خلال الفترة الممتدة من شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي حتى شهر فبراير/شباط من العام الجاري، ظل مصير علاء، مجهولاً لذويه، إذ لم يتمكنوا من التوصل إلى مكان اختفائه، طوال خمسة أشهر لم يتركوا فيها قسم شرطة ولا مشفى، من دون بحث كما يقول والد علاء، الموظف في شركة حديد عز ياسر عبدالودود.
ظل علاء طوال فترة احتجازه القسري بعد اختطافه، محبوسا في قسم أول مدينة نصر، وفقا لما يقوله والد علاء الذي علم أخيرا عن طريق أمين شرطة في القسم أبلغ الأسرة في اتصال هاتفي بوصول "علاء" كمتهم في أحد القضايا السياسية.
يؤكد والد علاء أن ابنه، تعرض للتعذيب خلال اختفائه، إذ جرى نقله إلى مقر أمن الدولة في بميدان لاظوغلي وسط القاهرة، لإجباره على الاعتراف بتهم محاولة قلب نظام الحكم، والانتماء لجماعة إرهابية، وتسجيل فيديو، تحت التعذيب الجسدي، قبل أن يتم نقله لقسم أول مدينة نصر، بعد 152 يوما قضاها في جحيم لاظوغلي. قائلا لـ"العربي الجديد": "سجل القسم في المحضر أنه تم القبض على علاء قبل العرض على النيابة بيوم واحد فقط".
1840 حالة اختطاف خلال عام 2015
وثق معد التحقيق عبر تقرير صادر عن التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، إحصاء 1840 حالة اختطاف لمواطنين من جانب الأجهزة الأمنية خلال عام 2015، بينما بلغ عدد المختطفين في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي 556 حالة اختطاف، ووفقا للتقرير فإن أسباب اختطافهم تتعلق بانتماءات المختطفين سياسياً، والمناهضة للنظام الحاكم.
وذكرت التنسيقية أن أماكن اختطاف المواطنين من جانب قوات الأمن تنوعت بين المقاهي المنتشرة بمنطقة وسط البلد، والشوارع الرئيسية في العاصمة المصرية وعدد من المحافظات، كما امتدت هذه الأماكن لتشمل وسائل النقل، حيث وثقت توقيف أكثر من وسيلة نقل لخطف مواطنين مصريين من داخل هذه الوسائل.
وأوضحت المؤسسة الحقوقية المعنية بتوثيق انتهاكات الأمن، أن مدد اختفاء هذه المجموعات المختطفة تراوحت ما بين 48 ساعة إلى 150 يوما، إذ أوضحت أن 366 حالة لم تظهر حتى الآن، ولم يعرضوا على أي نيابة نهائياً، وهناك 236 حالة لم تعرف المنظمة مصيرهم أو مقر احتجازهم، معتبرة أن هذه الظاهرة من جانب الأجهزة الأمنية ليست عابرة، بل هي منهجية متبعة للأجهزة الأمنية في سبيل الضغط على الخصوم السياسيين لإكراههم على الإدلاء باعترافات محددة أو لإخفاء ظاهرة التعذيب التي باتت منتشرة والتي أفضت إلى الموت في حالات كثيرة.
سجن المغول
وثق معد التحقيق، عددا من أماكن احتجاز المواطنين المختطفين، عبر شهادات 10 حالات تعرضوا لاختطاف من جانب الأجهزة الأمنية في ظروف وأماكن جغرافية متباينة خلال العام الحالي، إذ تم احتجازهم في معسكر الجلاء الشهير بسجن العازولي، ومقار تابعة لجهاز الأمن الوطني بأكثر من محافظة، ومعسكرات تابعة للأمن المركزي، أبرزها معسكرا بنها والجبل الأحمر، لكن أحدث مقرات الاحتجاز قسوة وغموضا كان سجن المغول، الذي يقع على الطريق الواصل بين محافظتي الفيوم والإسكندرية، وفقا لمحام حقوقي رفض ذكر اسمه، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن "هذا السجن تحال إليه الحالات الخاصة شديدة الأهمية لجهاز الأمن الوطني".
من بين من تم احتجازهم في سجن المغول، يوسف علي 30 عاماً، والذي اختطفته قوة أمنية عددها 9 أفراد مُسلحين، بهيئة مدنية داخل ميكروباص بنفس ظروف علاء عبد الودود، إذ جرى خطف يوسف، بعد خروجه من مقر عمله في محافظة الإسكندرية، وتم اقتياده إلى مقر أمن الدولة ومنه إلى سجن المغول الذي قضى فيه قرابة 70 يوماً، دون علم ذويه الذين بحثوا عنه في كافة الأقسام من دون جدوى طيلة فترة اختفائه، وفقا لشهادة شقيقه أحمد التي اختص بها "العربي الجديد".
