من هنا، انطلق برنامج "النساء في الأخبار" من "المنظمة العالمية للصحف وناشري الأنباء" (وان إيفرا) التي تأسست قبل تسع سنوات، وتعنى بدعم الصحافيين والصحافيات حول العالم. يُقدّم البرنامج الذي انطلق، بدايةً، عام 2016 تدريباً على جزأين لصحافيات من مصر ولبنان وفلسطين والأردن، شقّه الأول يتمحور حول مهارات إدارة وسائل الإعلام، ويتم في الجامعة الأميركية في القاهرة، والثاني تدريب فردي مع مدرّبات وطنيّات، يساعد الصحافيات على صقل مهاراتهنّ المتعلّقة بالإدارة والتخطيط الاستراتيجي.
خضعت قرابة 80 صحافية للتدريب على تلك المهارات حتى الآن، في ظلّ إقامة شراكاتٍ مع مؤسسات صحافية في البلدان الأربعة، لمزيدٍ من التطوير للبرنامج والمؤسسات في العالم العربي، إذ إنّ برامج التدريب عادةً ما تكون منفصلة عن غرف الأخبار، لكنها في هذا البرنامج على علاقة وثيقة بها، وفقاً للمديرة الإقليمية لبرنامج "النساء في الأخبار"، فاطمة فرج.
ولكن، ما الذي يُقدّمه هذا البرنامج على أرض الواقع للمتدرّبات؟ رداً على هذا السؤال، تقول إحدى المشاركات، الكاتبة اللبنانية، إليج نون، إنّ "البرنامج قدّم فسحة أمل، فالمرأة في العالم العربي تواجه تحديات، ولكنّ ذلك لا يعني أيضاً أن تقف مكانها، إنّما أنّها مضطرة لأن تكافح أكثر كي تثبت نفسها".
وتضيف في حديث لـ"العربي الجديد": "في المجال الصحافي، مثل أي مجال آخر، هناك طابع ذكوري يطغى. ولا تستطيع المرأة أن تأخذ حقها كالرجل، لأنها تُعتَبر أقل شأناً منه، ولا تملك
القدرات نفسها، خصوصاً إن كانت تغطي ساحات النزاع، وهذا غير حقيقي تماماً". مؤكدةً أنّ "المرأة تستطيع أن تثبت نفسها وأن تكسر الصورة النمطية التي تُربط بها"، فيما "يقدم هذا التدريب سلاحاً للصحافيات، بالرغم من أنّ الواقع لا يشبه الطموح، لأن أرض الواقع ليست أرضاً خصبةً للفرص التي تحاول المرأة اقتناصها".
رأيٌ تتشاركه نون مع مديرة برنامج "النساء في الأخبار"، ميرا عبدالله، وهي أيضاً صحافية وناشطة حقوقيّة لبنانيّة، إذ تُشير في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنّ البرنامج كان فعالاً، إذ لُمست نتائج مباشرة، فقد تمّت ترقية صحافيات مباشرةً بعد مشاركتهنّ، كما أنّ بعض الصحافيات فتحن مشاريعهنّ الخاصة أيضاً، وهو ما يؤكّد التأثير الإيجابي على المشاركات.
من جانبه، يتحدّث رئيس التحرير التنفيذي لجريدة "المصري اليوم"، إيهاب الزلاقي، عن غياب مفهوم التدريب المستمرّ والمؤثّر في الصحافة العربية، موضحاً أنّ تدريب "النساء في الأخبار" يلبّي حاجة إعطاء فرصة إضافيّة للنساء في المجال الإعلامي، إلا أنّه يؤكّد أنّ هذا ليس كافياً، إذ على الصحافيات أيضاً أن يتمتّعن بالموهبة والرغبة في التقدم في المجال.
يرى الزلاقي أنّ التدريب يساهم في تقليل الفجوة بين الرجال والنساء، إذ إنّ النساء يواجهن عوائق أكثر من الرجال، لكنّه يوضح أنّ المشاكل الأساسية التي تواجهها الصحافيات، كنوع اجتماعي، مرتبطة بالمجتمع أكثر من مشاكل المهنة نفسها. هذا إضافةً إلى خطورة المهنة التي تتضمّن الوجود في الشارع مع جمهور قد يكون غير مدرك للطبيعة الصحافية.
وعن مواجهة التحرش الجنسي في غرف الأخبار، وهي من أكبر التحديات والانتهاكات التي تواجهها الصحافيات في عملهنّ اليومي، يرى الزلاقي أنّ "حالة الوعي تتزايد في ما يتعلق بقضية التحرش الجنسي بشكل عام، والرغبة في الإبلاغ وأخذ خطواتٍ لمحاسبة المرتكبين". ويضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الحساسية تزداد لدى القادة في غرف الأخبار، إذ أصبحوا مستعدين لأخذ خطواتٍ في حال وصلهم تبليغ عن حالة، بالرغم من أنّ التحرش في مجال المهنة قد يكون أقل مما يحدث في مجالات أخرى".
