اجتثاث "عائلات داعش" في العراق: قانون خاص وانتقام ونفي

بغداد

سلام الجاف

avata
سلام الجاف
04 يوليو 2017
5AFAD11F-A824-47E3-8722-D5418EEBDD0E
+ الخط -
بعد الإعلان عن سقوط "داعش" في الموصل العراقية، بدأت ترد التقارير عن التنظيم وعناصره. وفي هذا الصدد، بلغ عدد العراقيين في "داعش" نحو 12 ألف عنصر من مجموع مقاتلي التنظيم في العراق. كما أصدرت السلطات العراقية خلال العامين الماضيين الآلاف من مذكرات الاعتقال بحق من تعرفت إلى هويته منهم، وعممت صورهم وأسماءهم على حواجز التفتيش والمنافذ الحدودية في البلاد. وخصصت مكافآت لاعتقال البارزين منهم أو الادلاء بمعلومات عنهم، كما طردت السلطات في أكثر من 20 مدينة محررة من قبضة "داعش"، عائلات وأقرباء لعناصر التنظيم، ولم تسمح لهم بالعودة إلى منازلهم، ورفضت المدن الأخرى إقامتهم فيها، ما دفعهم إلى العودة لمخيمات النزوح في الصحراء، التي فرغ معظمها من نازحي المدن المحررة باستثنائهم.


في هذا السياق، خصّ قرار السلطات العسكرية العراقية، الذي تشارك بتنفيذه كل من مليشيات "الحشد الشعبي" ومجالس العشائر المحلية وحكومات المحافظات ومراكز الشرطة في المدن المحررة، أقرباء عناصر "داعش" من الدرجة الأولى، وهم الأب والأم والزوجة والأبناء والأخ والأخت. دفع القرار العائلات للعودة إلى الصحراء، حيث مخيمات النزوح.

وفي ظل غياب تقدير دقيق لعدد العائلات، إلا أن منظمات محلية ومسؤولين في العراق قالوا لـ"العربي الجديد"، إن "عددهم يراوح ما بين 10 إلى 12 ألف أسرة". وقياساً على معدل أفراد الأسرة العراقية، فإن هناك حوالي 90 ألف شخص مطرود.

ويوم السبت دعا مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الحكومة لـ"التحرك لوقف أعمال انتقام وإجلاء قسري وشيك لأسر في الموصل، بسبب مزاعم عن صلاتها بتنظيم داعش". وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، روبرت كولفيل، في مؤتمر صحافي عقده في جنيف، إن "مئات العائلات تلقت رسائل تهديد تحدد موعداً نهائياً لمغادرتها، لا سيما في إطار الاتفاقات القبلية التي تعتبر أعمال انتقام". وأضاف: "نحث الحكومة العراقية على اتخاذ إجراء لوقف عمليات الطرد الوشيكة هذه، أو أي نوع من العقاب الجماعي، وتعزيز نظام العدالة الرسمي لتقديم الجناة إلى العدالة".



وعلى الرغم من أن القرار لا يحظى بأي سند دستوري، ولا يشرح مصير العائلات، إلا أن إدارات المدن المحررة وقيادة الجيش والشرطة، تستمر في طردهم، بل والاستيلاء على منازلهم ومنحها لضحايا هُدّمت منازلهم، أو استعمالها كمراكز شرطة بديلة لما هدمه "داعش"، وهو ما تفعله العشائر أيضاً.

القضاء أكد أن القانون لا يأخذ الأخ أو الأب بجريرة أحد أفراد العائلة، وكذلك أيضاً رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي قال في مؤتمر صحافي الشهر الماضي، إن "البريء لا يؤخذ بجريرة الجاني مهما كان ما فعل من جريمة إرهابية أو جنائية"، مبيّناً أن "القانون يحاسب الجاني فقط لا عائلته، ويجب وقف أي إجراءات ارتجالية بخصوص ذلك". إلا أن التعامل ما زال على حاله مع العائلات، بل تعدّى ذلك إلى طرد أبناء عم عضو "داعش" من قبل العشائر.

