استنزاف الثروة العربية:الطاقة مهدورة والبدائل تتسلل ببطء كخيارات ناجعة

16 مايو 2016
مشاريع لإنتاج الطاقة البديلة (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -
رغم اختلاف الثروات الطبيعيّة بين دولة عربية وأخرى، إلا أنها تشترك جميعها في ظاهرة إهدار الطاقة والإفراط في الاستهلاك، وإن نجحت الدول المصنعة في تطوير مصادرها البديلة من الطاقة نتيجة استنزاف أنشطتها الصناعية لمواردها الطاقوية، فإن المنطقة العربية التي ما تزال تخطو ببطء وتعثر نحو التصنيع تنافس الأمم المصنعة في استهلاك الطاقة ليس استغلالاً بل إهداراً. في تونس المحدودة الموارد، أو الجزائر النفطية، أو المغرب، تمثل الطاقة بمختلف أنواعها هاجساً حقيقياً لشعوب وحكومات هذه الدول، بعد أن بلغ العجز الطاقوي مستويات مرعبة يهدد مستقبل الأجيال المقبلة في ظل التزايد العالمي والمحلي باستهلاك الطاقة في شتى المجالات.

شبح الإفلاس
أعلنت وزارة الصناعة التونسية في دراسة أصدرتها نهاية عام 2015 لتشخيص الوضع الطاقوي، أن الوضع في البلاد في هذا الظرف حرج ويكاد يكون كارثياً نتيجة تراجع الموارد الطاقوية في تونس خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي بنسبة 7%. إذ تقلص إنتاج النفط الخام إلى نحو 8% وتراجع إنتاج الغاز الطبيعي بنسبة 9% فضلاً عن انخفاض كميات الغاز من الإتاوة الجزائرية بنحو 42% مقابل تطور في الاستهلاك الوطني من المواد الطاقوية وزيادة في الطلب على الطاقة الأولية بنسبة 5.1% وارتفاع استهلاك الكهرباء بنسبة 7%.
وقد أشارت الدراسة المذكورة إلى أن تفاقم العجز في ميزان الطاقة بلغ مليوني طن مكافئ نفط في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو ما يفوق العجز الذي تم تسجيله خلال عام 2014 والمقدر بنحو 1.7 مليون طن مكافئ نفط، متوقعة تواصل ارتفاع معدل العجز في السنوات القادمة.
في هذا السياق، يذكر مراد الربعي، أحد الناشطين في الحملات الوطنية لترشيد الطاقة أن العجز الطاقوي الذي تعاني منه البلاد يعود إلى عدة عوامل، منها محدودية الموارد الطاقوية وبطء الاستثمار في مجال إنتاج الطاقة البديلة، إضافة إلى تكلفة دعم الطاقة والتي تتجاوز 600 مليون دولار وفق ميزانية عام 2016. ولكن العامل الأبرز بحسب الربعي هو التعامل غير المسؤول مع الطاقة أو ما تصح تسميته بإهدار الطاقة.

ويشير مراد الربعي إلى أن الإفراط في استهلاك الطاقة يقع على عاتق الأفراد أولاً، حيث تتسبب الممارسات الخاطئة في التعامل مع هذه الثروة بتكبيد البلاد خسائر كبيرة، فقطاع النقل يستهلك 38% من إجمالي الإنتاج، يليه القطاع الصناعي بنسبة 9%، فالفلاحة بنسبة 7%، أي إن الأنشطة الاقتصادية لا تستهلك سوى أقل من نصف الإنتاج، في حين يتوزع الباقي على الاستهلاك المنزلي والسيارات الخاصة وقطاع الخدمات.
وقد بدأت الدولة بالفعل في اتخاذ تدابير لترشيد استهلاك الطاقة في القطاع العام، عبر إعادة تجهيز مختلف المؤسسات العامة بالفوانيس والتجهيزات الكهربائية المقتصدة للطاقة، كما تم إخضاع أسطول السيارات الإدارية إلى التجديد أو الصيانة، إضافة إلى تنظيم حملات تستهدف الفلاحين لترشيد استهلاك المحروقات خصوصاً وأنها تمثل 70% من كلفة الإنتاج. من جهة أخرى، وضعت الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة برنامجاً وطنياً لتوزيع ستة ملايين فانوس مقتصد مجاناً خلال السنة الحالية والتي ينتظر أن تساهم في تقليص الاستهلاك بنسبة 35%، إضافة إلى الحد من تهريب المكيفات والثلاجات الكهربائية المهربة والتي لا تخضع للمقاييس المعتمدة في استهلاك الطاقة الكهربائية.
وبحسب الربعي، فإن هذه الإجراءات وحدها لن تكفي للحد من خطر العجز الطاقوي ما لم تتزامن مع تنويع وتطوير مصادر الطاقة البديلة والتي تمثل الحل الأمثل لتجنب كارثة ستؤثر على جميع القطاعات والفئات الاجتماعية.