يؤكد شقيق يوسف، أن أخيه ليس لديه انتماء سياسي معين، لكنه شارك في عدة مسيرات منددة بمذبحة رابعة، وكتب أكثر من تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مناهضة للنظام الحالي، قائلا "بعد اختطافه بـ 70 يوماً، ظهر في قسم المنتزه بالإسكندرية متورم العينين، وتظهر على جسده آثار التعذيب".
يضيف: "تعرض يوسف لشتى أنواع التعذيب من صعق بالكهرباء وضرب وإهانة وسب خلال فترة احتجازه بالسجن، قبل أن ينقلوه إلى مقر النيابة، التي رفضت إعطاء المحامي أي صور من التحقيقات التي شملت عدة تهم موجهة له، كما تم تهديده إنْ لم يعترف بالتهم الموجهة له والتي تضمنت إدارة صفحات إلكترونية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين عبر شبكة الإنترنت".
كيف تتم عمليات الاختطاف؟
يؤكد مصدر أمني داخل مكتب وزير الداخلية، أن اختطاف المواطنين ليس من اختصاص أقسام الشرطة، قائلا في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" بعد اشتراط إخفاء هويته، أن "عمليات الضبط المفاجئ (كما يسميها) للمطلوبين الخطرين تتم من خلال قوة أمنية ترتدي زيا مدنيا وتكون تابعة لجهاز الأمن الوطني ويكون معهم أذون قضائية للضبط والإحضار ليس مُسجلاً فيها تاريخ القبض أو اسم المقبوض عليهم، ويتم تحريرها في اليوم السابق لعرض المختطف على النيابة بعد تمكن الأمن الوطني (أمن الدولة)، من انتزع اعترافات من المخطوفين تحت وطأة التعذيب، مع عدم حساب مدة الاختفاء ضمن مدة إذن الضبط والإحضار القضائي للتحايل على النيابة العامة (جهة إصدار الأذون القضائية)".
ويضيف المصدر، أن قوة الأمن الوطني تقوم بهذه العمليات بعد جمع تحريات يقوم بها مُخبرون تابعون للأمن الوطني، وهؤلاء ليس لهم صلة بأقسام الشرطة أو النيابية التي لا تعلم شيئا عن هذه الإجراءات، موضحاً أن ارتفاع عدد الحالات مؤخراً يعود إلى أن الأجهزة الأمنية تعتقد أن القبض على كافة النشطاء السياسيين ممن لديهم ميول سياسية مناهضة للنظام تجعل باقي المواطنين يشعرون بالخوف، ويضطرون للاستكانة.
ويتفق جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، مع ما ذكره المصدر الأمني في أن الأمن الوطني هو المسؤول عن القبض على المواطنين الذين لهم نشاط سياسي مرصود من جانبهم، قائلا لـ"العربي الجديد"، من يقوم بهذه العمليات ليس الأمن العام الذي تكون مهامه إجرائية في أغلب الحالات المخطوفة، بعد عملية انتزاع الاعترافات التي تتم في مكان مجهول بالنسبة للأمن العام.
خوف واضطراب العائدين من الاختطاف
يصف محمد الباقر، المحامي في مركز عدالة للحقوق والحريات، أحوال المختطفين لدى ظهورهم الأول أمام النيابة بعد فترة اختفاء قائلا لـ"العربي الجديد" من واقع خبرته كمحام لعدد منهم، "هؤلاء يكونون غير قادرين على الحديث، مفتقدين القدرة عن التعبير عن المشاعر المختلطة المسيطرة عليهم من خوف واضطراب وعدم قدرة على التفكير"، مضيفاً في أغلب هذه الحالات يعترفون بالتهم الموجهة لهم أمام النيابة، بسبب التعذيب وتأثيره عليهم من الجانب النفسي والشعوري، بينما يتراجعون عن الاعترافات في جلساتهم الخاصة مع محاميهم.
يضيف الباقر أن "عمليات الاختطاف والإخفاء القسري يتم فيها تجاوز المدة القانونية لاحتجاز المحبوسين، والتي لا بد من عرضهم على جهات التحقيق بعدها وهي 24 ساعة، حسب نص المادة 54 من الدستور، والمادة 36 من قانون الإجراءات الجنائية، موضحاً أن "القانون يُلزم بعرض المحبوس على جهة التحقيق بعد 24 ساعة فقط من القبض عليه لبحث إطلاق سراحه أو تقييد حريته بالحبس، وهو الإجراء الذي تتجاهله كافة الجهات سواء النيابة أو القوة الأمنية التي احتجزته".