ووصل الموضوع أيضاً في جانبه الأمني، إلى المزايدة بين السياسيين، بفعل قيام أحزاب وكتل برلمانية بكتابة قانون بغرض تمريره في البرلمان وإقراره رسمياً، يقضي بـ"مصادرة أموال تلك العائلات المنقولة وغير المنقولة، بما فيها المنازل والأراضي الزراعية وحتى سياراتهم، ويمنعون من العمل في وظائف الدولة العامة، ويحرمون من صرف أوراق رسمية".

في هذا الإطار، رأى قاضي محكمة تحقيق بغداد الثالثة، محمد عبد السلام، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الموضوع يجب أن يبقى محصوراً بالقضاء، ولا مجال لتدخل العسكر أو الحشد أو العشائر والسياسيين". وأضاف "عملياً، لا توجد تهمة ضدهم والقانون يؤكد على أن الجاني يعاقب لوحده ولا علاقة لزوجته أو لابنته أو والديه وأشقائه، ما لم يثبت أنهم ساعدوه. وهذا الموضوع قضائي بحت، وما نراه اليوم تخبط وانتهاك لحقوق الإنسان وخرق للدستور".

وأكد أن "الدولة مسؤولة عن حمايتهم، وهم عراقيون، فهل من المعقول أن يتم نفيهم خارج العراق، وأي دولة ستستقبلهم؟ وهل من المنطقي إبقاءهم مدى الحياة في الصحراء بالخيام؟ وممتلكاتهم التي صودرت من سيأخذها وعلى أي قانون استند المصادرون لها؟". ووصف ما يجري بأنه "اعتداء على سلطة القانون والقضاء". وتابع "نحن كقضاء لا تحكمنا العواطف، لكن تحكمنا الأدلة والإثباتات والنصوص الدستورية. وهذا الشيء نعتبره تعدياً وأخذ شخص بوزر الآخر".



بدوره، ذكر العقيد في وزارة الداخلية، حيدر جمال، أن "عدد أفراد داعش من العراقيين نحو 12 ألف مقاتل، منهم من قُتل ومنهم من فرّ إلى سورية، ومنهم من لا زال يقاتل، وآخرون متخفون بهيئات وهويات مختلفة داخل المدن المحررة، لكن نعمل على رصدهم والتوصل إليهم". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "عودتهم الآن قد تتسبّب بمشاكل، وقد تُرتكب جرائم بشعة في حال عودتهم. وكان قرار طردهم للخيام خارج المدن هو المتاح حالياً كأفضل الحلول، عسى أن تبرد الجروح ويحسم رئيس الوزراء ملفهم سريعاً". في غضون ذلك، استمرت محاولات آلاف العائلات في التبرؤ من أبنائها، كما طردت الأنبار أكثر من 3 آلاف عائلة تقيم حالياً في مخيمات بالصحراء.

من هؤلاء أحمد العيساوي، أحد الذين تم طردهم من الفلوجة، الذي قال لـ"العربي الجديد": "لديّ ثلاثة إخوة، أحدهم مع داعش، والثاني في جهاز الشرطة، والآخر قُتل على يد التنظيم بتهمة الردة. وتجاهلت الحكومة مسألة أنني ضحية لداعش، بل أبرزت فقط بأن شقيقي في داعش". وتابع "ما الذي يمكن أن أفعله لأخي إذا ركب الشيطان رأسه؟ هل أنا مسؤول عنه؟ ثم ما ذنب أبيه وأمه؟ عمره 40 عاماً، وليس طفلاً. والآن نحن في خيمة بالية لا ندري ما نفعل، ودائماً الأبواب مسدودة بوجوهنا".

وأكد العيساوي أنه تعاون مع الأمن، وأبلغ عن احتمالات أماكن تواجد شقيقه، وسلّمهم كل ما يعرف، وتبرأ منه، وتطوع للقتال معهم، لكن لم يسمع أحد له. أما الزعيم القبلي البارز في الأنبار، الشيخ حميد عبد الله الشمري، فدافع عن قرار النفي، معتبراً أنه "إذا عادوا سيقتلون من قبل عائلات ضحايا داعش، لذلك عليهم البقاء الآن بعيداً". وأضاف أن "القرار ظالم، نعم، لكن أفضل من أن تكون هناك موجة قتل وأخذ بالثأر على العرف العشائري".