استنزاف الثروة في الجزائر
أعلنت الوكالة الوطنية لترقية وترشيد استعمال الطاقة، أن الأسر الجزائرية تستهلك من الكهرباء ما يعادل 10 مرات مقاييس الاستهلاك الدولية، وضعف استهلاك الأسر في المغرب وتونس، في حين تكلف الكهرباء الأسر الجزائرية 8 مرات أقل من نظيرتها المغربية. يعلق الخبير الاقتصادي عبد العالي بن عمر، ويقول: "إن العائلة الجزائرية تستهلك 2000 كيلو واط في الساعة سنوياً، وهو معدل مرتفع مقارنة مع المقاييس الدولية التي تتراوح بين 200 و250 كيلوواط في الساعة سنوياً، كما تستهلك ضعف الاستهلاك المتوسط للأسر في بلدان المغرب العربي الأخرى". ويعود هذا الإفراط بحسب بن عمر إلى إغراق السوق الجزائرية بمكيفات هواء والمعدات الكهربائية التي تستهلك الطاقة بشكل مسرف، معتبراً أن المواطنين يفضلون تلك المعدات الرخيصة.
هذه الممارسات دفعت بالوكالة، إلى حث وزارة التجارة، على التزود بمخابر متخصصة تسمح بضبط فئة الاستهلاك والتجهيزات المستوردة. كما أن غياب نظام تصنيف التجهيزات بحسب استهلاك الكهرباء يؤثر سلباً على المنتجين الجزائريين الذين لا يستطيعون التصدير وولوج الأسواق التي تفرض شهادات تصنيف استهلاك الكهرباء. وتقدر كمية الطاقة التي يتم هدرها في الجزائر سنوياً بنحو 25 % من الطاقة التي يتم إنتاجها أي ما يناهز 8 مليارات دولار، مرجعاً السبب إلى انخفاض أسعار الطاقة في الجزائر مقارنة مع متوسط السعر المعمول به على المستوى الدولي.
أدى هذا النزيف الطاقوي إلى تزايد اهتمام السلطات الجزائرية بالطاقة المتجددة، بسبب مخاوف المسؤولين الجزائريين من تراجع مداخيل البلاد من العملات الأجنبية، وخاصة بعد انهيار أسعار النفط. إذ تنتج الجزائر حالياً 16 ألف ميغاواط من الكهرباء سنوياً. ويشير بن عمر إلى أن أكثر من 85% من إنتاج الجزائر من الكهرباء يتم بواسطة محطات تعمل بالغاز الطبيعي، بينما تتوزع المحطات الأخرى بين محطات تعمل بالديزل ومحطات تولد الكهرباء بواسطة تدفق مياه السدود.
وقد قررت وزارة الطاقة في الجزائر منذ العام 2009، إطلاق مشاريع تجريبية لإنجاز محطات لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية. وتمتلك الجزائر برنامجاً لإنجاز 15 محطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية و4 محطات لإنتاج الكهرباء بطاقة الرياح. ويقول عبد العالي بن عمر:" إن تركيز الجزائر على الطاقة النظيفة جاء على خلفية الرفض الشعبي الكبير لمشاريع الحكومة بالتنقيب عن الغاز الصخري في عام 2015 في جنوب البلاد، والذي تجلى بمظاهرات تواصلت لأشهر عديدة".