يتابع المحامي الحقوقي، أن المادة 54 من الدستور تُلزم الجهات المختصة من القوة الشرطية بوجود إذن قضائي من جهتي النيابة العامة أو القضاء لإجراء القبض على المواطنين، مؤكداً أن عملية الاختطاف للمواطنين تتم بدون أي أذون قضائية، إلى جانب احتجازهم في أماكن سرية غير معلومة، وتجاوز المدى القانوني لاحتجازهم لمدد قد تصل إلى شهور عديدة دون علم أهل المختطف بمكان احتجازه، وإنكار قسم الشرطة الذي يكون بالفعل على غير علم بعملية اختطافه، التي تتم عبر جهاز شرطي آخر.
الاختطاف ثم الإخفاء القسري للمعارضين
يُعرف الإعلان العالمي المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها 133/47 المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992 الاختفاء القسري بأنه "يحدث عند القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، ما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون"، و"هو نفس ما حدث لعلاء"، يقول والده متابعا: "هاتفه ظل مغلقاً منذ واقعة اختطافه، وظل يفتح يومياً قرابة الساعة الثامنة، وكلما سألنا من، يقول أحدهم أنه وجد الشريحة في الشارع، ويغلق الهاتف".
وبينما يؤكد موقع الأمم المتحدة أن مجموعة مبادئ الإعلان العالمي المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، واجبة التطبيق على جميع الدول، فإن مصر لم توقع الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الصادرة في عام 2006، كما يؤكد حقوقيون مصريون لمعد التحقيق، بينما أشارت ياسمين حسام الدين، المحامية والناشطة الحقوقية، إلى عدم صدور قانون جنائي يعاقب المتهم بجرم الإخفاء القسري حتى اليوم.
تشابه تاريخي بين مصر والأرجنتين
يؤكد محمود الشافعي، الباحث في تاريخ القانون، أن السياسات الأمنية للنظام المصري في اختطاف المواطنين وإخفائهم قسريا، تتشابه مع ما جرى في دول أميركا اللاتينية، خصوصاً في الأرجنتين في فترة خورخي رافائيل فيديلا الذي تولى الحكم إثر انقلاب عسكري، والمعروفة باسم سنوات الرصاص، إذ عممت الأجهزة الأمنية سياسة اختطاف المعارضين وتصفيتهم بعد رصد توجهاتهم الرافضة للنظام الحاكم.
وأضاف الشافعي أن عدد من تعرضوا لحالات اختطاف وقتل في الأرجنتين بلغ قرابة 30 ألف معارض سياسي موضحاً أن نتائج السياسة القمعية التي اعتمدت بشكل رئيسي على الاختطاف، انتهت إلى الإطاحة بالحاكم العسكري بعد تظاهرات كبرى أمام قصر الرئاسة ضد النظام وسياساته، انتهت بإسقاط فيديلا في عام 1981 والإطاحة بباقي نظامه العسكري بعدها بعامين، ومحاكمة رموز نظامه المسؤولين عن هذه السياسات الأمنية القمعية.
مواجهة مع الداخلية
واجهت "العربي الجديد" العميد راضي عبد العاطي، رئيس وحدة التواصل المجتمعي وحقوق الإنسان في وزارة الداخلية بكافة الانتهاكات، التي وثقتها الجريدة عبر شهادات لأصحابها والإحصائيات الموثقة، لكنه نفى كُل ما سبق قائلاً لـ"العربي الجديد": "لا يوجد مُعتقل لدى الوزارة دون تهمة مُحددة لها صلة بتورطها بشكل مُباشر أو غير مباشر في الإضرار بالوطن، مؤكداً أن التنسيق بين الجهات الأمنية والنيابة العامة يكون بشكل كامل دون إخلال بسلطات أي جهة من هذه الجهات.
واتهم عبد العاطي، منظمات حقوقية تتلقى تمويلات أجنبية من الخارج، بنشر أرقام وإحصائيات حول حالات الخطف والاختفاء، بهدف تأليب الرأي العام الخارجي، واستثارة الحكومات الغربية على النظام الحالي، مؤكداً أن مصر لن ترضخ لأي ضغوط حيال تنفيذ القانون ضد المتورطين في أعمال عنف، أو نشر مواد تهدف لإسقاط النظام.
وعن حملات القبض على النشطاء السياسيين مؤخراً من الشوارع، قال "كُل هذه الأمور تتم بالقانون، ولا نفرق بين ناشط ومش ناشط، الكُل سواسية في تطبيق القانون الذي يمنح المتهم كافة حقوقه في إجراءات التقاضي حيال السلطة، ومن ثم فلا داعي لاتهام وزارة الداخلية بانتهاك حقوق المواطنين".