احتفالاً بالحياة

27 يناير 2016
سأطفئ شمعاتي كلّها وأهلّل للحياة (Getty)
+ الخط -
عند مدخل منزل العائلة الحجريّ، وُضع قالب الحلوى على تلك الطاولة الرماديّة، مع ثلاث شموع ملوّنة. ما زال ذاك اليوم المشمس الدافئ - بخلاف العادة - من يناير، يعود إليها، وإن بومضات خاطفة. أما الصور التي وثّقها والدها، فتُظهرها بكنزة من الصوف وضحكة عريضة. ويعود إليها انهماك والدتها بتزيين قالب عيد ميلادها، ومناداتها ابنة الجيران التي كانت تسترق النظر، للمشاركة في "الاحتفال".

هذا أوّل عيد ميلاد لها، تحتفظ ذاكرتها ببعض تفاصيله. قبل ذلك، تكفّلت الصور بتوثيق تفاصيل العيدَين السابقَين. وتتوالى الذكريات التي تدعمها لقطات فوتوغرافيّة، لتؤكّد بهجة استثنائيّة تجتاحها في هذه المناسبة، سنة بعد أخرى.. وحتى يومنا.

ربما يكون "يومها"، بالفعل، الأكثر بهجة في السنة. ربما تكون هي، قد اعتادت بهجة وابتسامة عريضة، كبرتا معها وأصبحتا من مستلزمات هذا اليوم. ربما يكون أملها الدائم بسنة حلوة، سنة أحلى، هو ما يدفعها إلى كلّ هذا الحبور.. لعلّ تلك الغبطة تكون فأل خير.
هي أدمنت ابتسامتها العريضة تلك، فيما راحت تتمسّك أكثر فأكثر، سنة بعد أخرى، بطقوس عيد ميلادها. طقوس أضحت تماماً كما البهجة والابتسامة العريضة، من مستلزمات "يومها". قالب الحلوى، الشموع، أغنية "سنة حلوة"، إطفاء الشموع والعينان مغمضتان، قطع القالب باليد اليُسرى، الأمنية...

الأمنية. لم تجرؤ في يوم على رجاء أكثر من واحدة. للتمنّي أيضاً شعائره. أمنية واحدة تكفي. لطالما عدّت غير ذلك، نذير شؤم. من ثمّ، لا بدّ من أن تغمض عينَيها وتأخذ نفساً عميقاً، وترسم رجاءها في خيالها، قبل أن يجتاحها ذلك الشعور الطيّب، وتطفئ في النهاية شموعها - كلّها - دفعة واحدة.

***

اليوم أيضاً، نهار مشمس. هذا ما توقّعته الأرصاد الجويّة. لكن.. الصقيع يعوق أيّ احتفال في الهواء الطلق، والطاولة الرماديّة وُضعت مع الخردة خلف المنزل قبل زمن، ووالدتها لم تَعُد تزيّن قوالب حلوى، ووالدها استراح قبل أكثر من سنتَين مع آلة التصوير خاصته، وابنة الجيران الصغيرة كبرت وانتقلت من الحيّ. أما هي، فما زالت تنتظر بحماسة ترافقها مذ أطفأت شمعاتها الثلاث، "الاحتفال". تنتظر ممارسة تلك الطقوس الأحبّ إلى قلبها، وإن تضاعفت الشموع مرّات ومرّات، وإن أضحت مهمّة إطفائها دفعة واحدة أكثر عسراً.

***

في الأمس، قصدت تلك الضيعة الجنوبيّة. لم يكن ذلك المشوار "احتفالاً" مبكراً بعيد ميلادها. قصدت زوطر الشرقيّة، لوداع زينب. زينب أيضاً، احترفت البهجة قبل أن يتمكّن منها ذاك الخبيث. كرمى لضحكتكِ المحفورة في القلب، سأطفئ شمعاتي كلّها وأهلّل للحياة.. كما فعلتِ دوماً.

اقرأ أيضاً: وشاح خمريّ
المساهمون