أكد المتحدث العسكري باسم عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق الليبية، محمد قنونو، أن مختلف محاور القتال في طرابلس تشهد اشتباكات متقطعة منذ مساء الجمعة، بعد أن تمكنت قوات الحكومة من صد هجوم ضارٍ شرق العاصمة، يأتي ذلك في وقت احتشد آلاف المتظاهرين في ميدان الشهداء وسط طرابلس، الجمعة، للاحتجاج على "الاعتداء السافر على طرابلس ومدن ليبيا".
وأوضح قنونو أن منطقة الباعيش الواقعة بين تاجوراء وعين زاره شرق طرابلس شهدت "محاولة تقدم من قبل قوات حفتر لكنها ووجهت بمقاومة شرسة انتهت بتراجع قوات حفتر ليل البارحة الجمعة، بعد أن فقدت ثلاثة قتلى، فيما سقط قتيل من جانب قوات الحكومة وعدد من الجرحى".
وأضاف قنونو في حديثه لـ"العربي الجديد" أن سلاح الجو "نفذ غارتين استهدفتا رتلا لخطوط الإمداد الخلفية لقوات حفتر، كان يحاول التقدم باتجاه طرابلس لإمداد خلاياه المحاصرة داخل العاصمة"، مؤكدا أن ضربات حفتر الجوية التي استهدفت مركزا عسكريا للمراقبة الجوية في منطقة زوارة الحدودية مع تونس أسفرت عن إصابة مدنيين، فيما لم يتضرر مركز المراقبة.
وفيما أكد المتحدث العسكري أن قوات حفتر "باتت على يقين بأنها عاجزة عن تحقيق هدفها في الوجود داخل طرابلس"، اعتبر محللون ليبيون أن الرفض المحلي في طرابلس وغرب البلاد بدأ في طريقه ليشكل تيارا سياسيا متصاعدا.
وفي هذا الصدد، قالت الصحافية الليبية نجاح الترهوني لـ"العربي الجديد" إن "الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها طرابلس ومصراته مساء أمس الجمعة الرافضة لحفتر ستلفت نظر الكثير من الفاعلين الدوليين وستكذب دون شك شعارات حفتر بأن اهالي العاصمة يرحبون به".
وأضافت "على الأقل جزء كبير من الأهالي يرفضونه، فالمظاهرات رسالة مهمة للدول المهتمة بالشأن الليبي"، مرجحة أن يتطور الرأي العام الدولي المتذبذب لـ"يصل إلى رفض رسمي مجمع عليه لخطوة حفتر العسكرية".
وأرجعت الصحافية الليبية تأخر الموقف الدولي وتراجعه عن بلورة موقف موحد إلى "غياب الرأي المحلي الشعبي"، لافتة إلى أن "الرفض عكسته أيضا المظاهرة التي دعت لها قوى حفتر في بنغازي، فلم يشارك فيها إلا العشرات، ما يعني رفضا ضمنيا للحرب في شرق البلاد أيضا مقابل الآلاف في طرابلس ومصراته ومدن أخرى غرب ليبيا".
واحتشد آلاف المتظاهرين في ميدان الشهداء وسط العاصمة طرابلس، مساء أمس الجمعة، للاحتجاج على "الاعتداء السافر على طرابلس ومدن ليبيا"، بحسب بيان المتظاهرين.
وفيما لفت البيان الذي تلي أثناء المظاهرة إلى أن "حرب حفتر حرب على أهل العاصمة"، رفع المتظاهرون صور حفتر مرفقة بعلامة X وسط هتافات عالية تصفه بـ"مجرم الحرب".
وأكد البيان الختامي للمتظاهرين بدء تكوين حراك أهلي تحت مسمى "حراك أهالي وسكان العاصمة والمدن الليبية لرفض حفتر" ليواصل الدعوة للتظاهرة في مختلف المدن الليبية.
من جانب آخر، اعتبر المحلل السياسي الليبي عقيل الأطرش أن "خطوة حفتر" التي وصفها بـ"المتهورة" حولت المسار السياسي إلى مسارات أخرى، معتقدا أن "المفاوضات السياسية التي سترعاها الأمم المتحدة ستسير وفق المتغيرات على الأرض".
وقال متحدثا لـ"العربي الجديد" إن "الملتقى الجامع لن يكون بذات الأجندة السابقة ولا ذات الأطراف، فكيف سيقبل الفاعلون السياسيون بحفتر الذي رفع السلاح وانقلب على الجميع بمن فيهم الامم المتحدة"، مؤكدا أن "حفتر انتحر سياسيا".
وتابع الأطرش قائلاً "حفتر لما أعلن عن حملته أثناء وجود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس في طرابلس كان يقصد توجيه رسالة واضحة مفادها أن لا تفاوض، وقادة حفتر قالوا صراحة انتهى الكلام مع السراج الذي أكد بدوره أن لا تفاوض مع حفتر".
واعتبر المحلل السياسي أن "قتال الحكومة لن يعتبره المجتمع الدولي تصعيدا أو انقلابا على المسار السياسي فهو حق الدفاع، لكن من سيقبل الآن حفتر على طاولة المفاوضات ومن سيثق فيه"؟ مؤكدا أنه "أحرج حلفاءه الدوليين الذين يراهنون عليه ولم يعد أمامهم إلا الاستمرار في دعمه لينجح أو ينكسر نهائيا".
وكان وزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، أكد أن "حفتر لن يكون له مكان في المشهد السياسي القادم بعد إعلانه العدوان على طرابلس"، مشدداً خلال لقاء تلفزيوني ليل أمس الجمعة، على موقف الحكومة من العملية السياسية بالقول إنها "ترفض أي عملية سياسية برعاية أممية قبل استسلام قوات حفتر للجيش الليبي"، وقال "لن نسمح لشخص مجنون أن يدمر العاصمة".
وعبرت الكثير من القوى السياسية عن رفضها قبول حفتر على طاولة المفاوضات وطالبت بضرورة تغير مسار الحوار السياسي، فرئيس حزب "العدالة والبناء"، محمد صوان، أكد أن الحديث عن التسوية السياسية سيأخذ شكلا آخر بعد اعتداء قوات حفتر على طرابلس.
وقال صوان، في تصريح صحافي مساء أمس الجمعة، إن المظاهرات الحاشدة التي خرجت في الميادين تندد بعدوان حفتر ورفض عسكرة الدولة هي "رسالة واضحة للمجتمع الدولي ولا عذر للمجتمع الدولي الآن إذا لم يعلن إدانة عدوان حفتر".
وتابع "العملية السياسية الآن يجب أن تتغير أطرافها"، مؤكدا أنه "بمجرد توقيع مجلس النواب الاتفاق السياسي فإنه لم يعد القائد الأعلى للجيش، وعليه فتكليفه لحفتر قائدا عاما للجيش باطل ولا يملك شرعية فكيف يتفاوض الليبيون معه".
وكانت البعثة الأممية قد أعلنت عن إرجاء عقد الملتقى الوطني الجامع المقرر عقده منتصف الشهر الجاري إلى حين غير محدد بعد إعلان حفتر حربه على العاصمة.