استمرار البحث عن أشلاء ضحايا "تفجير الكرادة" في العراق

بغداد

آدم محمود

avata
آدم محمود
08 يوليو 2016
052D7811-C14C-4C87-A771-ADD3601ECBE2
+ الخط -



لا أحد يستطيع كبح جماح دموعه أمام المشهد الكارثي لتفجير حي الكرادة بالعاصمة العراقية بغداد، البعض يأتون إليه تضامناً مع أصحابه ويعودون مجددا إلى المكان، من يملكون الجرأة وقوة التحمل أمام هول المأساة فقط هم من يوجدون هناك كل يوم، ويعملون بالبحث عن أثر لأشلاء الضحايا.

ومنذ أن شهد الشارع التجاري تفجيراً دامياً بعد منتصف ليل الأحد الماضي، لا يزال البحث جاريا عن مفقودين، إذ تشير الأدلة إلى أنهم تفحموا داخل المباني المحترقة.
وفي آخر إحصائية عن ضحايا الحادث، أعلنت وزارة الصحة العراقية في بيان لها، الخميس، أن حصيلة قتلى التفجير ارتفعت إلى 292 شخصاً، بينهم 177 لم يتم التعرف على جثثهم بسبب الاحتراق، ودعت الوزارة ذوي المفقودين إلى تقديم تحليل الحمض النووي لمطابقته مع تحاليل الضحايا.

لكن ما يؤكده مطلعون أن الضحايا أكبر من هذا العدد بكثير، لا سيما أن هناك عشرات المفقودين ما زالت الفرق التطوعية تنتشل بقايا قطع أجسامهم المتناثرة داخل البنايات.
الأماكن التي احترقت من جراء التفجير عبارة عن مجمعات للملابس تنتشر في أسواق بغداد، ومنها شارع الكرادة الشهير بصفته التجارية، مجمعات كبيرة تحوي محال متخصصة بأنواع مختلفة من الملابس والعطور والإكسسوارات والحلي.
وتشهد هذه الأماكن إقبالاً كبيراً من المتبضعين، حيث توفر فرصة للمواطنين لاختيار ما يناسب أذواقهم، خاصة أن تلك المجمعات تتخصص بما تحتاجه الأسرة بكامل أفرادها من ملابس ومواد زينة وعطور وإكسسوارات وحلي.
وكالعادة، فإن الأيام التي تسبق المناسبات السعيدة، كالأعياد، تشهد خلالها تلك الأماكن ازدحاماً كبيراً وتبقى أبوابها مفتوحة لساعات متأخرة من الليل، حيث تعج بالمتبضعين، خاصة أيام رمضان، علاوة على ذلك فشارع الكرادة يوفر فرصة للسهر بعد التبضع حيث تنتشر على جانبيه المطاعم والمقاهي العائلية، ما يشرح وجود هذا العدد الكبير من الضحايا.

وأكد مصدر من داخل دائرة الطب العدلي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن عشرات الجثث التي وصلت إلى الطب العدلي "لا يمكن التعرف على أصحابها حتى عن طريق تحليل الحمض النووي".
وأضاف المصدر، طالباً إخفاء هويته كونه غير مخول بالحديث، "جثث متفحمة لدرجة عدم وجود إمكانية معرفة هويتها، ويصل عددها إلى العشرات موجودة لدينا" لافتاً إلى أن الطب العدلي "لازال يستقبل حتى الآن بقايا أشلاء محترقة ترد من مكان الحادث".

وحتى اليوم لا يزال متطوعون من المواطنين يساعدون في تقديم خدماتهم بالبحث عن أشلاء ضحايا، أو أدلة تهدئ من روع أهالي الضحايا، "جميعهم يريدون أي شيء يثبت أن أبناءهم قتلوا بالتفجير، وإن كان قطعة لحم من أجسادهم لكي تسكن أرواحهم قليلاً. كثير منهم لم يذوقوا طعم النوم منذ الحادث، بعضهم يرقدون في المستشفيات، وآخرون أصيبوا بأمراض قلبية من هول الصدمة"، حسب ما يقول مصطفى علوان، أحد المتطوعين للبحث عن الضحايا داخل المجمعات التجارية.
ويشرح علوان لـ"العربي الجديد"، ما ألم به من حزن وهو يحاول تقديم مساعدة للعوائل التي فقدت أبناءها في موقع الحادث، "في داخل مبنى مجمع الليث عثرنا على أجزاء من بقايا قطع لحم بشرية، كانت ملتصقة بأغراض محترقة هي أيضاً. المنظر هناك مرعب. الناس الذين كانوا موجودين في المجمعات التجارية، بعد أن حاصرتهم النيران، احترقوا مع البضائع داخل المكان".

وتابع: "في بعض الأماكن تفوح رائحة لحم محروق، لقد احترق الناس، أكثر المتطوعين في البحث يهربون من أول ساعة ولا يعودون مرة أخرى؛ إنه منظر بشع لا يُحتمل".

وصار منظر البنايات من الخارج يبث الرعب هو الآخر، ولم يعد الرعب مقتصراً على داخلها، يافطات نعي الضحايا علقت على واجهاتها، ورائحة الحريق ما زالت تنتشر في المكان، وعويل النساء الثكالى ما زال يصدح من صدورهن، وأصواتهن بحّت من جراء الصراخ، فيما الدموع خطت آثارها على الوجوه.

وتحول المكان لموقع تظاهرات غاضبة منددة، كل يعبر عن رأيه، بطريقته، وكلهم يبكون الضحايا ويتهمون الحكومة بالتقصير.
رافدة السعدي، التي تصف نفسها بأنها من أوائل من فجع بعد غزو العراق في 2003، فقدت ولدها الشاب بعد مقاومته عصابات السرقة التي أجهزت على المصارف والدوائر الحكومية، مشددة على أن "الحكومة التي تدير العراق هي المسؤولة عن قتل ولدي، وكل من يقتلون حتى اليوم"، موضحة أن "الحكومة همها مصلحة السياسيين والأحزاب، وقد سرقوا العراق منذ احتلاله، والشعب توزع بين مقتول ومفقود ونازح ومعتقل".

ويعتبر الهجوم الذي طاول حي الكرادة من بين الهجمات الأكثر دموية التي شهدها العراق منذ غزوه في 2003، وأعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مسؤوليته عن الهجوم الذي تم بقنبلة مصنوعة من مادة (C 4)، بحسب كاظم بشير، مدير إعلام مديرية الدفاع المدني، الذي دفع بهذا السبب اتهامات وجهت لرجال الدفاع المدني بالتقصير.

لكن قيادة عمليات بغداد، قالت الخميس، بحسب الناطق باسمها، العميد سعد معن، خلال مؤتمر صحافي، إن "الحادث نفذ بعجلة من نوع (ستار إكس)"، وأنه "ناجم عن استخدام مادة (نترات الأمونيا)"، واصفاً التفجير بـ"النافوري"، في إشارة إلى أن التفجير تشظى في محيطه في شكل أشبه بالنافورة، وهو ما أدى إلى زيادة الأضرار.