اقرأ أيضاً: الاستراتيجية الروسية في سورية: التفاوض في الميدان
بموازاة ذلك، حاولت "وحدات حماية الشعب" الكردية اقتحام أهم مدينتين في شمال حلب، تحت غطاء ناري مكثف من الطيران الروسي، وهما أعزاز وتل رفعت. ولكن ردّ الجيش التركي لم يتأخر هذه المرة، فبدأ قصفاً مدفعياً لإبعاد الوحدات الكردية، ومنع قوات "سورية الديمقراطية"، التي تنضوي في إطارها الوحدات الكردية، من الدخول إلى مدينة أعزاز التي تبعد سبعة كيلومترات عن الحدود التركية.
وطاول القصف التركي مطار منغ العسكري الذي سيطرت عليه الوحدات الكردية منذ أيام، مستغلة انشغال فصائل الجيش السوري الحر بالقتال ضدّ مليشيات طائفية متمركزة في بلدتي نبل والزهراء وتحاول قضم المزيد من الجغرافيا، بحيث استطاعت هذه المليشيات السيطرة على قرية الطامورة القريبة من مدينة عندان قبل يومين، بدعم من 150 غارة روسية، في قصف وصفه ناشطون بـ"المتوحش".
وقال رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، إن "القوات التركية قصفت المناطق القريبة من إعزاز السورية ردّاً على النيران التي استهدفت الأراضي التركية، وفقاً لقواعد الاشتباك"، مؤكداً أن التطورات في سورية "تهدد أمن أنقرة القومي".
وتابع في تصريحات نقلتها وكالة "الأناضول": "وفقاً لقواعد الاشتباك، وبموجب القرارات التي اتخذناها سابقاً بشأن منع تدفق اللاجئين نحو تركيا، وتأمين بقائهم في بلادهم بشكل آمن، ردّت قواتنا، على العناصر التي تشكل تهديدا علينا في إعزاز ومحيطها".
وأشار داود أوغلو إلى أن "وحدات حماية الشعب الإرهابية، التي تعتبر امتداداً للنظام السوري، تتعاون مع روسيا في قصف المدنيين، وهاجمت عناصرها مدينة إعزاز"، مؤكداً أنها "تحرشت بالحدود التركية، وموقفنا واضح حيال تلك التهديدات".
ولم يتأخر رد الإدارة الأميركية على القصف المدفعي التركي، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية جون كيربي إن "بلاده دعت تركيا لوقف القصف في شمال حلب". كما دعت الأكراد السوريين وقوات أخرى تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى "عدم استغلال الفوضى السائدة للسيطرة على مزيد من الأراضي".
ولكن الجيش التركي جدد القصف المدفعي على مواقع وحدات (حماية الشعب) الكردية شمال حلب قبل ظهر أمس، إثر إعلان المملكة العربية السعودية نشر مقاتلاتها في قاعدة إنجرليك جنوب تركيا للمشاركة في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وفق ما أعلن مستشار وزير الدفاع السعودي، العميد أحمد عسيري، قائلاً إن "المملكة وتركيا تعملان في إطار التحالف الدولي لمحاربة التنظيم الإرهابي".
ويجمع مراقبون على أن الروس يعملون من أجل تغيير مجمل موازين القوى على الجغرافيا السورية، خصوصاً في المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية، قبيل 3 استحقاقات: الأول بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بناء على اتفاق ميونخ الذي صدر الجمعة، والثاني يتعلق بالجولة الثانية من مفاوضات جنيف 3 والمقررة في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، والثالث يتصل بقطع مسبق للطريق أمام أي دخول عسكري تركي ــ سعودي محتمل أن يبدأ من شمال حلب بالتحديد.
ورأى المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة السورية، رياض نعسان آغا، أن ما يحدث شمال حلب "عدوان كبير روسي على شعبنا، ومحاولة من روسيا لتمكين النظام من سحق الشعب الذي ثار على الديكتاتورية وقتله وتهجيره".
وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، "وقد انضم الى الحملة بعض الأكراد الذين استغلت روسيا قضيتهم، ووعدتهم هي والنظام بمكافأة تتمثل في دويلة خاصة بهم"، مشيراً إلى أن هذا الأمر "يشكل خطراً على تركيا التي اضطرت أن تمنع قطع التواصل في الحدود بينها وبين سورية".
وذهب نعسان آغا إلى القول: "نحن نرى أن روسيا تريد تقسيم سورية وتشريد أهل السنة بشكل خاص، والنظام يعمل معها لتأسيس ما يسمونه سورية المفيدة ولإبقاء (غير المفيدة) ساحة حرب ضدّ (الإرهاب)".
بدوره، قال عضو الائتلاف الوطني السوري، عقاب يحيى، إن الهجمة الروسية غير المسبوقة على شمال حلب تدخل ضمن سياق "فرض ميزان قوى لصالح قوات النظام، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي شمال سورية قبل وضع بيان ميونخ موضع التطبيق".
وأعرب يحيى، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن الهجمة الروسية التي تصاعدت السبت بشكل كبير "محاولة من الروس لعرقلة تدخل تركي سعودي عسكري في سورية"، مضيفاً "لكن الأمور لن تتوقف"، في إشارة إلى التدخل التركي السعودي. ولفت إلى أن الكلام يجري عن تدخل كبير "بعشرات آلاف القوات من المشاة، والصاعقة، وهناك معلومات عن 70 ألف جندي تركي سيشتركون في العملية".
وشن الطيران الروسي مئات الغارات الجوية على مدن وبلدات شمال حلب، حيث ذكر ناشطون أن القصف تركز على عندان وتل رفعت، التي قُصفت بنحو 120 غارة جوية في محاولة لتسهيل تقدم الوحدات الكردية باتجاه هذه المدينة الاستراتيجية شمال حلب.
وذكر مصدر في المعارضة السورية المسلحة أن المليشيات الطائفية والوحدات الكردية توزع المهام، بحيث تحاول الأولى التقدم من محور نبل والزهراء باتجاه المدن الأقرب من حلب، فيما تتولى الثانية فرض السيطرة على المدن الأقرب للحدود التركية لفرض اتصال جغرافي في مناطق نفوذها في شمال شرق حلب، وصولاً الى القامشلي أقصى شمال شرق سورية.
وأكد الرائد موسى الخالد وهو قيادي في الفرقة 13 التابعة للجيش السوري الحر أن مساء السبت شهد لأول مرة، تحليق سرب مؤلف من 21 طائرة من الطيران الروسي، جميعها كانت تقصف في وقت واحد. وكشف في حديث لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف، أنه "لأول مرة يشهد مثل هذا التحليق الكثيف من الطيران الروسي منذ بدء تدخله في سورية أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي".
ورأى الخالد أن "غاية الروس السيطرة على المزيد من الأراضي للضغط على قيادات المعارضة السياسية والعسكرية لفرض ما يريدون على طاولة التفاوض". وأضاف أن "الروس يعملون على محاصرة مدينة حلب من خلال المليشيات الطائفية، وما تبقّى من قوات النظام، وتسليم الريف الشمالي من حلب للوحدات الكردية، وما يُسمّى "جيش الثوار" وهما حليفا النظام".
وقال الخالد: "نحن نواجه الطيران الروسي بالبندقية، ورغم ذلك سنمنعهم من تحقيق ما يريدون. لن تستطيع قوة في الأرض فرض أي شيء على السوريين"، مشيراً إلى أن الجيش السوري الحر يقاتل على عدة جبهات في آن "نحن نواجه الطيران الروسي، وقوات النظام والمليشيات الطائفية، والوحدات الكردية والقوى المتحالفة معها، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".
اقرأ أيضاً: لاجئو ريف حلب على حدود الحياة في بيوت الدواجن