Twitter Post
|
وبعد ثلاث سنواتٍ من التدريب، أتت القمة الإقليميّة للبرنامج، والتي تنعقد في بيروت من 15 إلى 17 يناير/كانون الثاني. وفيها، تسليطٌ للضوء على انهيار قطاع الصحافة، والقمع الذي يتعرّض له الصحافيون، بالإضافة إلى قتلهم لأنهم بحثوا عن الحقّ والحقيقة. وإلقاءٌ للضوء أيضاً على الانتهاكات التي تتعرّض لها الصحافيات ومحاولةٌ للتأسيس لسلوكٍ ممنهج لتعزيز دور المرأة القيادي في مجال الأخبار.
وتقول مديرة برنامج "النساء في الأخبار"، ميرا عبدالله، لـ"العربي الجديد"، إنّ القمة الإقليميّة لها أهميّة خاصة لأنّها تجمع المشاركات برؤساء التحرير، وتعمل على استدامة الإعلام من خلال المرأة والرجل على حدّ سواء، إذ ليس الموضوع المرأة، إنّما شراكة النساء مع الرجال على ملفّ استدامة الإعلام، إذ إنّ القمة تُقدّم النساء كمتساويات مع الرجال في تحديد مستقبل الإعلام.
Twitter Post
|
هنا، ترى مديرة الوكالة اللبنانية الوطنيّة للإعلام، لور سليمان، أنّ "بعض وسائل الإعلام فقدت من صدقيتها وأخلاقها وتحولت إلى تجارة رابحة في الفضاء الافتراضي"، مشيرةً إلى أنّ المرأة "تعاني من إبرازها بصورة نمطية في الإعلام، وعرضها كسلعة وأداة للإثارة، إذ يكون التركيز الأكبر على شكلها وجمالها، فيما يتمّ تخصيص موادّ تهتم بالموضة والتجميل وغيرها على حساب المواضيع والبرامج التي تخاطب فكر المرأة وعقلها".
وتطالب سليمان، التي تترأس الوكالة الوطنيّة الرسمية في لبنان منذ 11 عاماً، بإظهار الصورة الإيجابية للمرأة التي تملك من الخبرة ما يمكنها من تحدي الواقع والانطلاق بجرأة لمراكز القرار متجاوزةً كل العقد والأوهام الموروثة من عصور الانحطاط، وتمكين الإعلاميات من فرص أكبر، وحماية أمنهنّ، وتأمين العيش الكريم لهنّ، ليتمكّنّ من بناء المجتمع والوطن".
كما تدعو إلى إبراز الصورة الحقيقية للمرأة الإعلامية التي تعكس دورها في المجتمع، مشيرةً إلى ضرورة حماية المرأة من الاستغلال الذي تتعرض له، إذ إن البعض يلجأ إلى ابتزازها للحصول على وظيفة في مؤسسة إعلامية.
(العربي الجديد)
من جهتها، تقول وزيرة الدولة لشؤون الإعلام الأردنية، جمانة غنيمات، إنّ المرأة في الأردن، مقارنةً بدول أخرى في المنطقة، لديها حضور أكبر في المواقع القيادية، إن كان في البرلمان والحكومة وبمجلس الأعيان (الغرفة التشريعية الأخرى في الأردن) وهي قادرة على أداء الدور المطلوب منها"، مضيفةً: "لكن الطموح لتمكين المرأة سياسياً لا يتوقف وهناك العديد من الأمور التي يجب أن نعمل عليها، وهناك أيضاً جانب أهمّ، وهو تمكين المرأة اقتصادياً لتكون أداةً حقيقيّة في التغيير والإصلاح".
ترى غنيمات أنّ "التحديات التي تواجهها المرأة لا تختلف كثيراً عن تلك التي يواجهها الرجل"، معتبرةً أنّنا "نحتاج إلى حالة إصلاحية شاملة تشمل الرجل والمرأة".
وتُعرّج على الوضع الإعلامي في الأردن، لتشير إلى سحب الحكومة قانوني حق الحصول على المعلومة وقانون الجرائم الإلكترونية لإعادة تجويدهما وتحسين البيئة التشريعيّة التي تُنظّم العمل الإعلامي. وتقول غنيمات إنّنا "ندرك كحكومة أن الإعلام المهني المتوازن بسقف حريات يدرك الحد الفاصل بين حرية التعبير وبين اتهام شخص آخر، وأنّ تكميم الأفواه مسألة لا تجدي وغير مفيدة ولا تساعد في بناء المجتمعات". كما تتحدّث عن تحسين البيئة التشريعية وخلق أجواء صحية لحرية الإعلام وترك مساحة للصحافي والمؤسسة الصحافية، وأن تكون لديها مساحة من حرية التعبير شرط أن يكون إعلاماً مهنياً دوره الحقيقي خدمة المواطن والمصلحة العامة وأن يكون إعلاماً وطنياً بشكل عام".
(العربي الجديد)
وخلال القمة، قدّم المدير التنفيذي لـ"وان-إيفرا"، فينسنت بيراني، تقريراً حول اتجاهات الصحافة العالمية. فيما تحدّثت كبيرة المحررين التنفيذيين في وكالة "بلومبيرغ"، لورا زالينكو، عن كيفية تمكّن الوكالة من جعل التنوع الجندري في صلب استراتيجية الأعمال الخاصة بها.
وتحدّث ستيفان راي عن "المشاركة والاستراتيجيات المالية الرقمية"، فيما قدّم مدير غلوب لابز في صحيفة "غلوب أند مايل" في كندا، جوردون إدال، عرضاً حول "كيفية رفع قيمة المؤسسة في مجال الإعلام".