استحقاقات داخلية لـ"النهضة" التونسية: اختيار المكتب التنفيذي والأمين العام

15 يوليو 2016
اتخذ الغنوشي قرارات حاسمة منفرداً (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
تأجّل اجتماع مجلس شورى حركة النهضة التونسية الذي كان يُفترض أن ينعقد نهاية الأسبوع الماضي، إلى نهاية هذا الأسبوع، ليُنظر في بعض القضايا الهامة التي تخص "الحركة"، ومن بينها انتخاب المكتب التنفيذي، والأمين العام للحركة، بالإضافة إلى الوضع السياسي العام في البلاد، وتطورات المشهد في مسار حكومة الوحدة الوطنية.

وتبدو هذه النقاط في جدول أعمال "النهضة" مصيرية، باعتبار أنّها ستشكل استمراراً للجدل حول أهم النقاط الخلافية التي شهدها مؤتمر "الحركة" العاشر حول اختيار المكتب التنفيذي، وما رافقه من خلاف كبير بين تيارَين داخل الحزب، انتهى بحسمه لصالح زعيم "الحركة" راشد الغنوشي. وتمكّن الأخير، بصعوبة، من إقناع المشاركين في المؤتمر بتفويضه كرئيس لـ"النهضة" لاختيار المكتب التنفيذي وعرضه على الشورى، بعدما كان تيار قوي داخل "الحركة" يدعو لانتخاب المكتب التنفيذي بالكامل.

لكن هذا الجدل لم ينته بعد، بل تزايد بعد انتخاب رئيس مجلس الشورى، عبد الكريم الهاروني، ويتواصل بمناسبة عرض الغنوشي لتركيبة المكتب التنفيذي الذي اختاره أمام الشورى، بما قد يعكس رؤيته لهذا الصراع الخفي، وانعكاسه على مستقبل "الحركة". غير أن الأطراف المقابلة لا تريد لهذه المناسبة أن تكون حلقة تقليدية لتقديم التشكيلة الجديدة، وتطالب زعيم "النهضة" بالوفاء بالتزامه أمام المؤتمر، وتقديم رؤيته الإصلاحية لإدارة "الحركة". كما تطالب هذه المجموعة، التي أصبحت تشكل تياراً حقيقياً داخل "النهضة"، بإضفاء درجة إضافية على ديمقراطية القرار النهضوي، والخروج به مما تصفه "المركزية المفرطة واحتكاره لدى إدارة الحركة"، بحسب أحد قياديّي النهضة لـ"العربي الجديد".

ولم يكن هذا الحديث مفاجئاً أو جديداً، فقد بيّنه المؤتمر العاشر لـ"النهضة"، بوضوح، وعكس وجود تيار جديد، لم تتحدّد قوته بعد، يطرح أسئلة حقيقية حول مستقبل "الحركة" ومرحلة ما بعد الغنوشي، ويطمح لأن يكون على قرب من مواقع القرار وجزء منه، ليقلّص ما يسمّيه "إدارة الزعيم إلى إدارة المؤسسة".

لكن المطالبة بإضفاء مزيد من الديمقراطية داخل مؤسسات "النهضة"، وإنْ كانت مشروعة، فإنها تعكس صراع مواقع لا لبْس فيه، إذ تستعد الشخصيات البارزة في "الحركة" إلى مرحلة جديدة من الحياة السياسية في تونس، أصبحت "النهضة" تمثل جزءاً مهماً منها. ويسعى عدد من القيادات التاريخية والحركية إلى إيجاد موقع له في القرار النهضوي، والقيام بدور في هذا المشهد الجديد، يرى أنه يمر أولاً عبر التقليص من سلطات الزعيم. وليست هذه الخلافات بالجديدة أيضاً، بل ولدت مباشرة بعد الثورة التونسية عام 2011، مع بداية إعادة تشكيل "الحركة"، ثم اشتدت في فترة الحكم التي قادتها "الحركة" في مرحلة الترويكا (حركة النهضة، والمؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات)، وتواصلت مع الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة.

