شهدت تونس يومي 28 و29 أبريل/نيسان الحالي شللاً شبه تام في كل المحاكم في البلاد، مع دخول القضاة التونسيين في إضراب بكامل المحاكم، ومعهم يشارك في الإضراب المؤتمنون العدليون ومتصرفو القضاء الذين سيتوقفون عن العمل على مدى أسبوع كامل، يُضاف إليهم كتاب عدل الإشهاد والتنفيذ، بمعنى أنّ كل الدوائر ذات العلاقة بالقضاء في شلل شبه تام على خلفية ما آلت إليه الأمور في مناقشة مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء في لجنة التشريع العام بمجلس النواب.
اختلفت أسباب هذا التوتر والتصعيد وتراوحت بين الأسباب الظاهرة والخفية، والبارز فيها هو إشكالية احترام الآجال الدستورية، إضافة إلى الاعتراضات على مهام المجلس وتركيبته التي أقصت عدة قطاعات أخرى ذات علاقة بالمهنة، فمثلت جميعها أسباباً تهدّد استقلالية القضاء حسب رأي أهل المهنة.
فإقصاء مساعدي القضاء من تركيبة هذا الهيكل الدستوري لصالح فئة مهنية بحد ذاتها، يهدد المجلس المنتظر إستحداثه بموجة من الفئوية قد تطيح مسؤوليته الكبرى في ضمان استقلالية القضاء، حسب بيان المكتب التنفيذي للجمعية الوطنية للمؤتمنين والخبراء ومتصرفي القضاء.
وحددت الفصول 112 و113 و114 من الدستور التونسي هيكلة المجلس الأعلى للقضاء وصلاحياته. على صعيد تركيبة مجالس القضاء، اقترح المشروع أن يضم مجلس القضاء العدلي سبعة وعشرين عضواً، منهم 4 قضاة معينين بحكم صفاتهم، و14 قاضياً منتخباً حسب رتبهم و9 شخصيات مستقلة حسب الاختصاص، وهو ما لم يرُق للمحامين ولا لسائر الاختصاصات، ما خلق صراعاً علنياً بين القضاة والمحامين من جهة، وبين القضاة في حدّ ذاتهم من جهة ثانية، وبين باقي القطاعات المنضوية تحت سقف المرفق القضائي، وتسبّب بتهديد واضح لاستمرارية هذا المرفق باعتبار تواتر تنفيذ الإضرابات العامة وتهديد مصالح الناس.
اقرأ أيضاً: تونس: الحريات والحقوق في مهبّ "مكافحة الإرهاب" اليوم
وفي السياق نفسه، لا يزال الجدل متواصلاً حول الآجال الدستورية لإخراج المجلس الأعلى للقضاء إلى خارج مجلس النواب، إذ شرعت منذ أكثر من شهر لجنة التشريع العام في مناقشة مشروع القانون التي تقدّمت به وزارة العدل التونسية بهذا الخصوص.
وباتت هذه الإشكالية موضوع الساعة ومادة إعلامية نقاشية، فخرج لها أهل الاختصاص للإفتاء من دون أن يستقر أي أحد على رأي موحّد لتجاوز "الأزمة" التي خلقها مجلس النواب بطرحه لهذه القضية لاستحالة المصادقة على مشروع قانون استحداث المجلس خلال هذا الشهر.
وأصل الإشكال في هذا الشأن هو اختلاف القراءات القانونية للفصل 148 من دستور الجمهورية الثانية المتعلق بالأحكام الانتقالية، والذي جاء فيه أنه "يتم في أجَلٍ أقصاه ستة أشهر من تاريخ الانتخابات التشريعية إرساء المجلس الأعلى للقضاء وفي أجل أقصاه سنة من هذه الانتخابات إرساء المحكمة الدستورية".
وهنا "مربط الفرس" كما يقول القاضي في محكمة التعقيب كمال الهذيلي لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أنّ "السؤال المطروح في هذا الإطار يتمثل في معرفة التاريخ الذي بمقتضاه يبدأ احتساب الستة أشهر لتشكيل المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية، وهو ما لم يوضحه المشرّع ولم يدقق فيه".
فتم التأكيد على اعتبار أَجَل 6 أشهر الواردة في نص الدستور، وتحديداً في باب الأحكام الانتقالية، أجلاً "استنهاضياً" لا أجلاً حاسماً وحازماً للانتهاء من القانون، كما تم التوصل إلى اعتبار أنّ تجاوز هذا الموعد في تشكيل المجلس القضائي لا يترتب عليه خرق للدستور، ولا تبعات جزائية.
اقرأ أيضاً: تونس: مجلس حكماء أمنيين لإعادة رموز نظام بن علي؟