تتزايد الاتهامات للإمارات بدعم عناصر حزب "العمال الكردستاني" شمالي العراق، في إطار المواجهة غير المباشرة مع تركيا، وسط مخاوف من تأثير ذلك على استقرار العراق، وذلك فيما تواصل القوات التركية عملياتها العسكرية داخل إقليم كردستان.
واتهم عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، مختار الموسوي، الإمارات بتقديم دعم متواصل لمسلحي "العمال الكردستاني"، شمالي العراق، بشكل بات يؤثر على أمن العراق واستقراره، ضمن سياسة عدائية تجاه أنقرة. وقال الموسوي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن معلومات مؤكدة عبر مصادر أمنية عراقية تثبت وجود قنوات دعم إماراتية متواصلة لمسلحي "العمال" شمالي العراق، وتورط مسؤول إماراتي، هو أحد أفراد الأسرة الحاكمة في أبوظبي، في تقديم الدعم. واعتبر أن "الأجندة الإماراتية الحالية باتت تهدد أمن واستقرار العراق من خلال هذا الدعم الذي تقدمه أبوظبي لمسلحي الحزب الموجود بشكل غير شرعي داخل الأراضي العراقية، نكاية بأنقرة"، مشدداً على أن "الحكومة مطالبة بالتحرك سريعاً نحو الإمارات لوقف كل أشكال الدعم لمسلحي حزب العمال، لما يشكله من تهديد على العراق وأمنه، ويضر سيادة البلاد"، مضيفاً "نحن في البرلمان سيكون لنا موقف من هذا الدعم، الذي يسعى لزعزعة أمن واستقرار العراق بصورة خاصة والمنطقة بصورة عامة عبر الأراضي العراقية".
تصريحات الموسوي تأتي بعد تسريبات من منطقة حفتاتين، شمالي أربيل، على مقربة من الحدود التركية التي ينشط فيها مسلحو "العمال"، وتنفذ القوات التركية عملية برية للقضاء على جيوب الحزب المسلحة التي تنطلق منها لتنفيذ هجمات داخل الأراضي التركية، تشير إلى أن قوات اللواء 80 في البشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق ضبطت معدات اتصال حديثة وأجهزة تحديد مواقع ونواظير ليلية فضلاً عن منظومات اتصال إنترنت فضائية كانت في طريقها إلى مسلحي الحزب.
وتنفذ القوات التركية عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية بعمق يصل إلى نحو 40 كيلومتراً ضمن إقليم كردستان، منذ نحو 80 يوماً، ضمن عمليات أطلق عليها اسم "مخلب النمر"، انطلقت في 17 يونيو/ حزيران الماضي، بواسطة قوات برية خاصة تستهدف معاقل الحزب التقليدية داخل العراق والذي ينفذ من خلالها اعتداءات داخل الأراضي التركية. وتتركز العمليات البرية التركية في مناطق حفتانين وأطراف سوران وبلدة سيدكان ومنطقة برادوست والزاب، شمال دهوك وشرقها، بينما امتد القصف الجوي التركي إلى سنجار ومخمور وزمار والعمادية وكاني ماسي، على الحدود مع السليمانية، لتخلف خسائر كبيرة في صفوف مسلحي الحزب، ولا سيما على مستوى المناطق الحدودية، ما أجبره على التراجع في مناطق كثيرة.
عضو بالبرلمان العراقي: الأجندة الإماراتية الحالية باتت تهدد أمن واستقرار العراق من خلال الدعم الذي تقدمه أبوظبي لمسلحي الحزب
وتعليقاً على الحديث عن دعم إماراتي، قال مسؤول حكومي عراقي في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "العمال يستفيد من نزاعات المنطقة وحقق على ما يبدو قنوات اتصال مع دول عربية مناوئة لتركيا أبرزها الإمارات، وقد تكون السعودية أيضاً غير بعيدة عن ذلك"، مضيفاً أن الدعم مالي ومعلوماتي وإعلامي، إذ لا مجال لعبور أسلحة أو ذخيرة إلى المنطقة العراقية الحدودية بين تركيا وإيران حيث يوجد مسلحو الحزب، لكن في المحصلة المال كان مشكلة رئيسية للحزب منذ تأسيسه، إذ يعتمد على تبرعات أكراد أوروبا وأنشطته التجارية بالتهريب بين سورية والعراق وتركيا وجزء من إيران"، مضيفاً أن "وفرة المال لديه ستمكنه بطبيعة الحال من الحصول على السلاح الذي يحتاجه من شبكات ومافيات سلاح سورية وعراقية وحتى إيرانية". ورجح أن يطرح رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الملف على الإمارات في حال حصل لقاء مع مسؤوليها ضمن جولته المرتقبة والتي تبدأ من السعودية.
