حالة التفكك والفوضى التي أعقبت اجتياح تنظيم "داعش" لمساحات واسعة من شمال العراق وغربه تُعتبر العامل المساعد الرئيس في خطوة أكراد العراق على تقديم مشروع انفصالهم عن العراق بدولة قومية للأكراد، كانت حتى وقت قريب من الأمور التي تعتبر "محرّمة" في العراق ويُتهم صاحبها بـ"الخيانة العظمى". فكردستان التي وضعت ثقلها بثلاث قواعد عسكرية أميركية وبريطانية، فضلاً عن مطار عسكري يستخدم لعمليات التحالف الدولي بشكل يمنع أي تفكير إيراني أو حتى تركي بالتدخل العسكري لمنع أو اجهاض حلم الدولة الكردية، ساعدتها أيضاً الحالة السياسية في العراق والمنطقة العربية من تناحر واضح منحها تأييد دول بالمنطقة لهذه الخطوة ليس حبا أو تعاطفا بل نكاية بدولة أو طرف ما.
وقد بدأ إقليم كردستان أولى خطواته الفعلية تجاه الانفصال عن العراق، متجاوزاً كل التحذيرات وكل المخاوف من تأثير ذلك على البلاد، وعلى المنطقة، محدداً موعداً ثابتاً لإجراء الاستفتاء الشعبي على الانفصال، في وقتٍ حذّر فيه مراقبون من خطورة هذا التوجه الذي يضع العراق أمام أزمات جديدة. وفي اجتماع عقده رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، مع قادة الأحزاب والأطراف الكردية، يوم الأربعاء، الاتفاق على تحديد 25 سبتمبر/أيلول المقبل، موعداً لإجراء الاستفتاء. وقرّر المجتمعون تشكيل لجنة عليا للاستفتاء برئاسة البارزاني، وثلاث لجان لزيارة الدول الإقليمية والعربية وبغداد، لمناقشة الموضوع.
ولفت، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأطراف الكردية المعارضة وافقت على إجراء الاستفتاء وأخذت مقابل ذلك تعهّدات من البارزاني بانتخابات للبرلمان، تفضي لانتخاب رئيس جديد للإقليم، وهذا مكسب للمعارضة على مستوى الساحة السياسية في كردستان". وكشف عن "تأييد الإمارات لانفصال كردستان عن العراق من خلال توقيع أربيل مذكرة تفاهم مع رئيس مركز الإمارات للسياسات ابتسام الكتبي، للمساعدة في تنظيم عملية استفتاء الانفصال"، مضيفاً "أنا لا أسميها انفصالا بل تقسيم العراق، والدور الإماراتي المتصاعد مؤسف للغاية". وكانت قد تغيّبت بعض الشخصيات الكردية عن حضور اجتماع البارزاني، في ترسيخ لحالة الخلاف المزمنة.
وقال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، محمد عثمان، إنّه "من الممكن أن يكون هناك دور للمنظمات الدولية والأمم المتحدة بمتابعة الاستفتاء والإشراف عليه، وهم على علم بخطوات الإقليم وبكافة تفاصيلها"، مؤكداً "استمرار الحوار مع الحكومة العراقية في بغداد بشأن هذا الموضوع، لكنّها لم تحدد موقفها حتى الآن".
وأشار إلى أنّ "إجراء الاستفتاء هو تحقيق لإرادة الشعب الكردي، وليس استهدافاً لأحد أو محاولة لإثارة أزمة أو مشكلة داخل العراق أو المنطقة"، مؤكداً أنّ "الحكومات في المنطقة ومنها العراقية والإيرانية والتركية، حاولت منذ عام 1920 وحتى اليوم منع إجراء أي استفتاء للانفصال، رغم وجود الأكراد في بلدانهم، لكن إرادة الشعب تبقى هي الأقوى من أي إرادة أخرى. والأكراد لهم ثقلهم في المنطقة وهم قومية معترف بها وتريد الاستقلال ومن حقهم تقرير مصيرهم والاستقلال هو من المتطلبات الواقعية والشرعية، وهو حق طبيعي لنا".
وأضاف أن "تلك الحكومات تحاول منع الاستفتاء، لكن عليها أن تغلّب لغة الحوار في حل الأزمات وبحث موضوع الاستفتاء وحق الشعوب بتقرير مصيرها"، مشيراً إلى أنّ "المخاوف من الاستقلال غير مبرّرة من قبل أي حكومة، وأنّ الأكراد لم يقوموا بأي إضرار في الدول المتواجدين فيها، ومن حقهم تقرير مصيرهم". وشدّد على أن "الاستفتاء ليس ضد أي جهة أو أي دولة في المنطقة بقدر ما هو تعبير عن إرادة الشعب الكردي، وبالتأكيد سيكون بصالح العراق وبصالح المنطقة بشكل عام".
بدوره، ربط عضو برلمان إقليم كردستان، عن الحركة الديمقراطية الآشورية، يعقوب سوركيس، مشاركة الشعب الكلداني السرياني الآشوري في الاستفتاء بـ"الحصول على ضمانات بشأن حقوقه". وأفاد في بيان صحافي، بأنّ "هذا الاتفاق على إجراء الاستفتاء يجب أن يضمن الشراكة القومية لشعبنا في أي ترتيبات مستقبلية تتمخض عنه، لكوننا مشاركين ولسنا شركاء"، لافتاً إلى أنّ "شعبنا كان شريكاً في النضال والتضحيات ضدّ الأنظمة الدكتاتورية، لكنّه اليوم مشارك فقط، وهذه حقيقة نرفض تكرارها". ولم تعلن الحكومة المركزية في بغداد حتى الآن موقفها من قرار الاستفتاء والتزمت جانب الصمت، بينما ذكر مراقبون أنّها "تعوّل على الخلافات الكردية في عرقلة الموضوع".
وقال الخبير السياسي، خالد عبد الجبار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الاستفتاء هو أزمة جديدة تواجه حكومة حيدر العبادي، وأنّ العبادي لا يريد أن يخلق ضجيجاً حول الأزمات، لذا فضّل الصمت إزاءها رغم وجود الحوارات بشأنها"، مبيّناً أنّ "العبادي يعول على أزمات كردستان بعرقلة الاستفتاء قبل تدخله، لذا فإنّه سيبقى يراوغ ويحاور قبل تحديد موقف رسمي معين".