اختلاف الأجندات في أستانة8... وروسيا لجر المعارضة نحو سوتشي

22 ديسمبر 2017
يحضر دي ميستورا اجتماع أستانة اليوم (كيريل كودريافتسيف/فرانس برس)
+ الخط -
تختلف أجندات الأطراف المعنية بالصراع السوري في الجولة الثامنة من مفاوضات أستانة، التي بدأت أمس الخميس، فالمعارضة السورية تؤكد أن هدفها من المشاركة إحداث اختراق كبير في الملف الإنساني، خصوصاً على صعيد قضية المعتقلين التي لا يزال النظام يرفض الخوض فيها، وعلى صعيد المناطق المحاصرة من قبل النظام، خصوصاً في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، حيث يعيش عشرات آلاف المدنيين تحت وطأة حصار يكاد يصل إلى حدود الكارثة. في المقابل، لم يتأخر الروس في بدء محاولة استثمار مسار أستانة من أجل إكساب "مؤتمر الحوار الوطني السوري" الذي يريدون عقده في سوتشي، من دون تحديد موعد له، المزيد من الزخم من خلال استمالة المعارضة أو جانب منها للمشاركة فيه، إلا أن مصدراً في وفد المعارضة في أستانة أكد لـ"العربي الجديد"، أن الوفد ليس في صدد البحث بقضايا لها علاقة بالملف السياسي، مشدداً على أن "موقف المعارضة واضح في أن التسوية السياسية هي من اختصاص مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة ومرجعيته قرارات الشرعية الدولية، لا أستانة أو سوتشي"، معتبراً الأخير فخاً لا ينبغي الوقوع فيه.

وفي سياق الترويج للخطة الروسية، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك مع المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، في موسكو، أمس الخميس، أنه أطلع الأخير على التحضيرات لمؤتمر الحوار الوطني السوري بسوتشي، لافتاً إلى أن التحضير للمؤتمر يأتي بالتوافق مع أهداف عملية جنيف. وقال إن "شأنه شأن عملية أستانة، يهدف التحضير لمؤتمر سوتشي إلى المساعدة على تنفيذ القرار 2254 برعاية الأمم المتحدة". وفي محاولة للالتفاف على تعطيل النظام السوري للجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف، قال لافروف: "في ضوء النتائج غير المرضية للجولة الأخيرة من المشاورات السورية-السورية في جنيف، بحثنا الخطوات التي ستكون مطلوبة من أجل أن تكون الجولة المقبلة، عندما يرى السيد دي ميستورا أن من الممكن عقدها، إيجابية وأن تساعد على إطلاق حوار مباشر بين الحكومة والمعارضة"، داعياً إلى "رفع العقوبات الأحادية الجانب التي فرضتها بعض الدول الغربية على سورية، والتي تؤثر سلباً على المواطنين العاديين".

وجاءت تصريحات لافروف التي حملت انتقاداً ضمنياً لدي ميستورا، بعد ساعات من تولي المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، مهاجمته بشكل مباشر، إذ أعربت عن أسفها لأن المبعوث الأممي "لم يقيم بالشكل المناسب التصريحات الاستفزازية للمعارضين، خلال جولة المشاورات السورية في أكتوبر"، معتبرة أن "تلك الجولة فشلت عمداً بهدف عرقلة التقدّم نحو السلام، بما في ذلك تعقيد تنفيذ مبادرة عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي"، على حد قولها.
أما دي ميستورا، الذي يشارك اليوم الجمعة في ثاني أيام اجتماعات أستانة، فاكتفى بالإعلان خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع لافروف، أنه يعتزم تنظيم جولة مقبلة من محادثات السلام السورية في جنيف في النصف الثاني من يناير/ كانون الثاني المقبل، مشيراً إلى أنه أبلغ لافروف بأن الجولة السابقة من محادثات السلام سارت بشكل سيئ.

وفي سياق تعويم مؤتمر سوتشي، قال مسؤولون أكراد إنهم يعتزمون حضوره. وقال المسؤول في حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي سيهانوك ديبو، إنه إذا جرى تجديد الدعوة فـ"سنحضر سوتشي وكل اجتماع آخر يخص الأزمة السورية". كما أعلن المستشار في "الإدارة الذاتية" التي يقودها الأكراد في شمال سورية، بدران جيا كورد، لوكالة "رويترز"، أن الأكراد "سيحضرون" إذا استمر إطار عمل المؤتمر قائماً.


