اتفاق لافروف كيري: مزيد من المجازر وتأزيم الوضع السوري

17 يوليو 2016
تتزايد وتيرة المجازر بحق المدنيين يوميّاً (ناتاليا كوليسنيكوفا/فرانس برس)
+ الخط -
أعلن وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، جون كيري، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، أمس السبت، اتفاق بلديهما على محاربة تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) وجبهة النصرة في سورية بشكل صارم، الأمر الذي اعتبرته فصائل المعارضة السورية المسلحة "ذريعة جديدة" لاستمرار استهداف مقاتليها ومقراتها وارتكاب مجازر ضد المدنيين، مشيرة إلى أن النظام بدأ تطبيق الاتفاق على الفور. ونقلت وكالات الأنباء عن لافروف: "إن الطرفين، الروسي والأميركي، اتفقا على محاربة "داعش" وجبهة النصرة "بلا هوادة"، مضيفاً: "أن هدفنا المشترك توفير نظام وقف إطلاق النار الطويل الأمد على جميع الأراضي السورية باستثناء داعش وجبهة النصرة".

وعقد لافروف وكيري اجتماعات مطولة في موسكو، أول من أمس الجمعة، تناولت القضية السورية. وأكد كيري أن بلاده اتفقت مع روسيا على خطوات "إذا طبقت فستوفر حلاً للمشاكل المتعلقة بانتهاكات قوات النظام، والهجمات التي تشنها جبهة النصرة". ورفض كيري الخوض في تفاصيل الاتفاق، خلال مؤتمر صحافي عقده مساء الجمعة، عقب اجتماعات ماراثونية مع لافروف. وقال الوزير الأميركي: "لن نعلن عن الخطوات الملموسة التي اتفقنا عليها في قائمة طويلة، لأننا نريد لها النجاح، ولأنها بحاجة لمزيد من العمل كي تنجح". ونقلت وكالة "رويترز" عن كيري: "لكني أود تأكيد أن هذه الخطوات ليست مبنية على الثقة. إنها تحدد مسؤوليات متسلسلة يتعين على جميع أطراف الصراع استئنافها بنيّة وقف القصف العشوائي الذي تنفذه قوات (بشار) الأسد، وتكثيف الجهود ضد جبهة النصرة".

ولم ينتظر طيران النظام طويلاً بعد اتفاق حليفه الأبرز روسيا مع الولايات المتحدة، فارتكب، فجر وصباح أمس السبت، مجازر في الأحياء التي تقع تحت سيطرة قوات المعارضة في مدينة حلب شمال البلاد، حيث أكد ناشطون أن أكثر من خمسين مدنياً بينهم أطفال ونساء، قتلوا في غارات شنها طيران النظام بالبراميل المتفجرة والألغام البحرية.

وأفاد ناشطون أن سبعة مدنيين قتلوا وأصيب آخرون في غارات استهدفت مشفى "عمر بن عبد العزيز" في حي المعادي بحلب، ما أدى إلى خروجه عن الخدمة بشكل كامل. وقتل 10 مدنيين، وأصيب آخرون في حي الفردوس بحلب، في قصف للطيران الحربي، الذي ارتكب مجزرة أخرى في حي باب النصر في منطقة حلب القديمة، حيث قتل سبعة مدنيين بينهم أربعة أطفال وامرأتان. كما قتل مدنيون في أحياء أخرى من حلب، وفي بلدة حريتان شمالها، حيث نشر ناشطون إعلاميون صوراً مروعة لمدنيين قتلوا في الغارات.


من جهته، أعلن الدفاع المدني التابع للمعارضة السورية، أن الطائرات الحربية والمروحية شنت، منذ ساعات صباح السبت الأولى، غارات جوية على أحياء مدينة حلب بالصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة، مشيرة إلى أن القصف استهدف أحياء: المعادي والمغاير والجزماتي والقاطرجي والفردوس وباب النيرب وجسر الحج والمواصلات والسكري وحلب القديمة والصالحين والصاخور، الأمر الذي تسبب بمقتل وإصابة عشرات المدنيين، وخلفت الغارات أضراراً مادية كبيرة في الممتلكات، وفق الدفاع المدني.

