تضاربت التصريحات التي أدلى بها وزراء الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" والمنتجين خارجها، خصوصاً روسيا، حول ما الذي سيحدث في اجتماع الجزائر المقرر عقده في سبتمبر/أيلول الجاري، وعما إذا كانت هنالك خطة فعلية متفق عليها لتثبيت سقف الإنتاج، ما أحدث إرباكاً في السوق النفطية خلال تعاملات الأسبوع الماضي.
وقال خبراء في سوق النفط لنشرة "أويل برايس"، إن المتعاملين في السوق النفطية تجاهلوا خلال تعاملات الأسبوع الماضي ما سيحدث في اجتماع الجزائر، معتبرين أن الحديث عن تجميد الإنتاج مجرد إشاعات، وركزوا على توجهات الدولار كعامل رئيسي في تحديد سعر النفط خلال الشهور المقبلة.
وبالتالي كانت قوة سعر صرف الدولار، هي المؤثر الرئيسي في الهبوط الذي شهدته الأسعار خلال الأسبوع الماضي من مستوى 50 دولاراً إلى أقل من 47 دولاراً لخام برنت. وعادة ما تؤدي قوة العملة الأميركية الى انخفاض سعر النفط، لأن النفط يُباع بالدولار.
وحسب خبراء فإنه هنالك معادلة عكسية بين الطلب النفطي العالمي وقوة الدولار، إذ كلما ارتفع سعر صرف الدولار قللت الدول من مشترياتها النفطية، لأن النفط يصبح أغلى بحساب عملاتها الوطنية.
وبالتالي يرى هؤلاء في تصريحاتهم للنشرة النفطية الأميركية، أن العامل الوحيد المؤثر على سعر النفط حالياً هو توجهات الفائدة الأميركية وليس اجتماع الجزائر، رغم تأكيدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة، أن بلاده ستدعم خطة تثبيت الإنتاج.
لكن يلاحظ أن الرئيس بوتين يرغب في تثبيت الانتاج مع استثناء إيران من خطة التثبيت، وهو ما قد يثير رفضاً سعودياً رغم التصريحات الإيجابية الصادرة من الرياض حتى الآن بشأن دعم أسعار النفط.
وستجتمع "أوبك" التي تقودها دول التعاون وعلى رأسها السعودية مع منتجين للنفط غير أعضاء بالمنظمة في مقدمتهم روسيا في محادثات غير رسمية في الجزائر في الفترة من 26 إلى 28 سبتمبر/أيلول لمناقشة تجميد للإنتاج.
ويرى خبراء نفط أن المتعاملين في السوق النفطية، ربما يكونوا قد سئموا من كثرة التصريحات المتناقضة الصادرة من إيران والعراق وروسيا بشأن اجتماع الجزائر، وأصبح العامل المهم بالنسبة لهم في شراء الصفقات النفطية، هو قرار الفائدة الأميركية، والى أين سيتجه الدولار. فإذا ما قرر مصرف الاحتياط الفدرالي رفع سعر الفائدة خلال الشهر الجاري، فإن الدولار سيرتفع بمعدل أكبر وسينعكس ذلك سلباً على أسعار النفط، أما إذا لم يحدث ذلك فإن الأسعار ستستمر في مستوياتها الحالية.
ومن هذا المنطلق يلاحظ أن النفط أغلق مرتفعاً 3.0% في ختام الأسبوع، بعد تقرير ضعيف للوظائف الأميركية وضع ضغوطاً على الدولار وأعطى دعماً للسلع الأولية، لكن أسعار الخام أنهت الأسبوع على انخفاض حاد بسبب مخاوف وفرة الإمدادات.
وأظهر تقرير من وزارة العمل الأميركية أن نمو الوظائف في الولايات المتحدة تراجع بشكل أكبر من المتوقع في أغسطس/ آب، بعد شهرين متتاليين من المكاسب القوية.
وأدت البيانات الضعيفة إلى شكوك في إمكانية أن يرفع مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة في اجتماعه هذا الشهر. لكن احتمال رفع الفائدة لايزال قائماً في سبتمبر/أيلول.
كما لقيت أسعار النفط دعماً أيضاً من تقرير من شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة يظهر استقرار عدد منصات الحفر النفطية قيد التشغيل في الولايات المتحدة.
