يشتكي طالبو اللجوء العرب في العاصمة النمساوية فيينا من القوانين المشددة، بالإضافة إلى استغلال المهاجرين القدامى لهم، خصوصاً في السكن
"عليك أن تحلّ كلّ أمورك خلال ثلاثة أشهر وإلّا يتوجب عليك الانتظار ثلاث سنوات للمّ شمل زوجتك وطفلك. هذا عدا عن الاستغلال الذي يقوم به بعضهم في زيادة أسعار الشقق المستأجرة إلى الضعفين". ليست هذه شكوى من أبو عمر، بل ردّ على سؤال عادي حول مكان وجود زوجته وأطفاله. يذهب طالب اللجوء العربي هذا إلى تعداد كمّ التعقيدات الكبير الذي بات يواجه طالبي اللجوء في النمسا، فمن "حسم أمر اللجوء خلال ثلاثة أشهر أصبحت المدة 15 شهراً". يضيف لـ"العربي الجديد": "مرّ عام ونصف العام على وجودي هنا، وها أنا قد تجاوزت المدة القانونية لدراسة الطلب. زوجتي وابني ينتظران في تركيا بكلّ ما يحمله هذا الانتظار من وجع لي ولهما".
في رأي أبو عمر لا تغيب سياسة اللجوء الأوروبية عن قضية منحه وبعض العشرات ممن ينتظرون من أمثاله اللجوء في فيينا. يشرح الأمر بهدوء وقناعة: "أنا عربي من الأحواز (إيران)، وريثما أقف أمام القاضي ليقرر مصير طلب اللجوء، أبقى في أوراقهم الرسمية إيرانياً. بالطبع، أنا لست إيرانياً بل عربي، ويبدو أنّ هناك سياسة ممنهجة لرفض طلبات الإيرانيين والأفغان في أوروبا عموماً والنمسا تحديداً. تسلحت بالصبر، وبالرغم من أنّي وجه معروف وناشط سياسياً وإعلامياً في قضيتي الأحوازية إلّا أنّهم يماطلون في الأمر حتى أسحب طلب لجوئي وأغادر البلاد".
على هذا الأساس استطلعت "العربي الجديد" في فيينا بعض آراء العارفين بواقع اللجوء. يقول مترجم عربي طلب عدم ذكر اسمه: "نعم هناك سياسة مماطلة حقيقية في التعاطي مع طلبات اللجوء في النمسا. الحديث عن التشدد في دول أخرى ينسي البعض ما يجري هنا. هناك الكثير من الحالات التي أقدم أصحابها على سحب طلب لجوئهم والعودة إلى حيث أتوا".
مسألة المماطلة في رأي اللاجئ سمير السيد "تلحق أذى نفسياً بنا وبعائلاتنا". يضيف لـ"العربي الجديد": "تخيل أن تترك زوجتك وطفليك على أمل اللقاء بهم مجدداً بعد أشهر أو حتى عام. لكن أن تمر 3 سنوات فهي مصيبة كبيرة نعاني منها".
ما يذهب إليه السيد يتعلق بقانون اللجوء النمساوي المعدّل الذي يطالب اللاجئ بأن يتمم أوراقه خلال 3 أشهر بعد منحه اللجوء ليتسنى له جلب عائلته. ومن بين المطلوب، عدا عن الأوراق الرسمية وإثبات نسب الأطفال، تبقى مشكلة إيجاد السكن واحدة من المشاكل الكبيرة التي يعاني منها اللاجئون في النمسا. فعلى عكس دول أخرى، يتوجب هنا على اللاجئ إيجاد المسكن المناسب له ولزوجته وأطفاله ويأتي بعقد إيجار يثبت ذلك.
اقــرأ أيضاً
هو أمر يعترف طالب اللجوء أسعد ع. من سورية أنّه "بات كابوساً يؤرق وضع كثيرين ممن طلبوا اللجوء في النمسا". يضيف: "للأسف، باتت هناك سوق تنهش أبسط العلاقات الإنسانية بين البشر من نفس الطينة والخلفية. يستأجر البعض شقة كبيرة بمبلغ معين ثم يأتي بنا كشباب نحتاج مسكناً، فيقسم الشقة بطريقة استغلال بشعة تخلق الفرقة والمشاحنات بين الشبان الذين يعانون في الأصل قبل وصولهم وحصولهم على اللجوء من مصائب كثيرة". يقتنع أسعد أنّ هذا الأمر "هو الذي جعل الإيجارات في فيينا تحلق عالياً، ليس فقط بسبب دخول نحو 80 ألف مهاجر من سورية، بل لأنّ مثل هذه الممارسات حوّلت بعض المقيمين إلى سماسرة".
