استهداف شيشانيي المنفى: بصمات الكرملين خلف الاغتيالات

20 يوليو 2020
تظاهرة بفيينا ضد اغتيال المعارضين الشيشانيين في يوليو الحالي (Getty)
+ الخط -

من استوكهولم إلى برلين وفيينا وليل وإسطنبول وغيرها من المدن، يلاحق خطر الاغتيال المعارضين الشيشانيين لحكم الرئيس رمضان قاديروف، بعد عمليات عديدة استهدفت الكثير من هؤلاء في الفترة الأخيرة، من بين 130 ألف لاجئ شيشاني في الدول الأوروبية، فيما لا تغيب بصمات الاستخبارات الروسية عن هذه العمليات، ليصبح هذا المصير الدموي صورة يخشاها معارضو إلحاق غروزني بالكرملين، بعد سنوات حرب مدمرة لمواجهة طلب شعب الجمهورية السوفييتية السابقة الاستقلال عن الاتحاد الروسي.
وكانت النمسا، بداية يوليو/تموز الحالي، على موعد مع جريمة قتل أخرى، لأحد المعارضين الشيشانيين في المنفى الأوروبي. فقد اغتيل ناشط شيشاني أربعيني بإطلاق نار قرب العاصمة فيينا، لتعلن الشرطة القبض على روسيين اثنين للتحقيق معهما في الجريمة. وتحقق شرطة مكافحة الإرهاب بجريمة الاغتيال على أنها على خلفية سياسية. وفي فبراير/شباط الماضي شهدت غافلي، شمال العاصمة السويدية استوكهولم، محاولة اغتيال لناشط شيشاني ومدوّن، وصفتها الصحافة السويدية بـ"الدموية"، بسبب تفاصيلها. فظهيرة يوم 26 فبراير، استطاع اللاجئ السياسي توسمو عبد الرخمانوف، المعروف بمتابعة الآلاف له على مواقعه، بعد عراك دامٍ في الغرفة، من النجاة من موت محتوم بمطرقة عميل من موسكو تسلل إلى مكان سكنه. الناشط قام ببث مباشر لمتابعيه من خلال الهاتف لمجريات العملية الفاشلة، سائلاً مهاجمه باللغة الروسية: من أرسلك؟ جواب المهاجم كشف أنه روسي من موسكو، وأن شخصاً من غروزني أرسله لقتله.

وصفت الصحافة السويدية محاولة اغتيال ناشط ومدون شيشاني بالدموية

 

تلك التفاصيل المتعلقة بمحاولة اغتيال عبد الرخمانوف، في مدينة سويدية هادئة، مجرد صورة لمصير دموي يخشاه معارضو غروزني. تقديرات الصحافة الاسكندنافية، وغيرها في أوروبا، أشارت إلى أن عمليات الاستهداف، خلال الفترة الماضية، تتم بتدبير من قاديروف في غروزني والاستخبارات الروسية، للتخلص من منتقدي سلطته. ويعتبر عبد الرخمانوف من أبرز الناشطين الشيشانيين في المنفى، ويتابعه 350 ألف شخص على قناته على "يوتيوب"، وهذا رقم ضخم مقارنة بعدد سكان الشيشان البالغ نحو 1.4 مليون نسمة. ووفقاً لأرقام أوروبية، فإن أعداد لاجئي الشيشان في القارة وصل إلى نحو 130 ألفاً، أغلبهم معارضون لنظام قاديروف. وقبيل محاولة القتل في السويد بأسابيع قليلة، سجلت مدينة ليل الفرنسية عملية قتل لاجئ سياسي شيشاني طعناً. السلطات الأمنية الفرنسية تحدثت بعد الاغتيال عن أن المشتبه بهم فروا إلى روسيا بعد يوم من الجريمة.


ولاغتيال المعارضين الشيشان تاريخ طويل، ففي أغسطس/آب 2019، شهدت العاصمة الألمانية برلين عملية اغتيال في شارع عام، وأمام المارة، لطالب اللجوء الشيشاني-الجورجي، زيليمخان خانغوشفيلي، حيث أطلق الجاني على رأسه 5 طلقات من مسدس كاتم للصوت، من على دراجة هوائية. وتذكّر هذه الجريمة بمثيلتها في عام 2013، وبالوسيلة نفسها، من على دراجة بحق رجل أعمال روسي في موسكو. وبحسب صحف ومجلات ألمانية، بينها "دير شبيغل" و"زايت" و"مورغن بوست"، وحتى متحدثين باسم حزب "الخضر" في البرلمان الألماني، فإن عملية الاغتيال يمكن تتبّعها إلى أبواب الاستخبارات الفيدرالية الروسية، والاستخبارات العسكرية السرية.