ويكشف أحد القياديين البارزين في "الحركة" لـ"العربي الجديد" أن هناك اختلافات واضحة في تقدير الموقف والقرارات التي نتجت عنه طيلة هذه السنوات. ويذكّر أن القيادات لم تكن متفقة بعد الانتخابات الأولى التي ربحتها "النهضة"، إذ كان يُفترض أن تسلم "النهضة" رئاسة البلاد لرئيس الحكومة المؤقتة في ذلك الحين، الباجي قائد السبسي، كما وعدته بذلك. لكن التحالفات التي أفرزتها الانتخابات مع حزبي التكتل والمؤتمر، وابتعاد الأمين العام السابق للحزب الجمهوري، أحمد نجيب الشابي عن "النهضة"، قادت إلى اختيار حليف جديد هو المنصف المرزوقي.






ويؤكد القيادي أن ذلك الخيار هو السبب الأهم الذي أدى إلى ولادة حزب "نداء تونس" وتشكيل المشهد الحالي، بعد إقصاء "النهضة" والترويكا من الحكم. ويشدّد على استمرار الخلاف حول الخيارات الموالية، خصوصاً بعد انتخابات 2014. وتؤكد مصادر قيادية في "النهضة" لـ"العربي الجديد" أنه كان يُفترض أن تقترح "النهضة" مرشحاً لها للانتخابات الرئاسية، أو تساند مرشحاً من أصوات الثورة، مثل المرزوقي، أو أحمد نجيب الشابي، أو مصطفى بن جعفر. وهذان الأخيران كانا يُقدَّمان كمنافسين شرسين للسبسي في الدور الثاني، على عكس المرزوقي، وفق التسريبات آنذاك، لكن الغنوشي قطع الطريق أمامهما وأمام رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، الذي استقال لهذا السبب.

وتضيف هذه المصادر أنه بعد الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، عقدت "النهضة" 24 اجتماعاً في المحافظات التونسية الـ24، واتفقت أغلبيتها المطلقة على تأييد المرزوقي في سباقه مع السبسي. لكن مرة أخرى رجَّح الغنوشي كفّة الثاني، على الرغم من أن معظم قواعد "النهضة" دعمت المرزوقي.

بعض قيادات "الحركة" لا تجيب بوضوح في حديث لـ"العربي الجديد" عن دور الغنوشي في اتخاذ بعض القرارات الحاسمة منفرداً، مثل قبول الحوار الوطني وما نتج عنه من قرارات سياسية، ساهمت في إبقاء "الحركة" من بين الأحزاب الأولى في البلاد، وشريكاً أساسياً في الحكم وفي القرار الوطني، وجزءاً مهماً من المعادلة الوطنية والإقليمية. ولا تنكر بعض هذه القيادات أن تلك القرارات كانت خيارات صائبة، لكنها تشدد على أن إدارة الائتلاف مع "نداء تونس" أو مع السبسي كان يمكن أن تكون لها نتائج أفضل من دون توضيح شكل هذه الإدارة أو طبيعة النتائج المنتظرة.

لكل هذه الأسباب مجتمعة حاولت هذه القيادات أن تغيّر من المعادلات داخل المؤتمر، عبر تقليص دور الزعيم من خلال انتخاب مكتبه التنفيذي، لكن تأثير الغنوشي في قواعده بقي قوياً، ونجح في توجيه المؤتمر نحو المنعطف الذي يريده، على الرغم من أنه قاد إلى ولادة تيار جديد، لا يمكن أن يتجاهله (الغنوشي) في تركيبة مكتبه التنفيذي الجديد. ووفقاً لهذه القيادات، سيكون على الغنوشي أن يقنع أمينه العام الجديد، الذي سيختاره بنفسه، بالصلاحيات التي سيمنحه إياها.

وتلمّح القيادات ذاتها إلى الدور الإعلامي والاستعراضي الذي يقوم به رئيس مجلس الشورى الجديد عبد الكريم الهاروني، مرجحة أن يقود إلى تصادم مع الغنوشي، على الرغم من أنه جرى دعمه من طرف تيار الغنوشي نفسه لقطع الطريق أمام عبد اللطيف المكي، الذي يصنّف على أنه من قادة هذا التيار المعارض الجديد. وحصل الهاروني على 76 صوتاً مقابل 62 للمكي، ما يعكس تعاظم هذه الأصوات الجديدة داخل "النهضة". لكن شخصية الهاروني قد لا تكون قابلة للترويض، بحسب هذه المصادر، وقد ينتهي الأمر إلى خلاف حقيقي، إذ إن عمل مجلس الشورى واهتماماته تقوم أساساً على الملفات، وليس على البروز الإعلامي، والتواصل الاجتماعي، بحسب قولها.