ونظراً لأن ما يصدر عن المجلس المركزي يُنظر إليه على أنه توصيات غير ملزمة لقيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، فإن ما سيصدر عن الدورة الحالية للمركزي ليس بالضرورة هو ما سيحدد وجهة التحرك الفلسطيني في الفترة المقبلة.
وعلى سبيل المثال، فقد أوصى المجلس المركزي في اجتماعاته عام 2015 بوقف التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لكن رئيس السلطة محمود عباس تجاهل هذه التوصية، وتعاظمت مفاعيل التعاون الأمني، منذ ذلك الحين، بشكل كبير.
لكن بغض النظر عن مستقبل التعاطي مع التوصيات التي ستصدر عن اجتماعات المركزي، فإنه يفترض أن يناقش المجلس أربع قضايا رئيسة، هي: وظيفة السلطة، مستقبل العلاقة مع سلطة الاحتلال، اتجاهات التحرك في الساحة الدولية، وآليات التعاطي مع اتفاق المصالحة الذي تم التوصل إليه مؤخرا بين حركتي "فتح" و"حماس".
وفي حال قررت قيادة السلطة، هذه المرة، احترام وتطبيق التوصيات التي ستصدر عن الاجتماعات المتعلقة بهذه القضايا، والتي عبّرت عنها الحركات والفصائل والشخصيات التي ستشارك في هذه الاجتماعات، فإن هذا سيمثل تطورا سيفضي إلى تغيير أنماط التحرك التي تتبناها السلطة الفلسطينية بشكل جذري.
وعلى صعيد المثال، فقد طالب الكثير من أعضاء المركزي، ومن بينهم قادة في حركة "فتح" التي يرأسها عباس، بأن يتم الإعلان عن مناطق السلطة الفلسطينية كدولة تحت الاحتلال، مما يعني أن تكون السلطة ملزمة بالعمل على التخلص من هذا الاحتلال، وضمن ذلك تفعيل المقاومة الشعبية لمواجهة المخططات الاستيطانية والتهويدية.
في الوقت ذاته، طالب الكثيرون من أعضاء المجلس بإحداث تحوّل جذري على وظيفة السلطة، بحيث تتوقف عن التعاون الأمني مع إسرائيل. فحسب محمد الحوراني، القيادي البارز في "فتح"، فإنه لم يعد مقبولا أن تواصل السلطة الفلسطينية التعاون الأمني مع إسرائيل بعد قرار ترامب، لا سيما في ظل الإجراءات التي تتخذها إسرائيل.
وفيما يتعلق بمستقبل العلاقة مع سلطة الاحتلال، فقد تعالت الدعوات داخل السلطة الفلسطينية، عشية الاجتماع، بسحب الاعتراف بإسرائيل، ردا على إجراءات حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة، وما يترتب على ذلك من إعادة النظر في العلاقات الاقتصادية والسياسية معها.
وعلى الصعيد الدولي، فقد طالب ممثلو الفصائل والشخصيات المشاركة في المركزي بإحداث تحول جدي على طابع التحركات الفلسطينية في الساحة الدولية، سواء في الأمم المتحدة من خلال السعي للحصول على اعتراف كامل بدولة فلسطين، أو من خلال تقديم دعاوى أمام محكمة الجنايات الدولية ضد إسرائيل، على خلفية ارتكابها جرائم حرب خلال حروبها على قطاع غزة.
وعلى الصعيد الداخلي، فإن أحدا في الساحة الفلسطينية لا يجادل حول أهمية إنجاز تطبيق اتفاق المصالحة، من أجل ضمان توحيد الموقف الفلسطيني لمواجهة التحديات الناجمة عن القرارات الأخيرة.
لكن إلى جانب حقيقة أن ما سيصدر عن "المركزي" لا يعدو كونه توصيات غير ملزمة لقيادة السلطة، فإنه لا يوجد ما يدلل على أن هناك توجها حقيقيا لدى هذه القيادة بإحداث تحوّل جدي على طابع توجهاتها الحالية، لا سيما على صعيد العلاقة مع إسرائيل.
وعلى الرغم من قرارات ترامب وإجراءات حكومة نتنياهو، فإن السلطة تواصل التعاون الأمني مع إسرائيل بشكل مكثف، وهو ما يؤكده المسؤولون الإسرائيليون، ولا ينفيه قادة السلطة. لذا، فحتى لو تبنّى المجلس توصية بوقف التعاون الأمني، فإنه لا يوجد ما يضمن أن تعاطي السلطة مع هذه التوصية، سيكون مختلفا عن نفس التوصية التي صدرت في ختام اجتماعات المجلس في 2015.
وفيما يتعلق بالتوجه نحو المقاومة الشعبية كخيار لمواجهة المخططات الإسرائيلية، فقد دلت التجربة على أن أنماط المقاومة الشعبية التي تفضلها السلطة لا يمكنها أن تمثل تحديا للاحتلال، حيث تحرص الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة على التصدي لأي حراك شعبي يمكن أن يمثل تهديدا للمستوطنات والمسارات والشوارع الالتفافية التي يسلكها المستوطنون.
فأنماط المقاومة الشعبية تنجح فقط في المناطق التي لا يمكن لأجهزة السلطة الفلسطينية أن تعمل فيها، لا سيما في المنطقتين المصنفتين "ب" و"ج". من هنا فإن الفعاليات التي تنفذ في بلدة "النبي صالح" التي تقطنها الفتاة عهد التميمي وعائلتها تسبب أزمة للاحتلال، لأن هذه البلدة تقع خارج سيطرة أجهزة السلطة الأمنية.
وفيما يتعلق بالتحرك في المحافل الدولية، لا سيما على صعيد رفع دعاوى ضد إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية، فإن الإقدام على هذه الخطوة يعني المخاطر بخسارة الدعم المالي الذي مازالت الولايات المتحدة تقدمه للسلطة الفلسطينية، حيث إن واشنطن هددت بقطع المساعدات بمجرد رفع هذه الدعاوى.
ويدل حرص قيادة السلطة على دعوة القنصل الأميركي في القدس إلى حضور اجتماعات المركزي، على الرغم مما صدر عن ترامب من قرارات، على أن عباس غير معني بتحطيم قواعد العلاقة مع الولايات المتحدة، على الرغم من تأكيده أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطا نزيها.
من هنا، فإن هناك شكوكا أن يسمح عباس بتطبيق أية توصيات تصدر عن المركزي تشكل تحديا لنمط العلاقة الحالي بين السلطة وإسرائيل.