أعداد لاجئي الشيشان في أوروبا وصلت إلى نحو 130 ألفاً، أغلبهم معارضون لنظام قاديروف

 

السلطات الألمانية تمكنت من كشف هوية القاتل الروسي فاديم كراسيكوف، وبحوزته نحو 3 آلاف يورو وبطاقة عودة إلى موسكو. ونقلت "دير شبيغل" عن المحققين قولهم إن كراسيكوف "عالي التدريب في مسائل التحقيق، وهو ما يشير إلى احترافية وقاتل مستأجر من الأجهزة الأمنية الروسية"، مؤكدة أن المدعي العام يؤمن "بدور الكرملين في إصدار أمر الاغتيال". وكشفت مواقع مختلفة لاحقاً أن القاتل "يعمل لحساب الاستخبارات الروسية"، وحمل جواز سفر روسي رسمي باسم مستعار هو فلاديمير ستيبانوف، والأخير يقضي عقوبة بالسجن لـ24 عاماً في سان بطرسبرغ. وتوصل معدو التحقيقات الصحافية المشتركة، بين "دير شبيغل" و"إنسايدر" و"بيلينغ كات"، إلى أن حمل الرجل لجواز سفر رسمي باسم مختلف "يعني وجود صلات رسمية روسية مع القاتل".
ووفقاً لتحقيق موقع "بيلينغ كات" للصحافة الاستقصائية في 27 فبراير/شباط الماضي، فإن "جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، عمل منذ 2012 على لائحة مطلوبين، شاركها مع الاستخبارات الألمانية، ومن بين 19 شخصاً على اللائحة جرى اغتيال 5 منهم". ورأى الموقع أن استهداف شيشانيي المنفى ليس أمراً جديداً، بل يأتي ضمن سلسلة طويلة من الاغتيالات المستمرة منذ سنوات طويلة. وأشار إلى حدوث نحو 8 عمليات اغتيال مشابهة في تركيا خلال العقد الماضي. وهو ما أكده تقرير لمؤسسة "جايمس تاون" الأميركية للأبحاث وتقرير لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية في يناير/كانون الثاني 2016. التقرير الاستقصائي لـ"بيلينغ كات" أشار أيضاً إلى وجود وحدة متخصصة بالاغتيالات تتبع وحدة "فيمبل" (Vympel)، التي ورثتها الأجهزة الروسية من جهاز "كي جي بي".
وعلى الرغم من أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لم تقم بما قامت به رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي، عقب محاولة اغتيال سيرغي سكريبال عام 2018، بتوجيه اتهام مباشر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالوقوف وراء العملية، إلا أن وسائل إعلام ألمانية ودنماركية أشارت إلى أن ميركل بحثت القضية مع بوتين، بعيداً عن الإعلام، في محاولة منها لموازنة علاقتها بموسكو وسط أزمات كبيرة في أوروبا. وكانت الخارجية الألمانية قد اعتبرت دبلوماسيَين في السفارة الروسية "غير مرغوب بهما"، بعد اتضاح الصلة بين الكرملين وعملية الاغتيال في برلين صيف العام الماضي.
في قراءة الصحف الاسكندنافية والألمانية، وموقع "بيلينغ كات" بالتعاون مع وسائل إعلام ألمانية، ما يشير إلى أن السلطة في غروزني تتلقى دعماً روسياً قوياً في تصفية منتقديها في أوروبا، ومن بين هؤلاء الذين يؤثرون بالرأي العام الشيشاني. ونقلت صحيفة "إنفورماسيون" الدنماركية عن الناجي من القتل في السويد، عبد الرخمانوف، أن الاغتيالات تتم بتنسيق موثق بين القتلة وأحد أعضاء البرلمان الروسي.
وتحدثت وسائل إعلام غربية عن أن عمليات الاغتيال التي تطاول الشيشانيين تعد جزءاً من استراتيجية روسية أوسع نطاقاً لتصفية المعارضين. واستشهد بعضها بعمليات تصفية روسيين على أراضٍ أوروبية، كقضية تسميم الجاسوس الروسي السابق، ألكسندر ليتفينينكو، في بريطانيا، ومحاولة تسميم سكريبال وابنته يوليا، من خلال عملاء المخابرات الروسية، على الرغم من نفي الكرملين اتهامات بريطانيا ودول أوروبية أخرى. ونقل موقع "بي بي سي" البريطاني عن الناجي في السويد، توسمو عبد الرخمانوف، في 17 يونيو/حزيران الماضي، امتلاكه معلومات عن أن "جهاز الأمن الروسي الفيدرالي يقف خلف الاغتيالات". وذكر تقرير "بي بي سي"، نقلاً عن مديرة "مركز تحليل النزاعات والوقاية منها" كاتيا سوكيريانسكايا، أن علاقة الكرملين بقاديروف "كزواج مصلحة. ومن الواضح أن بوتين يفكر بأن قاديروف يحل له مشاكله في الشيشان. وفي المقابل يضمن بوتين بقاء قاديروف وأبنائه وأسرته ومقربيه في السلطة". جدير بالذكر أن رمضان قاديروف ابن لأحد متمردي التسعينيات، أحمد قاديروف، الذي قاتل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي للحصول على استقلال وطني. وغيّر الرجل في الحرب الشيشانية الثانية موقفه، ليصبح حليفاً لموسكو، حتى أصبح ابنه رئيساً للجمهورية، في إطار الفيدرالية الروسية، وبدعم مالي من موسكو.

المساهمون