استقبال طلاب مصر

15 أكتوبر 2014
+ الخط -

إذا كنت طالباً جامعياً في مصر، فأنت أمام مشهد نادر، لن تحكيه لك كتب تاريخ الجامعات. قوات الانقلاب تقدم لك هذا العرض مجاناً، أن تعيش حياة أسطورية داخل أسوار الجامعات المصرية. في كل جامعات العالم، تجد استقبال الطلاب مكوناً من لافتة ترحيب، موقعة من رئيس الجامعة، ومجموعة أفراد على البوابات يرتدون زياً موحداً كل مهمتهم التأكد من بطاقة هويتك الجامعية، والإجابة عن استفساراتك. أما في جامعات مصر، التي هي "أم الدنيا وهتكون أد الدنيا"، فإنك ستجد حفاوة واستقبالاً للطلاب الجدد لا يضاهيه أي استقبال طلاب في أي دولة أخرى.

وأنت في طريقك إلى الجامعة، ستجد الطريق متوقفاً، والسيارات تتحرك بسرعة السلحفاة، وعندما تسأل سيخبرك سائق سيارة الأجرة التي أنت فيها، أن بعض سيارات الشرطة تغلق الطريق، إلا حارة واحدة منه أمام الجامعة، لأنهم يستقبلون الطلاب.. تخيل أن تشكيلاً من قوات الشرطة متفرغا مخصوصا لاستقبالك!

وبمجرد أن تصل إلى جامعتك، ستجد سيارات الشرطة التي أخبرك عنها سائق الأجرة تقف لاستقبالك، وجنودها منتصبين حولها ممسكين بأسلحتهم المتنوعة التي تستخدم لزجر مجرم، أو ردع لص، وليست هذه أسلحة استقبال واحتفال، يبدو أن السائق كذب عليك.

على البوابة، ستجد العجب العجاب.. ليس استقبالاً ضئيلاً مكوناً من عدة موظفين، توحدت ملابسهم، ولكنه استقبال مقسم على عدة مراحل، استقبال يليق بأم الدنيا اللي هتبقى أد الدنيا.

ستجد بوابة النفق، كلما مر عليها أحد تُحدث صوتاً كأنه إنذار، وتجد خلفها موظفاً ضخماً ووجه واجم كأنه لم يرَ ابتسامة قط في حياته، مهمته أن يمسك بمحتوياتك ويعبث بها، كأنه يبحث عن شيء ما ضاع منه، وأخبره أحدهم أنك الذي سرقته منه، يفتش مرة، فلا يجد ما يبحث عنه، فلا يصدق نفسه، فيبحث ثانية وثالثة، ثم يخبرك بوجهه العبوس: "اتفضل يا أستاذ"، والحقيقة أنه يفتش محتوياتك ثلاث مرات فقط، لأن هناك طابورا من الطلاب الوافدين قد امتد حتى عطّل المرور في الشارع موازيا لسيارات الشرطة التي تتولى مهمة التعطيل منذ الصباح الباكر.. تخيل أن حكومتنا المبجلة خصصت موظفاً مخصوصاً ليفتشك.. آسف أقصد ليستقبلك، ما أروعه من استقبال!

وبعد أن تتخطى مرحلة التفتيش البشري، يا عزيزي الطالب، ستمر بمرحلة التفتيش الحيواني متمثلةً في كلاب تم تدريبها خصيصاً لاستقبالك. أنت لا تعلم مدى الإرهاق الذي واجه الحكومة المبجلة لتدريب هذه الكلاب لاستقبالك، يا عزيزي.

والآن، أصبح في وسعك أن تهيئ ملابسك ومحتوياتك التي نقضها العبث بها والتفتيش لتدخل إلى محاضراتك، وفي طريقك إلى المحاضرة، ستجد كاميرات المراقبة، وضعوها لاستقبالك، وموظفين يشبهون كثيرا موظفي البوابات، كل مهمتهم التمشي داخل أرجاء حرم الجامعة.

حتى الآن، أنا وأنت في حالة ذهول مما يحدث، ولماذا هذا كله، حتى إذا أتى هتاف من بعيد ينادي صاحبه "يسقط يسقط حكم العسكر"، وسط مجموعة من أصحابه بكل سلمية، متذكرين دماء أصحابهم التي سالت في المكان نفسه الذي يقفون فيه، ويهتفون إثر رصاصة غادرة من قوات الشرطة. وفور انطلاق هذا الهتاف، ستجد قوات الشرطة التي كنت تظنها لاستقبالك تقوم بوظيفتها الحقيقية، قمع الذين يهتفون واعتقالهم. وستفهم تلقائياً لماذا كان يفتشك ذلك الموظف الممل على البوابة، لعله كان يبحث عن ورقة مرسوم عليها صورة لشهيد، أو ربما كان يبحث عن دبوس عليه شعار ثوري، وأن الموظفين المتناثرين في الجامعة هم لمواجهة الذين يهتفون وضربهم. والكاميرات معدة لتصويرك، وأنت تهتف، حتى يتسنى لرئيس الجامعة أن يفصلك من دراستك.

والآن، أخبرني. هل رأيتَ في حياتك استقبالا عظيما للطلاب في أي دولة في العالم مثل الذي تستقبله الحكومة المصرية لطلابها؟

32C28B34-F62F-4803-B2F5-AA8B5E66EEA2
32C28B34-F62F-4803-B2F5-AA8B5E66EEA2
إسلام فتحي (مصر)
إسلام فتحي (مصر)