تؤشر معظم الوقائع والمواقف الصادرة في الأيام القليلة الماضية، إلى أن معركة طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من معقله الأبرز في سورية، باتت وشيكة، على الرغم من إعلان وزارة الدفاع الأميركية، مساء أول من أمس، أنها لم تتخذ بعد "أي قرارات بشأن كيفية أو موعد التحرك لتحرير الرقة"، وذلك خلافاً لما كان قد أكده قائد مليشيا "وحدات حماية الشعب" الكردية، سيبان حمو، بأن معركة الرقة ستنطلق بداية أبريل/نيسان المقبل.
وفيما لم يُجزم بعد موعد انطلاق هذه المعركة، والتي قطعت "قوات سورية الديمقراطية"، ذات الغالبية الكردية، شوطاً كبيراً في عملية "عزل" الرقة من خلال المراحل الثلاث لـ"غضب الفرات"، فقد تضاءلت آمال قوات "درع الفرات" في أن يكون لها الدور الأساسي في معركة استرجاع مدينة الرقة، والتي كانت المعارضة السورية قد سيطرت عليها أساساً في مارس/آذار 2013، قبل أن يقتحمها عناصر "داعش" مطلع عام 2014، ويتخذونها مركزاً أساسياً لهم في سورية. وكان قائد "وحدات حماية الشعب" الكردية، سيبان حمو، قد أكد لوكالة "رويترز" الجمعة، أن "قرار تحرير الرقة واقتحامها قد حُسم". وقال إنه "مع بداية أبريل ستبدأ العمليات العسكرية، ونعتقد أن تحرير الرقة لن يتجاوز أسابيع عدة"، متحدثاً عن أن قواته الكردية ستقتحم الرقة مع مقاتلين عرب، تحت لواء "قوات سورية الديمقراطية"، وأن "أعداد المقاتلين كافية، خصوصاً بعد أن تم تطويق المدينة وعزلها من الجهات الثلاث، غرباً وشمالاً وشرقاً". لكن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، جيف ديفيس، قد قال إن بلاده لم تتخذ بعد "أي قرارات بشأن كيفية أو موعد التحرك لتحرير الرقة"، مشيراً إلى أنه لا جدول بشأن المدة التي ستستغرقها المعارك، خصوصاً أن "وقتاً طويلاً أتيح لتنظيم الدولة الإسلامية لبناء دفاعاته ومواقعه القتالية وتلغيم منازل وسيارات بشحنات ناسفة بدائية الصنع".
ويبدو وفق هذه المعطيات، إضافة لتقدم "قوات سورية الديمقراطية" ضد "داعش" على ضفاف الفرات الشمالي في محافظة الرقة، بدعم من التحالف الدولي خلال الأسابيع القليلة الماضية، أن المباحثات التي جرت على مراحل، بين مسؤولين عسكريين وسياسيين أتراك، مع نظرائهم الأميركيين، لم تنجح في إيجاد حل توافقي. وكانت أنقرة قد طرحت على الإدارة الأميركية خطتين لبدء زحف قوات "درع الفرات" نحو مدينة الرقة، الأولى انطلاقاً من مناطق سيطرة المليشيات الكردية في تل أبيض بريف الرقة الشمالي، والثانية انطلاقاً من مدينة الباب التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر نحو منبج بريف حلب الشرقي، ثم الاتجاه إلى مدينة الرقة. لكن كلا المسارين على الأرض باتا غير ممكنين. فالخطة الأولى، تحتاج إلى ضغط من واشنطن على الأكراد لفتح ممر لقوات "درع الفرات" من تل أبيض، وهو ما يبدو شبه مستحيل، فيما قطع النظام طريق "درع الفرات" نحو الرقة، عبر تقدّم قواته من مناطق سيطرته بريف حلب الشرقي وصولاً إلى ضفاف نهر الفرات الغربية.
وكانت مدينة أنطاليا التركية قد شهدت، في السابع من مارس/آذار الحالي، مباحثات ضمت رؤساء أركان تركيا والولايات المتحدة وروسيا، لبحث التنسيق العسكري بين هذه الدول، منعاً لحدوث أي تصادم على الأرض السورية، خصوصاً في ريف حلب الشرقي، والذي بات مسرحاً لوجود قوات روسية وأميركية وتركية. ولم يخرج الاجتماع بنتائج واضحة، خصوصاً حيال معركة مدينة الرقة، مع إبداء مسؤولين أتراك، بينهم رئيس الوزراء، بن علي يلدريم، أسفهم لتفضيل الولايات المتحدة الانحياز إلى "وحدات حماية الشعب"، على توسيع الشراكة العسكرية مع أنقرة في معركة الرقة. وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، قد قال، منذ يومين، إن بعض قيادات الجيش الأميركي تفضل مشاركة الوحدات الكردية في الهجوم على مدينة الرقة، مضيفاً "لكننا نرى أيضاً مواقف مختلفة داخل الإدارة الأميركية. حتى الآن لم يصدروا موقفاً واضحاً بهذا الشأن... المشاورات جارية".
من جهته يرى المحلل السياسي التركي، أوكتاي يلماز، أن "المباحثات بين أنقرة وواشنطن في ما يخص معركة الرقة، والتطورات في ريف حلب الشرقي، لم تصل إلى نتيجة حتى الآن، ومن المفترض أن تستكمل أواخر هذا الشهر، إذ سيصل وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى أنقرة، وسيبحث مع المسؤولين الأتراك هذه المواضيع بالتفصيل". وأشار إلى أن "المباحثات مستمرة بين الدولتين، لأن واشنطن تريد البحث عن حل وسطي، كونها تعلم أن سيطرة الأكراد على الرقة غير ممكنة وستواجه صعوبات كثيرة، على اعتبار أن سكان وأهالي الرقة عرب يرفضون الهيمنة الكردية على مدينتهم". وأضاف يلماز، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه ووفق المعطيات الحالية، لا يبدو أن القوات التركية ستشارك في عملية تحرير الرقة، مشيراً إلى أن أنقرة "لا يمكن أن تدفع بقواتها للمشاركة في عملية من دون تفاهمات على أسس واضحة مع الجانب الأميركي"، مضيفاً أنه "في حال لجوء الولايات المتحدة إلى اقتحام مدينة الرقة بالاعتماد على المليشيات الكردية، فإن هذه المليشيات ستواجه مقاومة عربية من أهالي وعشائر الرقة"، بينما ستتجه تركيا حينها لـ"التركيز على تحرير مدينة منبج، لأنها أولوية لمصالح تركيا ومقتضيات أمنها القومي".