اختفاء منتجات "صنع في العراق" وسط تغوّل الاستيراد

09 اغسطس 2018
ندرة المنتج المحلي في أسواق العراق (فرانس برس)
+ الخط -
"منذ أكثر من شهر وأنا أبحث عن منتجات قديمة مثل السجاد اليدوي العراقي  أو أي سلعة مصنعة محلياً مناسبة لأهديها إلى صديقتي العربية التي أرسلت لي الكثير من الهدايا وجميعها من منتجات بلدها، فلم أجد إلا منتجات  صينية أو مستوردة من دول أخرى".

هذا ما قالته سراب عبد (46 عامًا) والتي أكدت لـ"العربي الجديد" أنّ جميع دول وبلدان العالم تفتخر بصناعتها الوطنية فيما يعاني قطاع  الصناعة في العراق واقعا مأساويا، ولا سيما بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وما بقي من صناعات وطنية تقلصت وتضاءلت. 

وتابعت سراب: "كنت أحتار سابقا في اختيار المنتج المحلي المناسب من كثرته وجودته، ولكن حالياً أصبحت الصعوبة في الحصول على منتج محلي واحد يليق باسم ومكانة العراق".

ومن جانبه، قال المواطن سلمان عبد الله الذي يملك متجرا للملابس الرجالية: في عام 2004 هاجرت عائلتي إلى سلطنة عُمان، بسبب الحرب وبقيت أنا في العراق. وأضاف أن أسرتي يطلبون مني أن أرسل إليهم بعض الأشياء المصنوعة محليا من منسوجات وأطعمة، إلا أنّ الصناعات المحلية أخذت تتلاشى مع استمرار أعمال العنف وأغلق الكثير من المصانع والمعامل في البلاد.

وأضاف عبد الله لـ"العربي الجديد"، لو أردنا أنّ نكون دولة صناعية وليست مستهلكة علينا إجراء بعض الأمور المهمة، على سبيل المثال الإسراع بوضع خطط تنموية على أساس علمي سليم للنهوض بالقطاع الصناعي وتأهيل المعامل الحكومية إضافة إلى إنشاء معامل جديدة تتناسب مع حجم وإمكانية البلاد كذلك دعم القطاع الخاص والتعامل معه كشريك وتسهيل عمله بدلا من التعامل مع ذلك القطاع كمستثمر أجنبي.

من جهته، قال مبرمج حاسبات مازن نعمان، لـ"العربي الجديد" هناك الكثير من الصناعات المحلية التي تستحق الاستمرار إلا انّ الوضع المتردي في العراق أنتج بلدا مستهلكا ومستوردا لجميع احتياجاته، فليس هناك ما نصنعه عندما تستورد الحكومة الخضار واللحوم والمواد الكهربائية والأغطية والملابس وكل شيء.

وأضاف: هذا يعني أن الإنتاج المحلي شبه متوقف، ما يدعو للقلق من تدهور الصناعات الوطنية، بل على الحكومة أن تجد حلا فوريا وأنّ تضع خططا استثمارية حقيقية لجميع محافظات العراق، لشجيع الاستثمار وتقديم التسهيلات للشركات المستثمرة من أجل النهوض بالواقع الصناعي، حتى ينعكس إيجابا على تحسن الأوضاع المعيشية، مشيراً إلى أنّ أهم أسباب فشل قطاع الصناعة الوطنية ما قام به الاحتلال من تدمير البنى التحتية للقطاع الصناعي بجميع منشآته ومصانعه الصغيرة والكبيرة.

وكانت وزارة الصناعة والمعادن قد أعلنت بداية الشهر الماضي عن فرض رسوم جمركية على سلع مستوردة بنسبة 115% في إطار دعم وحماية المنتجات الوطنية، مشيرة إلى شمول 79 منتجا محليا بالحماية.

وحول ذلك أكد المستشار السابق بوزارة الصناعة العراقية علي الربيعي لـ"العربي الجديد"، أن هناك أجندة سياسية واضحة تقف وراء بقاء القطاع الصناعي في العراق بحالة موت سريري.

وأضاف الربيعي أن في العراق أكثر من 17 ألف معمل ومصنع عملاق وكبير ومتوسط وفقا للتصنيف العراقي المعتمد يشكل القطاع الحكومي والمختلط منها نحو 56 %.

وأوضح أن الهدف من تشييد المعامل والمصانع الموجودة في العراق سد حاجة البلاد الذاتية وتصدير الفائض، بدءاً من الحديد والصلب والإسمنت ومواد البناء مرورا بالمواد الكهربائية والصناعات التحويلية والنسيجية ومجال البنى التحتية انتهاءً بالصناعات الثقيلة، ولكن الخطة الصناعية معطلة ومعامل القطاع الخاص لا تقوى على المنافسة حاليا مع الإيرانية او التركية والصينية، كونها غير مدعومة.

وتابع الربيعي: "استمرار شلل القطاع الصناعي العراقي يعني تواصل الاستيراد من إيران وتركيا والصين ودول أخرى وبما أن هناك سياسيين ومسؤولين يتلقون الأموال والهدايا والعملات فلماذا يعمل على تشغيل هذا القطاع؟"

وقال: "على سبيل المثال يحتاج مصنع الديوانية لإطارات السيارات ومعمل بطاريات النور إلى مبالغ بسيطة لإعادتهما للحياة وبدء الإنتاج، لكن الحكومة تتجاهل تمويل مثل هذه المشروعات".

وأضاف أن مشروعات أخرى تتعرض لأزمات مالية ولا تجد من ينقذها مثل معملي سجاد بابل والمواد الحرارية حتى يتواصل احتياجنا للاستيراد من إيران وغيرها. وانتقد الربيعي تفاقم الفساد والنفوذ السياسي الذي استهدف تعطيل تطور القطاع الصناعي في البلاد.
المساهمون