احتلالٌ سوريّ لأرضٍ لبنانية
احتُلّت بلدة الطفيل اللبنانية، قبل أيام قليلة. دخل الجيش السوري وقوات حزب الله إلى هذه البلدة الحدودية بين لبنان وسورية. خرجت أكثر من خمسين عائلة لبنانيّة وتسعين عائلة سورية منها إلى بلدة عرسال، شرقي لبنان. قصف الجيش السوري الطفيل بشكلٍ عنيف، وقال الهاربون منها إن أربعة أشخاص قتلوا وجُرح آخرون. عملياً، لا إمكانيّة للتأكّد ممّا حصل. الاعتماد على ما يتم تسريبه من معلومات، فلا طريق تربط الطفيل بالأراضي اللبنانية.
خرجت بلدة الطفيل الحدودية من الحسابات اللبنانيّة. لم تكن البلدة موجودة أصلاً ضمن حسابات الدولة اللبنانيّة. منذ ستينات القرن الماضي، والحكومة تعد أهالي البلدة بشق وتعبيد طريق تصل البلدة بالأراضي اللبنانيّة. لم تفِ الدولة يوماً بوعودها. بقيت الطفيل بلدة لبنانيّة تعيش على الرئة السورية. يحصل أهلها على الكهرباء والهاتف والتعليم والطبابة من الدولة السورية. وفيها أكثر من مئة طفل مكتوم القيد، بسبب عدم تسجيلهم في دوائر النفوس اللبنانية، لأنهم ولدوا في فصل الشتاء (يقفل الجرد ستة أشهر بسبب الثلوج وغياب الطريق). في نهاية إبريل/ نيسان الماضي، أعلن وزير الداخلية اللبناني، نهاد المشنوق، عن خطة جديدة لوصل البلدة بعمقها اللبناني. لم تُشق الطريق. الوزير عينه، قال إن أيّاً من اللبنانيين لم يُقتل في الطفيل. لم ينفِ، ولم يؤكّد، وجود قتلى من المدنيين السوريين.
لا جديد في تجاهل الدولة اللبنانية الأطراف. ولا جديد في الاعتداءات السورية على الأراضي اللبنانيّة. لكن المفاجئ، هو غياب بلدة الطفيل عن الوجدان اللبناني. سقطت تحت الاحتلال، ولم يصدر بيان يُندّد بذلك. لم تخرج في بيروت تظاهرة واحدة، ولم ينتظم اعتصام. لم تتداول صفحات التواصل الاجتماعي الموضوع. تجاهلٌ تام. كل ما حصل مؤتمر صحافي عقدته هيئة العلماء المسلمين. ولم يجرؤ المؤتمرون على إعلان اسم الجهة التي دخلت إلى الطفيل، وكأن جيشاً من الأشباح قصفها ودمر مسجدها وقتل مدنيين فيها. فيما انتظرت كتلة تيار المستقبل اجتماعها الدوري، لاستنكار "سيطرة جيش النظام السوري وسلاح حزب الله غير الشرعي على بلدة الطفيل اللبنانية بعد تهجير أهلها". غاب المجتمع المدني اللبناني عن الحدث. تجاهلت الأحزاب ما حصل، لغاية في نفسها. المجموعات الشبابية بدت وكأنها انتهت.
بعد تسع سنوات على خروج الجيش السوري من لبنان، عاد ليحتل بلدة لبنانيّة. لم يجد أيّ من اللبنانيين في الأمر سبباً للاعتراض. ضاعت شعارات السيادة والحرية والاستقلال، في ظل شهوة الوجود في السلطة.