ما يتلقاه طالب اللجوء قبل حسم وضعه من مساعدة مالية سقفه 300 يورو، ولا يكفي بدل السكن للبحث حتى عن غرفة صغيرة. لكنّ أبو عمر وبعض رفاقه الأحوازيين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى ذلك. يتقاسمون الأجرة والمأكل لمساعدة عائلاتهم المنتظرة في تركيا.
لا يساعد الجو العام في فيينا، خصوصاً بسبب الدور السلبي الذي يلعبه الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، في قضية "الثقة بالمستأجر" بحسب وصف طالبي اللجوء الذين يتحدثون إلى "العربي الجديد". وتنتشر ظاهرة استغلال حاجة طالبي اللجوء إلى تلبية شرط المسكن للمّ الشمل، فيؤجرونهم مساكن جماعية، ليتبين بعد ثلاثة أشهر من الانتظار أنّ "المسكن الجماعي لا يلبي شرط الدولة للموافقة على لمّ الشمل".
إذا كان أسعد يتحدث عن "انتشار الفساد" واتهام السلطات النمساوية بالسكوت عنه، فإن بعض أصدقائه مثل أبو علي المقيم منذ 10 سنوات في فيينا يحاول إقناعه، وبنقاش مستمر، أنّ "المسألة ليست كما يتصورها هو وبعض المهاجرين. فهؤلاء مدفوعون بفساد البيئة السياسية والأمنية التي خرجوا منها، ما يجعلهم يظنون أنّها سياسة ممنهجة هنا أيضاً".
في واقع اللجوء والإقامة في النمسا توجد اختلافات عن الجارة ألمانيا على سبيل المثال. فليس في فيينا ولا أيّ مدينة نمساوية ما يشبه ما في برلين من تجمع سكني حصري للمهاجرين. أمر يعتبره المختصون في مجال الدمج من الموظفين الرسميين العرب والنمساويين "إيجابياً جداً لناحية تسريع الاندماج". أما طالبو اللجوء فيعتبرونه "قاسياً وظالماً ويمنع حتى أبناء المنطقة الواحدة من السكن بالقرب من بعضهم البعض، فهم لا يلتقون سوى مرة في الأسبوع في أحد الأندية أو المقاهي العربية". وينتقد آخرون، ومن بينهم أسعد، هذه الطريقة باعتبارها "متناقضة، فليس من السهل أن يكون النمساوي منفتحاً عليك، فهو يملّ منك بسرعة إذا لم تكن لغتك جيدة، فكيف سيتعلم المهاجرون هذه اللغة إذا لم يتحدثوا مع متحدث بالألمانية؟". يجيب بنفسه: "أصادق أناساً غير نمساويين في الأصل ومن مناطق غير عربية أيضاً لأتمكن من تحسين لغتي وإتقانها بسرعة كي أجد عملاً".
بفضل مساعدة أصدقاء أسعد، ومنهم أبو علي وأخوه أبو محمد، يسكن اليوم في شقة بمفرده مكونة من غرفة وملحقاتها. يعلق: "صدقاً، لو لم أجد من يساعدني لما بقيت في النمسا لحظة واحدة".
ليس كلّ من حصلوا على اللجوء يتشاطرون نفس النظرة السلبية عن حالهم وما آلت إليهم أوضاعهم. لكنّ الشيء الذي يبرز في أحاديث بعض "الآتين الجدد" وفقاً لتعريف بعض قدماء المقيمين في البلد فإنّ "شيئاً من التشنج بدأ يطل برأسه في العلاقة أيضاً بين الطرفين". ويقدّر عدد السوريين وحدهم الذين جاءوا إلى النمسا أخيراً بما يتراوح بين 80 ألفاً و90 ألفاً، من بين هؤلاء نحو خمسة آلاف فلسطيني- سوري.
إطار مشترك يجمع السوريين
كانت الجالية المصرية الكبرى عربياً في النمسا بعدد أفراد يمكن أن يصل إلى 40 ألفاً. لكن، بمجيء السوريين أخيراً، أصبحوا الأغلبية العربية. يشير البعض إلى أنّ التوتر حتى بين السوريين القدامى والسوريين الجدد "يتطلب العمل فوراً لتأسيس إطار مشترك يجمعهم حتى تبقى صورة سوريي النمسا كما هي" بحسب أستاذ جامعي سوري مقيم.