من جانبه، اعتبر النائب في البرلمان أحمد الجربا، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "كتلاً في البرلمان توافقت على طرح المشكلة في جدول أعمال الجلسات المقبلة". وأبدى خشيته من "خلق جديد من داعش من بطن هذه المشكلة، إذا تمت معاملة العائلات بطريقة غير صحيحة، تكون نواته الأطفال والمراهقين، الذين سينشأون في المخيمات المعزولة". وأوضح أنه "سنعمل على أن يكون ملف عائلات داعش قضائي بالكامل، حتّى نبتعد عن التداعيات الخطيرة التي قد تتسبّب بها الوشايات والعودة إلى مشكلة المخبر السري والاعتقال والطرد لمجرد الشكوك".

وكشف نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، نايف الشمري، لـ"العربي الجديد"، عن "مقترح قانون لمصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة". مضيفا أنه "صاحب اقتراح قانون مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لعناصر داعش وعائلاتهم في العراق. وأكملت مسودة القانون، وسأجمع تواقيع بغرض طرحه في جدول أعمال البرلمان والتصويت عليه، لأن من ارتكب هذه الجرائم البشعة لن نسمح له بأن يعيش في الدولة، وينعم بخيرات العراق".

وتابع "إن منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم ومزارعهم وعقاراتهم، وكل شيء يملكونه في العراق". وحول مدى قانونية ذلك ومدى مسؤولية العائلة عن ظلالة أو انحراف أحد أبنائها، شدّد على أن "الأمر قانوني". مضيفاً "سنقيم لهم مخيمات خارج المدن، وهو مطلب جماهيري، فالناس لا تريد أن ترى بأعينها عائلات من تسببوا بكوارث ودماء بينهم مرة أخرى".

وبيّن النائب عن محافظة نينوى، القيادي في تحالف القوى العراقية محمد نوري العبد ربه، لـ"العربي الجديد"، أن "العدد التقريبي لعائلات داعش في الموصل لا يتجاوز خمسة آلاف عائلة كحد أعلى. وهناك منهم مناصرون، وهناك منهم مقاتلون، وهناك منهم شرعيون، وهكذا هم، ولكن التسمية هي أنهم منتمون إلى عصابات داعش". وتابع "يفترض أن تكون هناك مخيمات جاهزة لاحتضان عائلات داعش وأقربائهم، فهم يتواصلون مع أبنائهم في داعش. لذلك مثل هذه المخيمات يجب أن تكون تحت إشراف الحكومة، وأن تكون هناك منظمات دولية أيضاً تشرف على هذه المخيمات لإعادة تأهيل الأطفال، وإعادة تأهيل النساء والشباب من الناحية العلمية ومن الناحية الثقافية، لكي نستطيع غسل أفكار داعش التي زرعوها فيهم خلال السنوات الماضية".

ذات صلة

الصورة
أسلحة للعراق الجيش العراقي خلال مراسم بقاعدة عين الأسد، 29 فبراير 2024 (أحمد الربيعي/فرانس برس)

سياسة

كشفت مصادر عراقية لـ"العربي الجديد"، وجود ضغوط إسرائيلية على دول أوروبية وآسيوية لعرقلة بيع أسلحة للعراق وأنظمةة دفاع جوي.
الصورة

سياسة

أعلنت وزارة الدفاع التركية، ليل أمس الأربعاء، قتل العديد من مسلحي حزب العمال الكردستاني وتدمير 32 موقعاً لهم شمالي العراق.
الصورة
تظاهرة في بغداد ضد العدوان على غزة ولبنان، 11 أكتوبر 2024 (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

منوعات

اقتحم المئات من أنصار فصائل عراقية مسلحة مكتب قناة MBC في بغداد، وحطموا محتوياته، احتجاجاً على عرضها تقريراً وصف قيادات المقاومة بـ"الإرهابيين".
الصورة
زعيم مليشيا "أنصار الله الأوفياء" حيدر الغراوي (إكس)

سياسة

أدرجت وزارة الخارجية الأميركية حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية وزعيمها حيدر الغراوي، على قائمة المنظمات والشخصيات الإرهابية.
المساهمون