أما في أستانة، فعُقدت أمس العديد من اللقاءات الجانبية بين الوفود المشاركة في الجولة، خصوصاً بين الثلاثي الضامن لوقف الأعمال القتالية (روسيا، إيران، وتركيا)، إضافة إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة والأردن بصفة "مراقب". وبدأ وفد المعارضة العسكري نشاطه بعقد اجتماع مع فريق تقني من الأمم المتحدة، للبحث في قضية إطلاق سراح المعتقلين. وأوضح مصدر في الوفد أن الهدف من مشاركة المعارضة في أستانة 8 "هو إطلاق سراح المعتقلين، إضافة إلى تثبيت وقف إطلاق النار، خصوصاً في مناطق خفض التصعيد، ورفع الحصار عن كافة المدن والبلدات المحاصرة، وإيصال المساعدات إلى المحتاجين". وأكد المصدر أن أعضاء الوفد أكدوا أمام الفريق الأممي أن قضية المعتقلين "هي أولوية بالنسبة للوفد العسكري"، وأنهم "سيبحثون القضية مع الجانب الروسي على وجه الخصوص كطرف مسؤول وضامن للنظام". واعتبر وفد المعارضة أن رفض النظام الإفراج عن المعتقلين "مخالف لقرارات مجلس الأمن خصوصاً البنود الإنسانية التي تضمنها القرار 2254"، مؤكداً أن قوات النظام والمليشيات الأجنبية الإيرانية "لم تلتزم باتفاق خفض التصعيد"، مشدداً على أن الجرائم ما زالت مستمرة بحق المدنيين في كل من الغوطة الشرقية بريف دمشق وإدلب. كما أكد الوفد "أن تصرفات وفد النظام في جولة جنيف الأخيرة تؤكد للجميع أنه لا يلتزم بالقرارات الدولية، ويرفض تنفيذها بشكل كامل"، مشدداً على أن الجانب الروسي مطالب أكثر من أي وقت مضى بالضغط على النظام لدفعه إلى التسوية السياسية. من جهته، أكد المستشار السياسي والإعلامي لوفد المعارضة، يحيى العريضي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الوفد يسعى لإحداث اختراق حقيقي على صعيد ملفي المعتقلين والمناطق المحاصرة من قبل قوات النظام والمليشيات الإيرانية.

وباتت المعارضة متيقنة أن النظام وضامنيه ليسوا في وارد تسهيل التوصل إلى حلول للملف الإنساني الذي يتخذ منه النظام ورقة تفاوض، في مخالفة صريحة للقرارات الدولية التي تدعو إلى إطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، وتعتبر هذه القضايا غير قابلة للتفاوض. وأكد عضو وفد المعارضة فاتح حسون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "ليس هناك شيء ملموس حتى الساعة"، بما يخص ملف المعتقلين والمناطق المحاصرة، معلناً أنه لن تعقد مفاوضات مباشرة بين وفد قوى الثورة العسكري، ووفد النظام. ويعتقل النظام عشرات آلاف المدنيين والعسكريين على خلفية مشاركتهم في الثورة، وقتل عدداً كبيراً منهم تحت التعذيب في معتقلاته. ورفض النظام في جولات أستانة السابقة الخوض في ملف المعتقلين، خشية مواجهة دعاوى في محكمة العدل الدولية، مع تأكيد مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس وفد النظام قال في جولات سابقة: نريد ضمانات كافية من أجل عدم إقامة دعاوى في المحاكم الدولية من قبل المعتقلين المفرج عنهم".

ومن اللافت انخفاض التمثيل الأميركي في الجولة الثامنة من أستانة، إذ أشارت وسائل إعلام روسية إلى أن موظفاً في مكتب شؤون الشرق الأوسط التابع للخارجية الأميركية يمثل واشنطن كمراقب في هذه الجولة. ومن الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية لم يعد يعنيها هذا المسار الذي تتخذ منه موسكو وسيلة لتحقيق غايتها الكبرى وهي الهيمنة المطلقة على سورية، وتمرير ما تريده من تسويات.

واستبعد المحلل السياسي السوري المختص بالشأن الروسي، محمود الحمزة، أن يحقق مسار أستانة نتائج هامة في جولته الحالية، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه ستكون هناك وعود لا أكثر، لجر المعارضة إلى سوتشي. وأضاف الحمزة: أجندة الروس واضحة، وهي تركيع المعارضة، وتثبيت النظام على الأقل في المرحلة المقبلة، مضيفاً: "إنهم (الروس) يتعاملون كمنتصرين وفي الوقت نفسه يستخدمون سياسة العصا والجزرة". ورأى الحمزة أن تركيا التي تُعد اليوم أهم داعم للمعارضة السورية "قريبة من الموقف الروسي"، مشيراً إلى أن إيران "ليس لها مخرج سوى التماهي مع الموقف الروسي"، داعياً المعارضة السورية "إلى لملمة بعضها سياسياً وعسكرياً ومدنياً وتوحيد قيادتها الثورية من خلال مؤتمر وطني في الداخل ينهي التبعية للخارج"، وفق الحمزة.

يُذكر أن مسار أستانة بدأ في 23 يناير/كانون الثاني من "أجل تخفيف التوتر في سورية، ومراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، والبحث في قضايا إنسانية، منها المناطق المحاصرة، وملف المعتقلين". ونجح أستانة في تخفيف التوتر في عدة أماكن إلا أن النظام لم يلتزم بمخرجاته بشكل كامل، ولا يزال يراوغ خصوصاً في ما يتعلق بملفي المعتقلين والمناطق المحاصرة، في مسعى منه للحصول على مكاسب سياسية من المعارضة.

المساهمون