وفي منتصف يونيو/ حزيران الماضي فرضت سلطات إقليم كردستان العراق، إجراءات رقابية على التحويلات المالية الآتية من دولة الإمارات إلى الإقليم عبر شركات الصرافة والبنوك، على خلفية معلومات بشأن حصول قوى كردية معارضة لأنقرة موجودة في الإقليم على دعم مالي من الإمارات، هو ما دفع جهاز الأمن الداخلي في الإقليم (الأسايش) إلى فرض إجراءات جديدة على الحوالات المالية الآتية من الإمارات عبر شركات التحويل المالي. إلا أن هذا الإجراء يصفه مراقبون ومعنيون في الإقليم بالشكلي، إذ يمكن نقل الأموال من دول أخرى إلى الإقليم عبر بلد ثالث، مع تمتع الإقليم بقنوات تحويل مفتوحة مع دول أوروبية وآسيوية وعربية مختلفة يمكن من خلالها التحويل إليه بعيداً عن الشركات والبنوك الإماراتية.
المدير المفوض السابق لشركة "نيشتيمان" للصرافة والحوالات المالية سربست هورامي، علّق على الإجراء الأخير لحكومة الإقليم بأنه قانوني لكنه غير كافٍ ويمكن التحايل عليه بطرق مختلفة، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه لا يمكن إثبات أن المال الواصل لهذه الجهة السياسية أو تلك المسلحة في الإقليم من دولة محددة، لكن عملياً هناك أشياء واضحة ومعلومات تتناقلها الأوساط المختلفة. ولفت إلى أن "هناك أطرافاً غربية أيضاً صارت تتواصل مع قوى كردية إيرانية معارضة مقيمة في الإقليم، وبالمحصلة كردستان تدفع ثمن ذلك من استقرارها".
تشكيك بفاعلية الإجراءات الرقابية التي فرضتها سلطات كردستان على التحويلات المالية الآتية من الإمارات إلى الإقليم عبر شركات الصرافة والبنوك
من جهته، قال محافظ نينوى الأسبق، القيادي في جبهة "الإنقاذ والتنمية"، أثيل النجيفي، إن العراق وتركيا هما المتضرران من دعم الإمارات لحزب "العمال" شمالي العراق. وأشار النجيفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى معلومات لم يكشف مصدرها تتحدث عن عقد اجتماعات بين المخابرات الإماراتية و"العمال الكردستاني" داخل الأراضي العراقية، معتبراً أن "هذا الأمر خطير جداً، وهو تحويل لأزمة ما بين تركيا والإمارات إلى داخل العراق، والحكومة العراقية يجب ألا تسمح بمثل هذا الأمر".
ورأى النجيفي أن "وجود حزب العمال داخل الأراضي العراقية انتهاك للدستور قبل كل شيء، بالإضافة إلى أنه يفتح باب الصراعات الإقليمية في داخل العراق، ويضر بمصالح العراق الاستراتيجية، ويعطي لتركيا المجال للعمل العسكري داخل العراق"، مضيفاً أن "على الحكومة العراقية أن تكون حاسمة في ملف حزب العمال، وأن تنهي هذا الملف من خلال إنهاء أي وجود لهذا الحزب، لمنع جعل العراق ساحة لصراعات إقليمية". وحذر من أن "تتلاعب دولة مثل الإمارات في الوضع الداخلي العراقي، فهذا أمر خطير جداً، والسكوت والسماح بهذا التدخل سوف يحوّل العراق إلى ما صار عليه الحال في سورية وليبيا بسبب هذا التدخلات".
أما قائممقام قضاء سنجار، شمالي العراق، محما خليل، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "معلومات تصل في الفترة الأخيرة عن دعم إماراتي لحزب العمال، لكن لا شيء مؤكداً لدينا حيال ذلك"، لافتاً إلى أن "الدستور العراقي يمنع أي تدخل خارجي، كما يمنع جعل الأراضي العراقية ممراً لشن هجمات ضد دول الجوار، وأي دعم خارج بوابة الدولة سيكون من شأنه زعزعة الوضع الأمني واستقرار العراق، ولهذا فإن وزارة الخارجية العراقية والجهات الحكومية الأخرى، مطالبة بالتحرك لمنع أي تدخل من قبل أي دولة في الشأن الداخلي، خصوصاً القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على أمن البلاد وسيادتها". واعتبر أن "الخلافات بين تركيا والإمارات يجب أن تحل في أنقرة وليس داخل الأراضي العراقية أو عبر الإضرار بأمن واستقرار العراق، خصوصاً أن التجربة السابقة بيّنت أن دعم بعض الدول لمجموعات في العراق ولّد تطرفاً خطيراً في عموم المنطقة وليس العراق فقط".