من مخيم الرشيدية في صور جنوب لبنان. واللافت في هذا السياق، دخول كمية من الأسلحة إلى داخل المخيم منذ مدة، وقد وصلت هذه الأسلحة والذخائر إلى الفصائل المنضوية تحت إطار منظمة التحرير، وذلك رغم الحصار الذي يفرضه الجيش اللبناني على المخيم. وتؤكّد هذه المصادر أنّ الإسلاميين عبارة عن عدد من المجموعات الصغيرة، لكنهم يتوحدون عندما تهجم "فتح" على إحدى هذه المجموعات، وغالباً ما يحركون جبهات عدة للتخفيف عن المجموعة المستهدفة.
أما في المضمون، فإن ما جرى يُمكن وضعه في سياق تحضيرات "فتح" لمؤتمرها العام. فقد تعرّضت هذه الحركة لضربات عدة في الفترة الماضية، ما أدى إلى ظهور قيادتها في لبنان وكأنها غير قادرة على حسم الموقف وحماية الحركة. ولذلك، ومنذ اغتيال القيادي في "فتح" أبو طلال الأردني، منذ نحو شهر، وقادة الحركة الميدانيون يُرددون كلاماً عن ضرورة القضاء على الحالة الإسلامية في المخيم، "رغم أننا نبذل جهداً كبيراً لمنع الإسلاميين من البطش في حركة فتح والقضاء على تواجدها العسكري في المخيم، وأكثر من يُمارس هذا الضغط هو عصبة الأنصار"، كما يقول أحد المفاوضين لوقف إطلاق النار في الاشتباك الأخير.
ومن المؤشرات على الصراع داخل "فتح" موافقة السفير الفلسطيني أشرف دبور، وأمين سرّ الحركة ومنظمة التحرير في لبنان فتحي أبو العردات على الهدنة مساء يوم السبت، لكنّ القادة الميدانيين في "فتح" رفضوها؛ ظناً منهم أنهم قادرون على تحقيق تقدّم ميداني على حساب الإسلاميين، الذين ردوا بقسوة عبر السيطرة على إحدى نقاط "فتح" العسكرية، ليعيش المخيم ساعات الليل تحت رحمة المسلحين. ولاحقاً تم الاتفاق على هدنة أخرى، عند ظهر أمس الأحد، وخرجت مسيرة شارك فيها ممثلون عن الفصائل وعن اللجنة الشعبية والشبابية، بهدف تثبيت الهدنة، من دون أن يتوضح على أي أسس بنيت هذه الهدنة، عدا عن الاتفاق على نشر القوى الأمنية المشتركة، التي تنسحب عند بدء أي اشتباك. وقد اجتمعت الفصائل الفلسطينية في مقر السفارة الفلسطينية في بيروت، واتفقت على تثبيت الهدنة وإدانة محاولة اغتيال العرموشي، والتأكيد على نشر القوة الأمنية.
من جهتها، تقول مصادر حركة فتح إن هناك قراراً بإنهاء حالة بلال بدر، والإسلاميين المرتبطين به. وتؤكد هذه المصادر أن الحركة تريد فرض سيطرتها وفصائل منظمة التحرير على المخيمات، وأن التحضيرات لذلك قد بدأت، وهذه المعركة ليست سوى محطة من المحطات في سياق معركة السيطرة على المخيمات. وتشير هذه المصادر إلى أن الوضع العسكري لمقاتليها كان جيداً؛ ولذلك طالب الإسلاميون بالهدنة ووافقوا عليها. وتربط هذه المصادر بين "ضرب" الإسلاميين داخل المخيم وقرار الحكومة اللبنانية بفرض خطة أمنية في المناطق اللبنانية والقضاء على الحالة الإسلامية المسلحة، معتبرة أن عملها داخل المخيم يأتي في سياق التنسيق مع أجهزة الدولة اللبنانية، وتستدل على ذلك بالسماح بحركة نقل المسلحين والسلاح بين المخيمات.
لكن اللافت في الاشتباك الأخير ردّ الجيش اللبناني بكثافة على مصادر النيران التي طاولت طريق صيدا ــ الجنوب. وفيما أشارت مصادر رسمية لبنانيّة إلى أن رد الجيش أتى لحماية المدنيين ووقف إطلاق النار باتجاه خارج المخيم، تخوّفت مصادر فلسطينية من أن يكون هذا الردّ تمهيداً لتدخل لاحق من الجيش في داخل مخيم عين الحلوة.
ويُعدّ مخيم عين الحلوة "عاصمة الشتات الفلسطيني" وهو أكبر مخيم في لبنان، ويعيش فيه نحو 120 ألف لاجئ بظروف اقتصادية واجتماعية وإنسانية صعبة، وفي ظل بنى تحتية متهالكة، ونسب بطالة مرتفعة جداً. وهذه العوامل، تُساعد على استخدام المخيم كصندوق بريد لتبادل الرسائل إن بين المنظمات الفلسطينية أو أبعد من ذلك.
اقرأ أيضاً: المتشددون الجدد وسرايا يهددون مخيم عين الحلوة بالانفجار