بدأ الصقيع يضرب أوروبا، ومعه تبدأ معاناة المهاجرين واللاجئين، الذين لا تزال تتقطّع بهم السُّبُلُ. لكنّ شتاء 2015، ليس كسابقيه، فهو لم يستطع منع لاجئين جدد، من أصول سورية وعراقية وأفغانية، من المغامرة.
وتشير إحصاءات الاتحاد الأوروبي إلى أنه منذ بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول، وصل ما يقارب 3500 شخص يوميا إلى الجزر اليونانية، قادمين من تركيا. ويعزو المراقبون الأمر إلى الوضع السيئ في الداخل السوري وفي المعسكرات المتواجدة في دول الجوار، دون إغفال تصميم هؤلاء على القدوم إلى أوروبا، بسبب سهولة المنفذ التركي، إذ إن الإبحار في بحر إيجه أقل خطورة من البحر المتوسط.
ومنذ بداية السنة، تم إحصاء غرق 627 شخصا في بحر إيجه، من بين 770 ألفاً وصلوا إلى اليونان، في حين أن المآسي التي عرفها البحر المتوسط أسفرت عن أكثر من 2900 غريق في نفس الفترة، من بين 150 ألف شخص وصلوا إلى الشواطئ الإيطالية.
والأرقام عن وصول المهاجرين الجدد أقلّ من نظيرتها في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث كان وصولهم بوتيرة تفوق 5000 شخص يوميا، وأقل بكثير مما حدث في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، الذي شهد الذروة، بوتيرة 6800 لاجئ يوميا.
ولا تزال دول الاتحاد الأوروبي مختلفة حول استقبالهم، خاصة مع تصاعد الانكفاء القومي، وتصاعد نوع من العنصرية وكراهية الأجانب.
وكشفت صحيفة بيلد الألمانية، اليوم الخميس، أن أعداد اللاجئين القادمين إلى أوروبا عبر تركيا انخفض إلى النصف. وأشارت الصحيفة إلى أنه وفق الأرقام والبيانات المعتمدة من قبل المفوضية الأوروبية، فإن تركيا منعت وحتى منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، 4362 شخصا من مغادرة سواحلها إلى أوروبا.
وأضافت الصحيفة أنه يتوقع دخول 3731 لاجئ يوميا خلال هذا الشهر، فيما سجل وصول 6790 يوميا خلال الشهرين المنصرمين.
وتعتبر المفوضية الأوروبية أن تقلص أعداد اللاجئين جاء ثمرة الاتفاق الذي تم إبرامه أخيرا بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، والذي قضى بالتزام أنقرة بالحد من تدفق اللاجئين إلى القارة الأوروبية مقابل تعهد دول الاتحاد بعدم إعادة أي لاجئ وصل إلى أراضيها من تركيا، على أن تحصل تركيا على مساعدات مالية.
وقد لعبت الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها باريس الشهر الماضي، دوراً في إقدام العديد من الدول الأوروبية التي يمر منها "طريق البلقان" إلى فلترة طلبات اللجوء، بحيث لم يعد يُسمَح بالمرور سوى لثلاث جنسيات، السورية والعراقية والأفغانية، معتبرة أن الحالات الأخرى، مثل الإيرانية والباكستانية والصومالية والإرتيرية وغيرها، ليس لها طابع الأولوية.
واعترفت السويد أن طاقتها على إيواء لاجئين جدد وصلت إلى الإشباع. ووجدت الحكومة الديمقراطية التي تحكم البلاد نفسَها مرغمة على التخلي عن كثير من سياساتها السابقة المتساهلة، عبر تحديد الإقامة بثلاث سنوات، بعد أن كانت دائمة، ووضع عوائق أمام جمع الشمل العائلي.
أما ألمانيا التي استقبلت منذ بداية السنة ما يقارب 900 ألف شخص، فقد صممت على وضع قيود أمام الدخول إليها، رغم أنها لم تحدّد سقفا معينا. ويحدوها الأمل أن تعتمد على حلول أوروبية، كما فعلت فرنسا حين استقبلت في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، 600 لاجئ من أصول سورية وعراقية، قدموا من ميونيخ إلى باريس وضواحيها، وأيضا على الالتزامات التركية وفق خطة العمل حول المهاجرين التي تم إقرارها نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني.
اقرأ أيضا:مساعدات مميزة للمهاجرين في ألمانيا
ويناقش زعماء ثمان من دول الاتحاد الأوربي، اليوم، مع تركيا تفعيل الخطة، قبل افتتاح قمة دول الاتحاد الأوروبي، حيث من المقرر مناقشة مسألة تحديد الأشخاص الذين سيمنحون، بالتنسيق مع السلطات التركية، حق الإقامة في دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة الأطفال والنساء. وفي هذا الصدد تقترح تركيا رقم 100 ألف شخص.
ورغم أن فرنسا ليست الوجهة المفضّلة لهؤلاء المهاجرين واللاجئين، إلا أن وصول أعداد كبيرة منهم إليها، قبل أشهر، أنتج ارتباكا كبيرا. وأعلن "المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية" عن تسجيل 69 ألف طلب لجوء ما بين يناير/ كانون الثاني ونهاية نوفمبر/ تشرين الثاني. كما أنه، رغم الاعتداءات الإرهابية، تمّ تسجيل 8000 طلب لجوء في الشهر الماضي.
وفي إطار التضامن مع اليونان وإيطاليا، قررت فرنسا استقبال 1300 لاجئ شهريا، على الرغم من أن السوريين والعراقيين لا يفضّلون الوجهة الفرنسية.
وفي المحصلة النهائية تعهدت السلطات الفرنسية أن ترفع طاقة مراكز استقبال طالبي اللجوء من 23 ألف شخص، سنة 2012، إلى نحو 40 ألف في نهاية سنة 2017 للتخفيف من مآسي هؤلاء اللاجئين، في انتظار التوصل لحلٍّ جذري يوقف الحرب الدائرة في سورية.
اقرأ أيضا:لاجئون سوريون عازمون على بدء حياة جديدة في تركيا