وكانت هنالك مخاوف وسط المتعاملين في الصفقات الأميركية من أن يؤدي ارتفاع سعر النفط فوق 50 دولاراً إلى عودة الشركات النفطية الأميركية إلى حقول الخامات الصخرية التي أغلقت بسبب عدم الجدوى الاقتصادية، لكن يقول مصرفيون في أميركا، إن هذه المخاوف انحسرت بسبب تردد البنوك في منح قروض جديدة لشركات النفط الصخري، بعد الخسائر الباهظة التي تكبدتها خلال العامين الماضيين.
يذكر أن بعض المصارف عرضت سندات ديون على شركات نفطية بسعر 10 سنتات في سبيل التخلص منها وتنظيف محافظها من ديون الطاقة.
وفي ذات الصدد، توقعت شركة "جى بي سي" الأميركية التي تراقب معدلات المعروض النفطي، في تقريرها الصادر خلال الأسبوع الماضي، عدم حدوث تغير كبير في معادلة العرض والطلب النفطي خلال الشهر الجاري.
والمفاجأة الوحيدة التي توقعتها، هي احتمال انخفاض إنتاج النفط في فنزويلا بحوالي مليون برميل يومياً، إذا تزايدت الاضطرابات السياسية التي يشهدها الشارع السياسي ضد الحكومة الاشتراكية التي يقودها الرئيس مادورو.
وعلى صعيد النفط المعروض من قبل دول "أوبك"، تقول إحصائيات شركة "جي بي سي"، إن إنتاج منظمة "أوبك"، بلغ في شهر أغسطس/آب 33.2 مليون برميل يومياً. وهذا المعدل من الإنتاج يقل عن إنتاج شهر يوليو/تموز بحوالي 125 ألف برميل يومياً.
وحدث هذا الانخفاض، حسب الشركة الأميركية، بسبب خفض إنتاج النفط في نيجيريا بحوالي 80 ألف برميل يومياً، من 1.51 الى 1.43 مليون برميل يومياً.
كما أن إنتاج العراق انخفض في ذات الشهر بمعدل 50 ألف برميل يومياً الى 4.3 ملايين برميل يومياً.
وتنظر الأسواق الى العراق من منظار "الحصان الأسود"، الذي سيغير معادلة المعروض النفطي في المستقبل نظراً لأنها من الدول التي تملك احتياطات نفطية كبيرة غير مكتشفة، وفي حال حدوث استقرار سياسي تستطيع العراق رفع إنتاجها بمعدلات قد تصل إلى 8 ملايين برميل يومياً خلال سنوات قليلة.
أما إنتاج إيران البالغ حالياً 3.8 ملايين برميل يومياً، حسب تصريحات وزارة النفط الإيرانية، فلن يكون مصدر قلق كبير بالنسبة لأسعار النفط، لأن إيران لم تتمكن بعد من إقناع المؤسسات المصرفية وشركات الطاقة الغربية بالاستثمار في الطاقة، إلا في نطاق محدود. وهذا النطاق ينحصر في الاتفاقات التي وقعتها مع شركة توتال الفرنسية.
وتنوي إيران رفع إنتاجها الى 4 ملايين برميل بنهاية العام الجاري. وهذه الخطة لزيادة الإنتاج تتعارض مع مسعى "أوبك" والمنتجين خارجها لتثبيت الإنتاج.
من هذا المنطلق هنالك شبه إجماع وسط خبراء النفط في لندن، أن معادلة النفط المعروض من قبل دول "أوبك" لن تكون مهددة لأسعار النفط خلال الربع الأخير من العام.
وسيكون لعوامل الدولار وتوجهات معدلات النمو الاقتصادي وربما خطط التحفيز المالي والنقدي التي ستعلنها قمة الـ20 التي ستبدأ اليوم اجتماعاتها في الصين، أكبر التأثير على مجريات السوق النفطية في الفترة المتبقية من العام.
ومعروف أن الطلب النفطي يعتمد بدرجة رئيسية على معدلات النمو الاقتصادي في الاقتصادات الكبرى، وهي الاقتصاد الأميركي والصيني والياباني والأوروبي.
ويلاحظ أن المخزونات الأميركية واستهلاك المحروقات في موسم الصيف هي التي تؤثر بدرجة أكبر في الطلب النفطي، حيث تعد السياحة من أكبر محركات أسعار النفط في موسم الصيف.
وشهد موسم الصيف الحالي تحسناً ملحوظاً في الحركة السياحية في كل من أميركا وأوروبا، وفقاً للبيانات التي أعلنتها الشهر الماضي منظمة السياحة العالمية.
وعادة ما يشهد الجاري والشهر المقبل المضاربة على عقود النفط لموسم الشتاء.