منذ منتصف العام الماضي ووسائل الإعلام العراقية المحلية تحفل بالتصريحات والاتهامات المتبادلة بين أقطاب ورموز حزب "الدعوة" العراقي، الذي أخفق في تحقيق نتائج جيدة بالانتخابات التشريعية الأخيرة في البلاد، ومن ثم خسارته منصب رئاسة الوزراء، لجملة أسباب يراها مراقبون بأنها نتيجة لتراجع شعبيته، وازدحام ملفات الفساد التي يتهم بها رموزه، وسياسته الطائفية التي انتهت بسقوط مدن شمال وغرب العراق بيد تنظيم "داعش" الإرهابي خريف 2014.
والأربعاء تبادل جناحا حزب "الدعوة"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والسابق حيدر العبادي، الاتهامات حول من أدخل الأميركيين والقوات الأجنبية الأخرى إلى العراق عام 2014، وكيف تم ذلك بعد تصريحات لأحد أعضاء "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي بأن العبادي، رئيس تحالف "النصر" هو من أدخلهم، ما دفع بالأخير إلى الرد وبقوة على البيان نافياً ذلك.
وقال بيان لكتلة "النصر"، إن "القوات الأميركية تم استدعاؤها في 26 يونيو/ حزيران 2014 من "المالكي كما هو مثبت في وثائق الأمم المتحدة، والوثائق المتبادلة بين الدولتين مستندة إلى الاتفاقية الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة"، مبيناً أن "العبادي حين نال ثقة مجلس النواب في 8 سبتمبر/ أيلول 2014 كانت القوات الأميركية موجودة في العراق قبل تسلّمه المسؤولية بشهرين، والعبادي هو من جعلها قوات متعددة الجنسيات وليست قوات أميركية فقط".
ولمز البيان المالكي، عبر استخدام عبارات الحرص على استقلال العراق وسيادته، موضحاً "كان وما زال العبادي حريصاً على استقلال العراق وسيادته"، متهماً نخباً وصفها بغير المسؤولة بمحاولة تشويه وتضليل مواقفه الوطنية، على حدّ وصف البيان.
من جهته، رد ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه المالكي، متهماً ما جاء في بيان ائتلاف "النصر" بالمغالطات والادعاءات بشأن وجود القوات الأميركية في العراق.
واتهم "النصر" بالتهرب من "مسؤولية استقدام العبادي للقوات الأميركية، ومنحها قواعد ثابتة في البلاد وصلاحيات التحرك على أرض وسماء العراق، دون الرجوع إلى السلطات العراقية". وأضاف البيان: "يعدّ ذلك مخالفة صريحة لبنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي المبرمة مع الولايات المتحدة الأميركية، التي أفضت إلى خروج القوات الأميركية من العراق عام 2011".
كما اتهم بيان "دولة القانون" العبادي، بالتخلي عن المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية، التي أخلّت بها حكومته أمام الرأي العام على حد وصفه.
هذه الاتهامات المتبادلة بين زعيمين من زعماء حزب "الدعوة"، ربما تكون الانقسام الأوضح في الحزب خلال السنوات القليلة الماضية، التي شهدت عدداً كبيراً من الفضائح الكبيرة بعد انقسام قياديين آخرين وانشقاقهم عن الحزب.
وبحسب مصادر من داخل "الدعوة"، فإن الخلافات هي الأخطر لكونها تأتي بعد أيام من وفاة مرجع الحزب، ومرشده في إيران محمود الشاهرودي، وعدم اختيار بديل له حتى الآن يمكن أن يضبط إيقاع تلك الخلافات.
وقال أحد أعضاء الحزب في اتصال مع "العربي الجديد"، إن الانتخابات الداخلية للحزب المقررة بالفترة القريبة المقبلة لانتخاب أمين عام للحزب، وترشح المالكي للمرة الثالثة، أثارت خلافات وساعدت على تعزيز الانقسام الحالي بينه وبين العبادي، لافتاً إلى أن هناك جهوداً لوقف التصعيد الإعلامي بين الطرفين خلال الساعات المقبلة.
وأوضح الخبير بالشأن السياسي العراقي، عبد الودود السماوي لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الاتهامات المتبادلة كانت تجري خلف الكواليس بشكل متواصل بين قيادات ورموز حزب الدعوة، بسبب الانهيارات المتواصلة في مختلف الملفات الأمنية والخدمية والسياسية، باعتبار أن الحزب هو من يقود البلاد اليوم، ولكن خروج هذه الخلافات إلى العلن وبهذا الشكل الشرس دليل واضح على حجم الانشقاقات بين قيادات الحزب، وما وصل إليه مجلس شورى الحزب من فشل ذريع".
وقال إن الأحزاب الإسلامية في العراق، وعلى رأسها حزب الدعوة، كانت من أقوى المتعاونين مع الولايات المتحدة لاحتلال العراق قبل عام 2003 وبعده، لكنه أشار إلى أن بعض رموز الحزب تحاول تصوير المشهد على أن قياديين حزبيين هم من أدخلوا الأميركيين إلى العراق وليس الحزب بأكمله.