تجارب المغرب
يستورد المغرب نحو 95% من احتياجاته من الطاقة بقيمة تناهز 11 مليار دولار سنوياً بحسب بيانات الوكالة الوطنية لتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقوية في المغرب، وتستهلك الأجهزة الكهربائية سنوياً 51% من إنتاج الطاقة في المملكة المغربية في المباني السكنية والحكومية، كما يستهلك تكييف المباني أكثر من 110.000 جيجاوات ساعة في السنة. ووفق الدراسة الصادرة عن الوكالة، فإن التزايد في طلب الطاقة سيستمر بالارتفاع خلال العقد القادم بنسبة 7% سنوياً.
ويقول الأستاذ المختص في مجال الطاقة المتجددة يوسف رازا: "إن اعتماد المغرب على استيراد حاجته من الطاقة يشكل خطراً كبيراً على احتياطي البلاد من العملة الصعبة، خصوصاً مع تقلب أسعار النفط وارتفاع الكميات المستوردة التي فاقت 18 مليون طن عام 2015"، لتنعكس التكاليف المرتفعة لإنتاج الطاقة بحسب محدثنا على السياسة التنموية والموازنات المالية للبلاد. كما أدى ارتفاع تكاليف إنتاج الطاقة الكهربائية إلى ارتفاع أسعار الكهرباء بنحو 2% وهو ما زاد من متاعب المواطن المغربي وانعكس على تكاليف الإنتاج في المؤسسات الصناعية.
النزيف المالي الهائل الذي سببه قطاع الطاقة في المغرب، والإهدار المكلف الذي يكلف الخزينة مليارات الدولارات سنوياً، دفع الحكومة المغربية إلى البحث عن سبل لإنتاج الطاقة بأقل تكلفة تزامنا مع خطة لترشيد الاستهلاك. إذ أطلقت الوكالة الوطنية لتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقوية برنامجاً متكاملاً لنشر الوعي بضرورة ترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية والمحروقات، سواء عبر وسائل الإعلام أو الحملات في المدارس والطرقات، إضافة إلى المناشير الرسمية لتقنين استعمال الأجهزة والإنارة داخل المؤسسات العمومية والخاصة.
ويشمل هذا البرنامج كما يوضح الخبير الاقتصادي رازا "استعمال المصابيح الكهربائية الاقتصادية ذات الاستهلاك المنخفض، بالإضافة إلى تفادي التبذير، وتشجيع الشركات الصناعية على ترشيد استهلاكها من الطاقة، وتجديد سيارات النقل القديمة التي تستهلك كميات أكبر من الوقود". ويشير رازا إلى أن قطاع النقل يعد أكبر مستهلك للطاقة بحصة تصل إلى 40% من إجمالي الطاقة المستهلكة في البلاد، لافتاً إلى أن المحروقات هي أهم أنواع الطاقة المستخدمة في الاقتصاد المغربي.

أما على صعيد إيجاد البدائل، فقد وضعت المغرب برنامجاً طموحاً لتوفير 42% من قدرتها الإنتاجية الإجمالية للكهرباء، من مصادر طاقوية متجددة بحلول 2020. ويتضمن البرنامج إنجاز خمس محطات لإنتاج الكهرباء من مصدر شمسي بتكلفة مالية تصل إلى 9 مليارات دولار. ويقول يوسف رازا: "إن تنفيذ هذا البرنامج سيمكن البلاد من رفع الإنتاج من حوالي 2000 ميغاواط من الكهرباء إلى 4500 جيغاوات في ساعة سنوياً، كما سيتمكن المغرب عبر إنتاج الطاقة البديلة من تخفيض استهلاكه بمعدل مليون طن سنوياً من المحروقات، إلى جانب المساهمة في الحفاظ على محيطه البيئي من خلال تجنب انبعاث أكثر من 3 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون في السنة".

المساهمون