ازدواجية أم انفصام شخصية

09 يناير 2016
+ الخط -
لا يستطيع الفلسطيني العادي أن يأخذ مأخذ الجد بيانات السلطة الفلسطينية ووزارة خارجيتها ضد سياسة الإعدامات الميدانية، لأنها تأتي في الوقت الذي تُبرز فيه إسرائيل ووسائل إعلامها وقادة الأجهزة الأمنية فيها، "فضائل التنسيق الأمني" بين قوات الاحتلال وبين أجهزة الأمن الفلسطينية. فمن يُنسّق أمنياً مع الاحتلال لا يمكن أن يطالب بإدانة ممارسات الاحتلال.

لا يمكن للمرء أن يجمع بين إدانة جرائم الاحتلال وفي الوقت ذاته أن يعزز تعاون أجهزته الأمنية مع قوات الاحتلال في اعتقال المطلوبين (خصوصاً من حركة "حماس") وفي منع تطور الهبّة الفلسطينية إلى هبّة شعبية مُكلفة للاحتلال، عبر نشر قواته الأمنية لتصبح حاجزاً يحول بين الشعب الفلسطيني وعموم أفراده، وبين رفد الانتفاضة الفلسطينية بظهر يحميها وبيئة شعبية تحتضنها.

ولا يحفل الاحتلال بهذه الخدمات أو يكتفي بها، لذلك تجده لا يتورّع، متى شاء، عن التحذير والتهديد بأن "أجل السلطة بات قريباً" وأنه يجري استعداداته ويتحسب لليوم الذي يلي انهيارها. لكنه يردف بأنه لا يتمنى ذلك وأنه لن يسمح بانهيارها، في لهجة ورسالة تبدو وكأن الاحتلال يمنُّ على السلطة الفلسطينية ببقائها، مما يلزمها بالتالي رد الجميل وضبط عناصر أمنها وأجهزتها وإعادتها للمسار الصحيح. والمسار الصحيح الوحيد إسرائيلياً هو تكثيف التنسيق وتعزيز ضرب المقاومة الفلسطينية ومنع تطور الهبّة أو انتفاضة الأفراد إلى انتفاضة شعبية وخفض منسوب "التحريض" في وسائل الإعلام الفلسطينية الرسمية.

ويأتي الرد الفلسطيني التلقائي بالدفاع عن النفس وخصوصاً في كل ما يتعلق بالتنصل من أية مسؤولية عن "التحريض"، بحسب الادعاء الإسرائيلي، على التمرّد على مخططات التقسيم الزماني والمكاني. ولا يقف الأمر عند ذلك بل يتعداه إلى بذل جهد أكبر من السلطة لتعزيز التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال وكأن ذلك سيقيها من خطر الانهيار والاندثار.
لقد خسرت سلطة أوسلو الفلسطينية كل ما كان لها من شرعية شعبية. وباتت تعول على "العقل السليم" لدى حكومة الاحتلال والقائل بأن بقاء السلطة مصلحة إسرائيلية، لكننا نعرف أنه في حالة الاحتلال فإن ما يخدم مصلحة الاحتلال لا يخدم من دون أدنى شك مصلحة الشعب الواقع تحت الاحتلال.