ارتفاع أسعار الوقود التقليدي يدفع الجزائريين نحو الغاز للسيارات

14 فبراير 2018
هروب الجزائريين من الوقود التقليدي لارتفاع أسعاره (العربي الجديد)
+ الخط -
دفعت الزيادات المتتالية في أسعار الوقود، خلال الفترة الأخيرة، بالجزائريين إلى التفكير جديا في التوجه نحو طاقة أقل كلفة للسير بالمركبات، فكان الملاذ وقود الغاز أو ما يعرف بـ"غاز البترول المسال". وباتت ورشات تركيب قوارير غاز السيارات المسال تشهد طوابير منذ الساعات الأولى للنهار، وفي الغالب تكون سيارات الأجرة هي الأكثر حضورا، غير أن اللافت في الأيام الأخيرة هو ارتفاع عدد المواطنين الذين فضلوا الهروب من الوقود العادي (البنزين والديزل) والتوجه نحو الوقود "الغازي" توفيرا للمال.

يقول صاحب محطة لتركيب قوارير غاز السيارات رياض جعفري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "المحطة باتت لا تستطيع إكمال عدد السيارات المصطفة يوميا أمام المحطة وأصبحت تتعامل بنظام المواعيد المسبقة، فتركيب قارورة غاز السيارات في صندوق السيارة الخلفي يأخذ من 4 إلى 5 ساعات دون احتساب التجارب التي تمتد إلى ساعتين إضافيتين على الأقل".
وأضاف رياض أن "زبائنه كلهم يشتكون من شيء واحد وهو عدم قدرتهم على السير بالسيارات بالوقود في ظل الزيادات المتتالية التي سجلتها أسعار الوقود منذ بداية 2016".
وطبقت الحكومة زيادة في أسعار الوقود بحلول يناير/ كانون الثاني الماضي بنسب تراوح بين 11.65 و18.2%.

ووفقاً للزيادات الجديدة، ارتفعت الأسعار إلى 41.39 دينارا (0.36 دولار) للوقود من نوع "بنزين الممتاز" و40.98 ديناراً (0.35 دولار) لـ"البنزين دون رصاص"، في حين ارتفع سعر "الديزل" إلى 22.53 ديناراً (0.19 دولار) للتر الواحد.

وتبدو الحكومة الجزائرية مصرّة على تحرير أسعار الوقود مستقبلا وعدم التوقف عند هذه الزيادات، حيث قال وزير المالية عبد الرحمن راوية، بداية الأسبوع الجاري، إن الحكومة ستضع حدا لدعم أسعار البنزين اعتبارا من عام 2019، ورفع الدعم عن مواد أخرى بداية من عام 2020، وجاءت تصريحات وزير المالية من دبي، على هامش الاجتماع بين وزراء المالية العرب وصندوق النقد الدولي.
ولم يحدد الوزير المواد الأخرى التي سيرفع عنها الدعم بداية من 2020، مشيرا إلى أن الدولة تدعم مجموعة واسعة من السلع والخدمات، مثل الكهرباء والخبز والوقود، وبرر خطوة الحكومة بمحاولة القضاء على عجز الميزانية في غضون ثلاث أو أربع سنوات.

ويعتبر الجزائريون هذه الزيادات مبالغ فيها، في حين يبلغ سعر الغاز المسال 9 دنانير (0.08 دولار) للمتر المكعب، وهو السعر الذي رفضت الحكومة رفعه تشجيعا لاستعمال هذه الطاقة البديلة عن الوقود التقليدي الذي يكلف استيراده سنويا خزينة الدولة المتأزمة مبالغ كبيرة.
وأعلن محافظ البنك المركزي الجزائري محمد لوكال، أول من أمس، أن احتياطات بلاده من النقد الأجنبي تراجعت بمقدار 16.8 مليار دولار، خلال العام الماضي، لتسجل 97.3 مليار دولار مقابل 114.1 مليار دولار، نهاية عام 2016، بسبب تراجع أسعار النفط الخام الذي أثر سلبا على الإيرادات المالية.

