وقف الأطفال في طوابير طويلة، في ملعب المدرسة، صباح كل يوم لغناء النشيد الوطني اللبناني ونشيد المدرسة. والفتى المراهق لم يكن يحب أياً من النشيدين. فقد كانت أذنه الموسيقيّة لا تستسيغ القفزات الموسيقيّة في النشيد الوطني، في حين كان يرى نشيد المدرسة بارداً مع موسيقى أقرب إلى الحزن وتتناسب مع مجلس عزاء، لا مع افتتاح يوم مدرسي جديد.
فضّل دائماً نشيد موطني الذي كتبه الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، ولحّنه الموسيقار اللبناني محمد فليفل. كان هذا النشيد، الذي يحفظه ويجيد عزفه على آلة الكلارينت، نشيده المفضّل. حتى أستاذ مادة الموسيقى في المدرسة، وقد كان عازفاً باهراً على البيانو، لم يكن يرى خاصّية في النشيد الوطني. كان الأستاذ الذي يجيد عزف أكثر من 75 نشيداً وطنياً عالمياً (كان العازف الخاص لرئيس الجمهورية الراحل كميل شمعون) يؤكد دائماً أن أقوى الأناشيد العربية من حيث موسيقاها هو النشيد السوري، فيما أقوى الأناشيد عالمياً فهو النشيد الفرنسي.
ولطالما تسبّبت كلمات النشيد الوطني للفتى بمشاعر متفاوتة ما بين التعجّب والغرابة. فهو نشيد يؤكد أن الجميع فداءٌ فيه للوطن، في زمن شبّ الفتى خلاله في حرب كانت فيها كل منطقة وطناً لأهلها. ويقول النشيد أننا "أسدُ غابٍ متى ساورتنا الفتن"، وكان يفكّر في نفسه دائماً أن اللبنانيين أسود بالفعل ضد بعضهم بعضاً. ولم تتغيّر نظريته هذه كثيراً مع السنوات.
أما أكثر ما كان يثير غرابته، وما زال، فهو قرار الشاعر تغييب المرأة من النشيد لسببٍ مجهول. ربما كانت القاعدة اللغوية التي تعطي الأفضليّة دائماً لذكرٍ واحدٍ في اللغة على حساب مليونٍ من النساء في حال اجتمعوا بمكان واحد. مع ذلك يبقى لافتاً أن هذا الوطن لا يهبّ إلى نجدته والدفاع عنه في المحن إلاّ الرجال، والشيوخ، والفتيان.
قصّة أخرى لفتته في مرحلة لاحقة من التعليم، وهي حكاية الاستقلال الذي هبّ اللبنانيون من أجله هبّة واحدة عندما قام الاستعمار الفرنسي بإلقاء القبض على رئيس جمهوريتهم ورئيس حكومتهم وعددٍ من الوزراء والنواب. وهي حكاية تُروى بكثير من الحنين ويضاف إليها الكثير من البطولات والبهارات بهدف رفد الشعور الوطني للتلاميذ.
ولكي تتأكد الدولة من أن هذه الحكاية ستعلق برؤوس التلاميذ جيداً، كانت تتكرّر دائماً في أسئلة الامتحانات الرسمية لصفوف الشهادات الرسمية. غير أن الحكاية لم تكن للفتى أكثر من ثلاث أو أربع علامات مؤكدة لمن يدرسها. فاقتضى الاهتمام بالاستقلال.
إقرأ أيضاً: رسبتُ مرتين!
فضّل دائماً نشيد موطني الذي كتبه الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، ولحّنه الموسيقار اللبناني محمد فليفل. كان هذا النشيد، الذي يحفظه ويجيد عزفه على آلة الكلارينت، نشيده المفضّل. حتى أستاذ مادة الموسيقى في المدرسة، وقد كان عازفاً باهراً على البيانو، لم يكن يرى خاصّية في النشيد الوطني. كان الأستاذ الذي يجيد عزف أكثر من 75 نشيداً وطنياً عالمياً (كان العازف الخاص لرئيس الجمهورية الراحل كميل شمعون) يؤكد دائماً أن أقوى الأناشيد العربية من حيث موسيقاها هو النشيد السوري، فيما أقوى الأناشيد عالمياً فهو النشيد الفرنسي.
ولطالما تسبّبت كلمات النشيد الوطني للفتى بمشاعر متفاوتة ما بين التعجّب والغرابة. فهو نشيد يؤكد أن الجميع فداءٌ فيه للوطن، في زمن شبّ الفتى خلاله في حرب كانت فيها كل منطقة وطناً لأهلها. ويقول النشيد أننا "أسدُ غابٍ متى ساورتنا الفتن"، وكان يفكّر في نفسه دائماً أن اللبنانيين أسود بالفعل ضد بعضهم بعضاً. ولم تتغيّر نظريته هذه كثيراً مع السنوات.
أما أكثر ما كان يثير غرابته، وما زال، فهو قرار الشاعر تغييب المرأة من النشيد لسببٍ مجهول. ربما كانت القاعدة اللغوية التي تعطي الأفضليّة دائماً لذكرٍ واحدٍ في اللغة على حساب مليونٍ من النساء في حال اجتمعوا بمكان واحد. مع ذلك يبقى لافتاً أن هذا الوطن لا يهبّ إلى نجدته والدفاع عنه في المحن إلاّ الرجال، والشيوخ، والفتيان.
قصّة أخرى لفتته في مرحلة لاحقة من التعليم، وهي حكاية الاستقلال الذي هبّ اللبنانيون من أجله هبّة واحدة عندما قام الاستعمار الفرنسي بإلقاء القبض على رئيس جمهوريتهم ورئيس حكومتهم وعددٍ من الوزراء والنواب. وهي حكاية تُروى بكثير من الحنين ويضاف إليها الكثير من البطولات والبهارات بهدف رفد الشعور الوطني للتلاميذ.
ولكي تتأكد الدولة من أن هذه الحكاية ستعلق برؤوس التلاميذ جيداً، كانت تتكرّر دائماً في أسئلة الامتحانات الرسمية لصفوف الشهادات الرسمية. غير أن الحكاية لم تكن للفتى أكثر من ثلاث أو أربع علامات مؤكدة لمن يدرسها. فاقتضى الاهتمام بالاستقلال.
إقرأ أيضاً: رسبتُ مرتين!