وأبدت فصائل عسكرية في المعارضة السورية تخوفها من أن يستغل الروس والنظام اتفاق "لافروف - كيري" على محاربة جبهة النصرة، كـ"ذريعة جديدة لاستمرار استهداف المدنيين في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، ومواصلة استهداف مقاتليها ومقراتها". في هذا الصدد، أكد الناطق باسم "جيش المجاهدين" في حلب، النقيب أمين ملحيس، أن كتائب الجيش السوري الحر في المدينة وريفها لا تنسّق مع جبهة النصرة، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد": "لنا جبهاتنا المعروفة التي نواجه فيها قوات النظام والمليشيات الطائفية الإيرانية، وعلى الرغم من ذلك يقوم الطيران الروسي بقصفنا، ليلاً نهاراً، لتوفير غطاء جوي لقوات النظام وحلفائها للتقدم ومحاصرة مدينة حلب". وأشار ملحيس إلى أن "الغرب" يريد معاقبة فصائل الجيش السوري الحر "لأنها رفضت الخضوع لإملاءاته الهادفة إلى التفرغ لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية ومهادنة قوات النظام، والمليشيات المرتبطة بها"، مضيفاً: "لم ولن ننفذ ما يمليه علينا الغرب".

في هذا الصدد، قال ملحيس إن "جميع الدول متحالفة مع النظام ضد الشعب السوري، وفصائل المعارضة المسلحة، وخاصة في مدينة حلب وريفها"، معتبراً المجازر التي ارتكبها طيران النظام في حلب وريفها، يومي الجمعة والسبت، "بداية تطبيق الاتفاق الروسي الأميركي". ولفت ملحيس إلى أن الطيران الحربي قصف أمس بالقنابل العنقودية بلدة الجينة في ريف حلب الغربي وهي خالية تماماً من أي وجود عسكري للمعارضة أو لجبهة النصرة، مذكراً بقيام طيران التحالف الدولي، منذ أيام، بقصف منازل مدنيين في قرية التوامه في ريف حلب الغربي أيضاً، مما خلّف أكثر من عشرين قتيلاً في صفوف نازحين إلى القرية من ريف حلب الشمالي. وتابع ملحيس أن مدينة حلب "تقاوم قوات النظام ومليشيات إيران الطائفية والطيران الروسي لمنع تطويق الأحياء الشرقية التي يعيش فيها نحو نصف مليون مدني، يريد النظام قتلهم قصفاً وجوعاً تحت الحصار".

ولم يتوقف الطيران الروسي عن استهداف فصائل المعارضة السورية، منذ بدء تدخله في الثلاثين من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، ولم يستثن أي فصيل منها في عموم الجغرافيا السورية، كما ارتكب مجازر بحق المدنيين، ودمّر مراكز حيوية منها مستشفيات ومراكز صحية ومدارس. ووفّر الطيران الروسي غطاء جوياً لقوات النظام والمليشيات المساندة له كي تحقق تقدماً على حساب قوات المعارضة في شمال حمص والساحل السوري، وفي درعا جنوب سورية، وفي مدينة حلب وأريافها. واستطاعت هذه القوات استعادة السيطرة على العديد من المواقع في المناطق المذكورة بفضل الطيران الروسي الذي قدم، أيضاً، تغطية جوية غير مسبوقة في بدايات العام الجاري لمليشيات الوحدات الكردية. هذا الأمر مكّن هذه المليشيات من السيطرة على العديد من المواقع في شمال حلب، بعدما كانت بيد قوات المعارضة، أبرزها مدينة تل رفعت ومطار منّغ العسكري.

وقام الطيران الروسي باستهداف مناطق يسيطر عليها تنظيم "الدولة الاسلامية"، لا سيما في محافظتي دير الزور، والرقة، لكن المدنيين كانوا أغلب ضحايا هذه الغارات.

ويرى مراقبون أن اتفاق كيري - لافروف، بما يخص تنسيق الجهود في محاربة جبهة النصرة في سورية، سوف "يزيد المشهد تعقيداً" ويؤدي إلى ارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين، وتهجير أعداد إضافية من السوريين من منازلهم. وترى مصادر في المعارضة السورية أن موسكو وواشنطن يعلمان جيداً أن الحل الوحيد للقضية السورية هو في تنحية الأسد وأركان حكمه عن السلطة، ضمن اتفاق سياسي حقيقي يمهد الطريق أمام استقرار البلاد، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة بما فيها الجيش والأجهزة الأمنية.

وأشارت المصادر إلى أن الحل العسكري لن يجدي نفعاً، لا سيما أن جبهة النصرة تقاتل نظاماً قتل وشرد ملايين السوريين، مضيفة: "المدنيون السوريون وحدهم من سيدفع ثمن اتفاق لافروف - كيري الغامض الذي يدفع باتجاه التأزيم، وليس الحل".