الاسم
كانت محتارة فى اختيار اسم مولودها الجديد، حتى قامت أمها وأحضرت ثلاث شمعات للمولود؛ كل واحدة باسم تفضله هي وزوجها: ياسين/ عمر/ محمد، حتى أخبرتها أمها أن الشمعة التي تطفئ الأول يستقر الاسم عليها.
فجأة تدفّقت دموع صامتة مدرارة، وقد تذكرت أن شمعة ذات نفس الاسم انطفأت إلى الأبد، فقد مات ياسين من عدة سنوات فى خناقة مع أحد البلطجية في حي امبابة وأنها بعد تلك الحادثة المأساوية ، عادت إلى مسقط رأسها فى المنصورة حتى تدفنه وتظل بجانبه إلى أن تلتقي به وترقد بجانبه وتخبره بحكاية الشمعات الثلاث، فقد فاتها أن تحكيها له وهو على قيد الحياة.
■ ■ ■
المشاعر
كنتُ يقظاً جداً لأستاذي، الفنان الكبير، وهو يحذرني إذا شاهد أي قطة بائسة أن أخبره فوراً، فهو مشغول ذهنياً بموعد الصالون الفني الذي يعقده شهرياً فى أحد النوادي المشهورة للغناء، واستقبال المواهب الجديدة (فى منطقة مصر الجديدة).
الأستاذ رقيق مشاعر، طيب اللب، رحيم بالقطط: في إحدى المرّات ونحن كعادتنا ذاهبون إلى حفلة، رأى قطتين بلدي، فنزل على الفور من السيارة وظل بجانبهما، ثم أخذهما إلى طبيبه البيطري، ومنه إلى منزله فى منطقة الريحاب.
لديه حوالي اثنان وثمانون قطة بلدي وواحدة شيرازي فقط مهداة له من أحد أصدقائه في العراق، وتذكر فجأة ميعاد الحفل وقد قمتُ بإلغائه قبل أن يتذكر لأني أعرفه سينشغل تماماً بالقطتين المسكينتين، وينسى كل شيء، ثم أمرني أن أضيفهما فى "جروب القطط" الخاص به على الفيسبوك ، ليتعارفوا على أصدقاء وصديقات جدد، ويتم زفافهما قريباً إن شاء الله.
■ ■ ■
الاكتئاب
كانت تأخذ حبوب الاكتئاب الغالية الثمن، حتى أخبرت الطبيب:
- مهدئ قوي لكنه يهمد جسدي تماماً، ويشعرني بالنعاس طوال اليوم، وأنا أحتاج للوقت لرعاية زوجي وطفلي.
كتب لها نوعاً آخر، تأخذ حبّة بعد الإفطار وقبل النوم.
تقول بسخرية: الاكتئاب مرض العصر، زمان كان يقولوا على الشخص المريض به مجنون أو مجنونة، اللي يحكي إنه عنده اكتئاب... الآن أمر عادي كأنه انفلونزا.
وتسترسل: هذه الحالة جاءت بالضبط بعد موت أبي، طوال الوقت أبكي، ومختنقة. الآن لأكثر من سبعة أشهر، لا أستطيع أن أنسى مشهد موته أشعر به فى المنزل، وسكرات الموت التي عايشتها معه لحظة بلحظة، ظل يشخر من السابعة صباحاً إلى الخامسة مساء، وكانت شفتاه تهمسان، كأنه يتحدث مع الملائكة. ما أصعبها تلك السكرات، وفجأة اهتز المنزل، وشعرت بزلزال حقيقي، فأدركت أنه مات. بكيت بكاء صامتاً موجعاً. كان شخيره قد زال تماماً وكان مستلقياً بوجه ناصع مضيء وقد ألقى ذراعاه بجانبه، ثم ضمهما على صدره وأغلق عينيه كأنه يودّعني ويودع الحياة برضا تام. يقولون إنه كان يخاطب قلبه، تلك المشاهد عن سكرات الموت التي عشتها لساعات مع أبي تأتيني فى اليقظة والحلم وأرتعب وأنا أسمع صوته وأشعر بحركته فى الشقة كاملاً... تعبت للغاية إلى حد الاكتئاب.
■ ■ ■
بحري – قبلي
كان يُطلق عليها "نادية بحري - قبلي"، عمرها خمسة وعشرون عاماً، تدمن بودرة الهيروين. أحبّت رفيقها فى ملجأ الأيتام وأنجبت منه طفلاً بزواج عرفي وصارت تعمل عاهرة، لتُقيت طفلها وتوفّر البودرة، بعد أن سُجن زوجها في قضية تعاطي وترويج المخدرات.
مشهود عنها بين السائقين ومجتمع عملها أنها خفيفة الحركة، تذهب إلى أي مكان بحري أو قبلي بسعر واحد بشرط توفير وسيلة الانتقال للمكان الذى ستمارس فيه عملها، ومكان لها ولطفلها.
هاجمت الشرطة إحدى الحفلات الجماعية، كانت مع ثلاثة رجال. يقال إنها ألقت بطفلها من بالكونة الطابق الرابع حتى لا يأخذوه منها. هكذا قالت وادعت في المحكمة. توقّع أصحاب القلوب الرحيمة تخفيف الحكم عليها لكن الحكم كان صادماً للجميع وهو الإعدام، أما الرجال الثلاثة فنالوا غرامة مالية وحكماً بالسجن مع وقف التنفيذ.
* كاتبة مصرية، والنصوص من مجموعة قصصية جديدة لها تصدر قريباً بعنوان "بارقات قصصية".