تستأنف مصر والسودان وإثيوبيا، اليوم الثلاثاء، مفاوضات سدّ النهضة، بعد توقف استمر أكثر من أسبوع، إثر تعليق وفدي المفاوضات المصري والسوداني، في 5 أغسطس /آب الحالي، مشاركتهما في الجولة الماضية من التفاوض، بسبب ما اعتبراه مخالفة إثيوبية متكررة لقواعد التفاوض، خصوصاً في ما يتعلق بإلزامية القرارات الناتجة عن هذه الجولة. وتحدث الوفدان حينها عن تعليق المفاوضات لـ"إجراء مشاورات داخلية بشأن الطرح الإثيوبي الذي يُخالف ما تم الاتفاق عليه خلال قمة هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي في 21 يونيو/حزيران 2020"، حسب وزارة الري المصرية.
ووفقاً لمصادر مصرية فنية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن الجولة الجديدة من المفاوضات تجرى تحت سقفٍ أصبح أكثر وضوحاً، يقوم على معادلة "إلزامية الاتفاق مقابل محاصصة جديدة"، والذي يعني إمكانية الحصول على موافقة إثيوبية على إلزامية النتائج المترتبة على هذه الجولة، مقابل أن تتنازل مصر والسودان عن التمسك بقواعد المحاصصة القديمة في مياه النيل. وتؤكد القاهرة أن لها "حقاً تاريخياً" في النهر بموجب المعاهدات المبرمة عامي 1929و1959. لكن إثيوبيا تعتمد على معاهدة موقعة في 2010، قاطعتها مصر والسودان، وتجيز إقامة مشاريع للري وسدود على النهر. ويعود سبب الطرح المصري والسوداني إلى ما اعتبراه هدف التوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد في أقرب فرصة ممكنة، لكن مصادر دبلوماسية مصرية، تنقل عن تقديرات الفنيين اقترابها من التأكيد على صعوبة أن تحمل هذه الجولة أي بوادر لاختراق حقيقي، وأن مؤشرات الاجتماع السداسي الذي عقد أمس لم تحمل أي جديد إيجابي.
تؤكد القاهرة أن لها "حقاً تاريخياً" في النهر بموجب معاهدات مبرمة عامي 1929و1959، لكن إثيوبيا تعتمد على معاهدة موقعة في 2010
في هذا السياق، تبرز الموافقة المصرية الفورية، أول من أمس الأحد، على استئناف التفاوض، حيث أكدت القاهرة ما أعلنته الخرطوم باستئناف التفاوض مع إثيوبيا، وشارك وزيرا الخارجية والموارد المائية والري لكلا البلدين، أمس، في اجتماع سداسي دعت إليه جنوب أفريقيا (رئيس الاتحاد الأفريقي)، لبحث تطورات مفاوضات سد النهضة.
وتفسر مصادر سياسية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، هذه الموافقة الفورية المصرية والسودانية، بأنها ربما تمهد لموقف قد يتخذ على مستويات سياسية أعلى، في إشارة إلى الرئاسات المصرية والسودانية والإثيوبية، بترجمة مقبولة من الأطراف الثلاثة، لمعادلة "إلزامية الاتفاق مقابل محاصصة جديدة"، والتي يمكن الاتفاق على صياغة حولها تمنح كل طرف فرصة ترويجه محلياً باعتباره انتصاراً لبلاده. وبحسب بيان مصري، أكدت القاهرة خلال الاجتماع على أهمية التفاوض من أجل إبرام اتفاق مُلزم قانوناً، ينظم عمليتي ملء وتشغيل السد، بما يحفظ حقوق الدول الثلاث ويؤمن مصالحها المائية، ويحد من أضرار هذا السد وآثاره على دولتي المصب.
وتسعى إثيوبيا إلى اقتران اتفاق الملء والتشغيل، باتفاق جديد ينظم محاصصة جديدة لمياه النيل الأزرق، وبصورة "عادلة"، على حد زعمها، تتعامل واقعياً مع استفادة مصر من كميات أكبر بكثير من حصتها المنصوص عليها، واستفادة السودان المتوقعة من كميات إضافية أيضاً حال البدء في ملء السد وتفعيل مصفوفات التدفق في حالتي الفيضان والشح المائي.
وسبق أن قال مصدر سياسي إثيوبي مطلع لـ"العربي الجديد"، إن موقف بلاده لم يتغير عما كان عليه منذ شهرين، لكن ما تغير فقط هو عنصر الملء الأول، الذي "جعل حكومته في حل من توسل الموافقة من دولتي المصب"، مؤكداً أن رئيس الوزراء آبي أحمد أبلغ عدداً من قيادات حزبه ووزرائه خلال اجتماع الأسبوع الماضي لعرض الموقف التفاوضي، بأن أي اتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة "استرشادياً فقط وليس ملزماً" طالما استمرت مصر والسودان في تمسكهما باتفاق المحاصصة الموقع عام 1959.
تستفيد مصر من فوائض الحصص أو بواقي الفيضان، وعلى الرغم من أهميتها، فإن إثيوبيا والسودان تبالغان في تقدير كميتها
وحتى الآن، تستفيد مصر من فوائض الحصص أو بواقي الفيضان، وعلى الرغم من أهميتها، فإن إثيوبيا والسودان تبالغان في تقدير كميتها وتعتبران أن مصر تستفيد منها بشكل كبير. وردد البلدان خلال مفاوضات واشنطن أن مصر يصلها حالياً أكثر من 80 مليار متر مكعب، أي بأكثر من الحصة المنصوص عليها في اتفاقية 1959 مع السودان بواقع 30 ملياراً. وتجادل إثيوبيا بأن ملء بحيرة سد النهضة سيخفض الحصة المصرية (الفعلية) إلى رقم يتراوح بين 52 و55 مليار متر مكعب، شاملة بواقي الفيضان، مقابل ارتفاع نصيب الخرطوم الفعلي إلى ما يتراوح بين 18 و20 مليار متر مكعب، بدلاً من 8 مليارات كان منصوصاً عليها في اتفاقية 1959.
ويرفض السودان إلى جانب مصر تلك الحسابات وذلك الاتجاه الإثيوبي، خصوصاً الخرطوم التي صرح مسؤولوها أكثر من مرة بعد فشل المفاوضات الفنية الأخيرة، بأن الاتفاق المنشود لا يجوز أن يمتد لإعادة المحاصصة، كما أشارت إلى ذلك، ضمنياً، في خطابها إلى مجلس الأمن. أما مصر فيبدو أنها ستستخدم الطلب الإثيوبي كوسيلة لفتح حديث أوسع عن الموارد المائية المتاحة لدى كل بلد، لإثبات أنها الطرف الأضعف في المعادلة والأكثر تضررا على الدوام.