كشفت المفوضية الأوروبية، يوم الأربعاء، أنها خصصت 500 مليون يورو لتوطين 50 ألف مهاجر سيتم جلبهم من دول شمال أفريقيا والسودان وإثيوبيا وتشاد، ضمن خطة متكاملة لتغذية سوق العمل الأوروبية، التي ستحتاج خلال العقود المقبلة بشدة إلى شباب قادرين على الإنتاج يتم من خلالهم زيادة الناتج المحلي وتوفير دخل من الضرائب يكفي لتلبية نفقات دولة الرفاه المتزايدة في الدول الأوروبية.
وعلى الرغم من الاحتجاجات المتواصلة من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة، والتيارات الشعبوية في أوروبا، فإن الواقع الاقتصادي يفرض على دول الاتحاد الأوروبي استيراد مهاجرين من الدول النامية، وإن لم تفعل ذلك، سيصبح مستقبل دولة الرفاه في خطر حسب دراسة أصدرتها المفوضية الأوروبية.
وتشير الدراسة التي نشرتها المفوضية الأوروبية أخيراً، إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تنفق حوالى 19.5% من إجمالي الناتج الإجمالي على تمويل نفقات دولة الرفاه، وترتفع النسبة إلى 20.5% في دول منطقة اليورو. وهذا المعدل يعني أن دول الاتحاد الأوروبي تنفق سنوياً قرابة 3.4 ترليونات دولار على نفقات دولة الرفاه.
وهذا المعدل الضخم من الإنفاق، إذا أضيفت إليه خدمة أقساط الديون العامة التي ترتفع حالياً في أكثر من ثلاث دول أوروبية فوق ترليوني دولار، وفي العديد منها فوق ترليون دولار، سيثقل كاهل دافع الضرائب الأوروبي ويهدد قدرة أوروبا على الايفاء بالتزامات الضمان الاجتماعي.
ودولة الرفاه تعني توفير مستوى معين من الرعاية الصحية والتعليم ومستوى من الدخل المعيشي لجميع المواطنين في أوروبا. وهذا المستوي الأوروبي من الخدمات يعد الأعلى حالياً في العالم.
وأشارت دراسة نشرتها مجلة" الإيكونومست"، البريطانية، الأسبوع الماضي، إلى أن حل مشكلة الانكماش الاقتصادي في أوروبا يكمن في توطين المزيد من المهاجرين في أوروبا.
ويقول البروفسور بجامعة جورج ميسون الأميركية، برايان كابلان، في الدراسة، إن الاقتصاد العالمي، وليس الأوروبي فقط، بحاجة إلى فتح الحدود أمام تدفق الهجرة من الدول الأفريقية.
ويشير في هذا الصدد إلى أن العالم إذا فتح باب الهجرة وأزيلت الحدود ، فإن إجمالي الناتج المحلي العالمي سيرتفع بحوالى 78 تريليون دولار عن مستواه الحالي، أي أنه سيتضاعف تقريباً.
فاستقبال الهجرة في أوروبا سيصبح ضرورة مع مرور السنوات، وزيادة نسبة الشيخوخة في المجتمع إلى نسبة الشباب.
وبالتالي فأوروبا، أصبحت قارةً عجوزاً فعلاً، ولا تنجب ما فيه الكفاية من المواليد لتغطية احتياجات سوق العمل وتغطية كلفة دولة الرفاه الاجتماعي، التي تضمن للمواطن مستوى من المعيشة والرعاية الصحية والسكن. وهذه مشكلة ضخمة تواجه أوروبا والعديد من الدول الصناعية الغنية في الوقت الراهن مثل اليابان.
فالمستوى المرتفع من الرعاية الصحية ونظم الأكل والرياضة والحياة السهلة، جعلت المواطنين في أوروبا يعيشون لفترة أطول خلال العقود الأخيرة، وهو ما رفع كلف نفقات الضمان الاجتماعي.
وفي المقابل فإن عدد المواليد الجدد لا يتناسب مع عدد المواطنين الذين يدخلون سن الشيخوخة، وهي السن التي يتوقفون فيها عن العمل ويتحولون من مساهمين في الدخل القومي، عبر الضرائب التي يدفعونها، إلى مستهلكين للخدمات والسلع، وغير منتجين بل يعتمدون على دخل العاملين والموظفين.
ومع تزايد نسبة كبار السن في المجتمع الأوروبي، فإن مستقبل دولة الرفاه، يصبح في خطر، وذلك ببساطة لأن الدول الأوروبية تعتمد في دخلها على الضرائب التي تجبيها من العمال والموظفين. وكلما ارتفعت نسبة كبار السن (فوق 65 سنة)،مقابل نسبة المواطنين في سن العمل، كلما تقلصت ميزانيات الدول الأوروبية وازدادات معدلات الإنفاق على كبار السن.
وحسب دراسة المفوضية الأوروبية، فإن ذلك سيخلق اختلالاً في النمو الاقتصادي ويرفع من العجز في الميزانيات ويضطر هذه الدول إلى الاقتراض وزيادة معدلات الديون للإيفاء بمتطلبات دولة الرفاه.
وتشير الإحصائيات الديمغرافية الصادرة عن المفوضية الأوروبية، بشأن التركيبة السكانية في أوروبا، من حيث السن، إلى أنه مقابل كل مواطن فوق سن 65 سنة، هنالك أربعة مواطنين في سن العمل حالياً، ولكن هذا المعدل سيتقلص فيما بعد العام 2020ـ 2023 ، إلى اثنين مقابل كل مواطن في سن الشيخوخة.
وفي ألمانيا مثلاً التي يبلغ عدد سكانها حالياً 82 مليون نسمة، يتوقع المكتب الفدرالي الألماني للإحصاء أن ينكمش سكان البلاد إلى ما بين 65 و70 مليون بحلول العام 2060، في الوقت الذي ترتفع فيه نسبة كبار السن إلى إجمالي عدد المواطنين.
وبالتالي تصبح مسألة استقبال المهاجرين ضرورة قصوى في البلاد حتى تتمكن من الحفاظ على معدل نمو اقتصادي مرتفع، وتغطية النفقات والديون المتراكمة حالياً والبالغة 2.5 تريليون دولار. ويعتبر معدل الخصوبة الكلي في ألمانيا من أدنى المعدلات في العالم، حيث يبلغ 1.38 طفل لكل امرأة.
يذكر أن صندوق الأمم المتحدة للسكان أدرج ألمانيا بالمرتبة الثالثة لأكبر الدول التي تستضيف المهاجرين في العالم، وأن حوالى 5% أو 10 ملايين مهاجر من مجمل الـ 191 مليون مهاجر في العالم يستقرون في ألمانيا. ولا يختلف الحال بالنسبة لفرنسا والدول الاسكندنافية التي تصرف ببذخ على دولة الرفاه.