اقــرأ أيضاً
"عليك أن تحلّ كلّ أمورك خلال ثلاثة أشهر وإلّا يتوجب عليك الانتظار ثلاث سنوات للمّ شمل زوجتك وطفلك. هذا عدا عن الاستغلال الذي يقوم به بعضهم في زيادة أسعار الشقق المستأجرة إلى الضعفين". ليست هذه شكوى من أبو عمر، بل ردّ على سؤال عادي حول مكان وجود زوجته وأطفاله. يذهب طالب اللجوء العربي هذا إلى تعداد كمّ التعقيدات الكبير الذي بات يواجه طالبي اللجوء في النمسا، فمن "حسم أمر اللجوء خلال ثلاثة أشهر أصبحت المدة 15 شهراً". يضيف لـ"العربي الجديد": "مرّ عام ونصف العام على وجودي هنا، وها أنا قد تجاوزت المدة القانونية لدراسة الطلب. زوجتي وابني ينتظران في تركيا بكلّ ما يحمله هذا الانتظار من وجع لي ولهما".
في رأي أبو عمر لا تغيب سياسة اللجوء الأوروبية عن قضية منحه وبعض العشرات ممن ينتظرون من أمثاله اللجوء في فيينا. يشرح الأمر بهدوء وقناعة: "أنا عربي من الأحواز (إيران)، وريثما أقف أمام القاضي ليقرر مصير طلب اللجوء، أبقى في أوراقهم الرسمية إيرانياً. بالطبع، أنا لست إيرانياً بل عربي، ويبدو أنّ هناك سياسة ممنهجة لرفض طلبات الإيرانيين والأفغان في أوروبا عموماً والنمسا تحديداً. تسلحت بالصبر، وبالرغم من أنّي وجه معروف وناشط سياسياً وإعلامياً في قضيتي الأحوازية إلّا أنّهم يماطلون في الأمر حتى أسحب طلب لجوئي وأغادر البلاد".
على هذا الأساس استطلعت "العربي الجديد" في فيينا بعض آراء العارفين بواقع اللجوء. يقول مترجم عربي طلب عدم ذكر اسمه: "نعم هناك سياسة مماطلة حقيقية في التعاطي مع طلبات اللجوء في النمسا. الحديث عن التشدد في دول أخرى ينسي البعض ما يجري هنا. هناك الكثير من الحالات التي أقدم أصحابها على سحب طلب لجوئهم والعودة إلى حيث أتوا".
مسألة المماطلة في رأي اللاجئ سمير السيد "تلحق أذى نفسياً بنا وبعائلاتنا". يضيف لـ"العربي الجديد": "تخيل أن تترك زوجتك وطفليك على أمل اللقاء بهم مجدداً بعد أشهر أو حتى عام. لكن أن تمر 3 سنوات فهي مصيبة كبيرة نعاني منها".
ما يذهب إليه السيد يتعلق بقانون اللجوء النمساوي المعدّل الذي يطالب اللاجئ بأن يتمم أوراقه خلال 3 أشهر بعد منحه اللجوء ليتسنى له جلب عائلته. ومن بين المطلوب، عدا عن الأوراق الرسمية وإثبات نسب الأطفال، تبقى مشكلة إيجاد السكن واحدة من المشاكل الكبيرة التي يعاني منها اللاجئون في النمسا. فعلى عكس دول أخرى، يتوجب هنا على اللاجئ إيجاد المسكن المناسب له ولزوجته وأطفاله ويأتي بعقد إيجار يثبت ذلك.
هو أمر يعترف طالب اللجوء أسعد ع. من سورية أنّه "بات كابوساً يؤرق وضع كثيرين ممن طلبوا اللجوء في النمسا". يضيف: "للأسف، باتت هناك سوق تنهش أبسط العلاقات الإنسانية بين البشر من نفس الطينة والخلفية. يستأجر البعض شقة كبيرة بمبلغ معين ثم يأتي بنا كشباب نحتاج مسكناً، فيقسم الشقة بطريقة استغلال بشعة تخلق الفرقة والمشاحنات بين الشبان الذين يعانون في الأصل قبل وصولهم وحصولهم على اللجوء من مصائب كثيرة". يقتنع أسعد أنّ هذا الأمر "هو الذي جعل الإيجارات في فيينا تحلق عالياً، ليس فقط بسبب دخول نحو 80 ألف مهاجر من سورية، بل لأنّ مثل هذه الممارسات حوّلت بعض المقيمين إلى سماسرة".
