"إطارات سيارات مشتعلة ودخان متصاعد من البيوت، وعربات محترقة وبلطجية، ولجان شعبية تحاول ملء فراغ أحدثه انسحاب الشرطة، نظرات رعب في عيون الطالبات" هذا بعض ما علق بذاكرة أعضاء هيئة تدريس وطلبة تعرضوا أمس الأول لعملية إخلاء من جامعة أسوان بعد تجدد اشتباكات بين قبيلتي الدابودية والهلايل، في مشهد وصفوه بـ"الحرب" أسفر عن مقتل 28 شخصا.
بين السماد والسيل
يحكي رئيس اتحاد طلبة جامعة أسوان مصطفى عثمان "للعربي الجديد" عن 6 ساعات من الرعب لا يمكن أن ينساها، تطلبت منه أن يتمالك نفسه ويكون حلقة الوصل بين إدارة الجامعة، والطلاب الخائفين، خاصة طالبات المدينة الجامعية القريبة من منطقة الاشتباك في شارع السماد والسيل، وطلبة كلية التربية والتربية النوعية.
مع أول ساعات إطلاق النار صباح أمس الأول، كان مصطفى في مكتب رئيس الجامعة يطلب منه تأجيل الدراسة، وسرعان ما أجرى الأخير اتصاله بوزير التعليم العالي فأصدر قرارا بإخلاء الجامعة وتأجيل الدراسة لمدة يومين في الأماكن البعيدة عن الاشتباك، وتأجيلها لمدة أسبوع في كليتي التربية والتربية النوعية.
إخلاء الجامعة
لم يكن هذا فقط المطلوب، لأن أحداث قطع الطرق وسيطرة المسلحين على الشوارع واللجان الشعبية التي انتشرت في المنطقة، تتطلب من الإدارة سرعة توفير سيارات من الجامعة لنقل أعضاء هيئة التدريس أولا ثم الموظفين وأخيرا الطلاب، يقول مصطفى "جامعتنا حديثة وإمكانياتها محدودة في وسائل النقل، وهذه الإجراءات تطلبت جهدا من اتحاد الطلاب وإدارة الجامعة استمر 6 ساعات، حتى تمكنا من إخلاء الجامعة، وتحديدا البنات نظرا لارتفاع نسبتهم في كليات الجامعة لأكثر من 60 بالمئة من إجمالي الطلاب".
آخر المغادرين
مواقف لا ينساها مصطفى وسط حصار خانق للجامعة بكلياتها الـ 16، والتي يدرس فيها 9150 طالبا، حاصرهم أهالي ينتمون لقبيلة الدابودية، مترقبين أي شخص يظهر انتماؤه للقبيلة الأخرى من بني هلال ليقتلوه.
من هذه المواقف رفض نائب رئيس الجامعة لشؤون التعليم والطلاب عبد القادر محمد مغادرة الجامعة مع فوج الأساتذة على متن الأتوبيسات والميكروباصات التي وفرتها الجامعة، وفضل أن يكون آخر المغادرين مع الطلاب لتهدئتهم.
تقول "زينب حماد" الطالبة في كلية العلوم جامعة أسوان "حسبى الله ونعم الوكيل، للمرة الأولى أشعر بهذا الخوف والصدمة، لا يمكن أن تكون هذه أسوان التي أعرفها، رأيت فوضى في كل مكان ولم أجد شرطيا واحدا يمكن أن يحميني، أو قيادة تحسن التصرف وتقدر الموقف".
تحت العشرين
وأمام قطع الطريق من جانب أشخاص أغلبهم تحت العشرين يحملون الأسلحة المختلفة، أصيب الأهالي بالهلع على أبنائهم في الجامعات والمدارس، خاصة مع قتل شخصين أمس، لذلك كان قرار تعليق الدراسة أفضل قرار من وجهة نظر نائب رئيس الجامعة الدكتور عبد القادر محمد، الذي انتقد تقصير الشرطة الشديد في أداء واجبها، مما أسفر عن ارتفاع أعداد القتلى ليصل إلى 28 شخصا.
"لأول مرة أرى تلك البلدة الطيبة أسوان يصل بها الأمر لهذا الحد من القتل المحَرم"
يضيف عبد القادر، مؤكدا أن الصراع بين القبائل في أسوان معتاد، ولكنه لم يصل أبدا لهذا الحد، ويرى أن الفراغ الأمني ساعد على تفاقم الوضع وتحول الأمر إلى فوضى -بحسب وصفه-، ويرى أن المسؤولية تقع بكاملها على عاتق الجهات الأمنية، معتبرا أن زيارات المسؤولين غير مجدية، وأن الحل الأمني للتعامل مع الموقف ثم التفاوض كان سينهي الصراع بشكل أسرع.
ويصف عبد القادر شوارع أسوان أمس قائلا " أتوبيسات الجامعة اضطرت لاستخدام طرق وعرة وغير رئيسة للهروب من هذا الحصار، ورغم ذلك تعرضت الأتوبيسات للوقوف المتكرر من قبل القبيلتين المتصارعتين"، وتابع "كان بعض الشباب يوقف الأتوبيس ويصعد إلى متنه، وينظر في وجوه الطلاب أو الأساتذة، ويسأل عن البطاقات الشخصية (إثبات الهوية)، كأنه لا توجد شرطة لحماية الشعب".