وفي هذا السياق، يقول نور الدين بلعموري، وهو سائق أجرة جزائري، التقته "العربي الجديد" في إحدى محطات تركيب قوارير غاز السيارات، إنه فضل تحويل استهلاك محركه من الوقود دون رصاص إلى الغاز بعدما صار ملء خزان سيارته يكلفه قرابة 2200 دينار (19.29 دولارا) كل خمسة أيام، أي بزيادة تفوق 500 دينار شهريا مقارنة مع السنة الماضية.
وأضاف المتحدث نفسه أن "ملء قارورة غاز السيارات لن يتعدى 900 دينار (7.89 دولارات) في أقصى الأحوال، وحتى سرعة نفادها أقل من الوقود إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المسافات المقطوعة نفسها".

من جانبه، يقول الموطن الجزائري طارق غميط، لـ"العربي الجديد"، إنه فضل التحول من الوقود إلى غاز السيارات بالرغم من عدم استعماله السيارة كثيرا، فالوقود أصبح يلتهم جزءاً معتبرا من ميزانيته المتواضعة، ويضيف المتحدث نفسه أن "الدنانير التي أوفرها من فارق الكلفة بين النوعين من الوقود سأشتري بها حليبا لأبنائي".
وبدأ تحويل السيارات لتعمل بالغاز بدلا من البنزين في الجزائر مطلع عام 1980، لكن تلك العملية لم تشهد إقبالا بسبب انخفاض سعر الوقود طوال الفترة الماضية، وتعمل مؤسستا نفطال وغزال الحكوميتان (NAFTAL/GHAZAL) على تحويل السيارات التي تعمل بالبنزين لتشتغل بالغاز المسال، وبعد تزايد الطلب قررت الشركتان منح رخص للخواص لفتح ورشات تحت إشرافها، لتحقيق الهدف الذي وضعته الجزائر وهو تحويل مليون سيارة للسير بالغاز خلال الفترة من 2017 وحتى 2020.

وإلى ذلك، يقول مدير سلطة ضبط الطاقة مصطفى حوغلاون، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "الجزائر تهدف إلى تحويل 500 ألف سيارة نحو السير بغاز السيارات بين 2018 و2020، مع العلم أن عدد السيارات التي تسير بوقود الغاز يبلغ قرابة 300 ألف سيارة حالياً، حسب آخر الأرقام الرسمية، ونهدف إلى الوصول إلى مليون سيارة في أفق سنة 2024". وأضاف المتحدث نفسه أن "الحكومة الجزائرية تشجع استعمال غاز السيارات عبر دعم عملية تركيب قوارير (سير غاز) بنصف الكلفة، أي 35 ألف دينار (307 دولارات) والمواطن يدفع المبلغ نفسه".
ولفت مدير سلطة ضبط الطاقة الجزائرية إلى أن "هذه الأرقام ستسمح للجزائر مستقبلا بالتوجه نحو تصدير هذه الطاقة إلى دول الجوار، بالإضافة إلى تقليص فاتورة استيراد الوقود بحوالي الثلث".

فيما يبقى تخوف سلطة ضبط الطاقة من انتشار القوارير المغشوشة في ظل ارتفاع الطلب عليها، واحتكار شركة توزيع الوقود "نفطال" العمومية لعملية استيرادها من إيطاليا. وتخضع عقوبة بيع القوارير وأنظمة الغاز المقلدة للمادة 429 من قانون العقوبات التي تنص على "السجن من شهرين وحتى ثلاث سنوات مع دفع غرامة تراوح ما بين ألفي دينار جزائري (18 دولارا) وحتى 20 ألف دينار جزائري (181 دولارا) على كل تاجر يغش أو يحاول أن يغش زبائنه".
وبالرغم من زيادة الإقبال عليه، يبقى غاز السيارات محل تضارب بسبب الآثار التي يخلفها على محرك السيارة، فالآراء تنقسم بين مؤيد لاستعماله لأسباب مالية محضة، وآراء أخرى ترى أنه يضر بمحرك السيارة.

وفي هذا السياق، يكشف الخبير في مجال الطاقة عبد القادر حشماوي، لـ"العربي الجديد"، أن "استعمال غاز البترول المسال أو (سيرغاز) يحمل من الجانب التقني بعض الأضرار على المحرك، فعلى سبيل المثال هو بطيء الاحتراق مقارنة بالوقود وبالتالي يعطي طاقة أقل للمحرك، كما أنه لا ينصح باستعماله في المرتفعات وفي الأيام الباردة". وأضاف حشماوي أن "المشكل يبقى في غياب تدريب للسائقين بعد وضع قارورة غاز السيارات، حيث تكتفي ورشات التركيب بإعطاء بعض المعلومات العامة حول طريقة الاستعمال".
المساهمون