ما يتلقاه طالب اللجوء قبل حسم وضعه من مساعدة مالية سقفه 300 يورو، ولا يكفي بدل السكن للبحث حتى عن غرفة صغيرة. لكنّ أبو عمر وبعض رفاقه الأحوازيين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى ذلك. يتقاسمون الأجرة والمأكل لمساعدة عائلاتهم المنتظرة في تركيا.
لا يساعد الجو العام في فيينا، خصوصاً بسبب الدور السلبي الذي يلعبه الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، في قضية "الثقة بالمستأجر" بحسب وصف طالبي اللجوء الذين يتحدثون إلى "العربي الجديد". وتنتشر ظاهرة استغلال حاجة طالبي اللجوء إلى تلبية شرط المسكن للمّ الشمل، فيؤجرونهم مساكن جماعية، ليتبين بعد ثلاثة أشهر من الانتظار أنّ "المسكن الجماعي لا يلبي شرط الدولة للموافقة على لمّ الشمل".
إذا كان أسعد يتحدث عن "انتشار الفساد" واتهام السلطات النمساوية بالسكوت عنه، فإن بعض أصدقائه مثل أبو علي المقيم منذ 10 سنوات في فيينا يحاول إقناعه، وبنقاش مستمر، أنّ "المسألة ليست كما يتصورها هو وبعض المهاجرين. فهؤلاء مدفوعون بفساد البيئة السياسية والأمنية التي خرجوا منها، ما يجعلهم يظنون أنّها سياسة ممنهجة هنا أيضاً".
في واقع اللجوء والإقامة في النمسا توجد اختلافات عن الجارة ألمانيا على سبيل المثال. فليس في فيينا ولا أيّ مدينة نمساوية ما يشبه ما في برلين من تجمع سكني حصري للمهاجرين. أمر يعتبره المختصون في مجال الدمج من الموظفين الرسميين العرب والنمساويين "إيجابياً جداً لناحية تسريع الاندماج". أما طالبو اللجوء فيعتبرونه "قاسياً وظالماً ويمنع حتى أبناء المنطقة الواحدة من السكن بالقرب من بعضهم البعض، فهم لا يلتقون سوى مرة في الأسبوع في أحد الأندية أو المقاهي العربية". وينتقد آخرون، ومن بينهم أسعد، هذه الطريقة باعتبارها "متناقضة، فليس من السهل أن يكون النمساوي منفتحاً عليك، فهو يملّ منك بسرعة إذا لم تكن لغتك جيدة، فكيف سيتعلم المهاجرون هذه اللغة إذا لم يتحدثوا مع متحدث بالألمانية؟". يجيب بنفسه: "أصادق أناساً غير نمساويين في الأصل ومن مناطق غير عربية أيضاً لأتمكن من تحسين لغتي وإتقانها بسرعة كي أجد عملاً".
بفضل مساعدة أصدقاء أسعد، ومنهم أبو علي وأخوه أبو محمد، يسكن اليوم في شقة بمفرده مكونة من غرفة وملحقاتها. يعلق: "صدقاً، لو لم أجد من يساعدني لما بقيت في النمسا لحظة واحدة".
ليس كلّ من حصلوا على اللجوء يتشاطرون نفس النظرة السلبية عن حالهم وما آلت إليهم أوضاعهم. لكنّ الشيء الذي يبرز في أحاديث بعض "الآتين الجدد" وفقاً لتعريف بعض قدماء المقيمين في البلد فإنّ "شيئاً من التشنج بدأ يطل برأسه في العلاقة أيضاً بين الطرفين". ويقدّر عدد السوريين وحدهم الذين جاءوا إلى النمسا أخيراً بما يتراوح بين 80 ألفاً و90 ألفاً، من بين هؤلاء نحو خمسة آلاف فلسطيني- سوري.
إطار مشترك يجمع السوريين
كانت الجالية المصرية الكبرى عربياً في النمسا بعدد أفراد يمكن أن يصل إلى 40 ألفاً. لكن، بمجيء السوريين أخيراً، أصبحوا الأغلبية العربية. يشير البعض إلى أنّ التوتر حتى بين السوريين القدامى والسوريين الجدد "يتطلب العمل فوراً لتأسيس إطار مشترك يجمعهم حتى تبقى صورة سوريي النمسا كما هي" بحسب أستاذ جامعي سوري مقيم.