اتصال أميركي ـ صيني يمهّد لتوحيد الجهود ضد كورونا

28 مارس 2020
شي وترامب في قمة الـ20 العام الماضي(برندان سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -
للمرة الأولى منذ ظهور وباء كورونا "كوفيد ـ 19" في 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، طغت الإيجابية على العلاقة الأميركية ـ الصينية بعد الاتهامات المتبادلة، سواء في الوصف الأميركي للفيروس بأنه "فيروس صيني" أو في اتهامات صينية متفرقة للأميركيين بالوقوف خلف الفيروس. فأمس، الجمعة، أجرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتصالاً بنظيره الصيني شي جينبينغ، ليطويا صفحة الصدامات على خلفية كورونا، خصوصاً مع تصدّر بلديهما لائحة البلاد الأكثر إصابة بالفيروس، وليتفقا على التعاون في سبيل الخروج من الأزمة الصحية العالمية، في خطوة يُفترض أن تنعكس إيجاباً على ملفات سياسية عدة، بدءاً من إتمام الاتفاقات التجارية، مروراً بمستقبل بحر الصين الجنوبي، ووصولاً إلى التعاون في ملفات إقليمية عدة، من الشرق الأوسط إلى أوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية.

وعلى مشارف الشهر الرابع من تفشي فيروس كورونا، وعجز أنظمة طبية عدة على احتوائه، خصوصاً في أوروبا، أعلن ترامب أنه تحدث مع نظيره الصيني وناقشا "بتفصيل كبير" وباء كورونا الذي أودى حتى الآن بحياة أكثر من 24 ألف شخص على مستوى العالم. وغرّد ترامب على "تويتر": "لقد مرت الصين بالكثير وأصبحت على دراية كبيرة بالفيروس، نحن نعمل معاً بشكل وثيق". في إشارة إلى تبادل مشترك للمعلومات والاستفادة الأميركية من الخطوات الصينية التي تمّ اعتمادها في ووهان وإقليم خوباي.

من جهته، اعتبر شي أنه على الولايات المتحدة والصين، "الاتحاد لمكافحة" الوباء. ونقلت قناة "سي سي تي في" العامة عنه قوله إن "الصين مستعدة لمواصلة تبادل المعلومات والخبرات مع الولايات المتحدة من دون تحفظ". وأعلن شي أن العلاقات بين بكين وواشنطن باتت "في لحظة حاسمة بشكل خاص"، مضيفاً أن التعاون "هو القرار الصحيح" في هذا الوقت. وقال إن المقاطعات والمدن والشركات الصينية قد سلمت بالفعل معدات طبية للولايات المتحدة، مردفاً: "آمل أن يقوم الطرف الأميركي بتحركات ملموسة بهدف تحسين العلاقات الثنائية". وتأتي المكالمة التي اتسمت بلهجة تصالحية في وقت بدأ الوباء بالتفشي بسرعة في الولايات المتحدة، التي بات عدد الإصابات فيها الأعلى في العالم (أكثر من 83 ألف إصابة).

وسبق أن اتهم ترامب السلطات الصينية مراراً الأسبوع الماضي بأنها أخّرت الإعلان عن معطيات هامة متعلقة بمدى خطورة فيروس كورونا، الذي كان من الممكن، بحسب الرئيس الأميركي، منع تفشيه. واتهمت بكين ترامب بدورها بأنه "يتهرب من مسؤولياته". وكرّر ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو استخدام عبارة "الفيروس الصيني" مثيرين غضب بكين. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، لمّح متحدث باسم الخارجية الصينية في تغريدة على "تويتر"، إلى أن الجيش الأميركي قد يكون هو المسؤول عن جلب الفيروس إلى الصين.


وردّت وزارة الخارجية الأميركية على لسان مسؤول كبير فيها، يوم الأربعاء الماضي، على الاتهام الصيني للجيش الأميركي بالوقوف وراء انتشار الفيروس في مدينة ووهان الصينية، بؤرة المرض، بالقول إنه اتهام غير مسؤول وغير مقبول وسخيف. واعتبر أن الصين أخفت معلومات عن الصينيين والعالم في ما يتعلق بانتشار الفيروس، مشيراً إلى أن بلاده حاولت التعاون مع بكين مرات عدة قبل انتشار فيروس كورونا في العالم، إلا أن الولايات المتحدة لم تلق تجاوباً. ورفض الدبلوماسي الكشف عما إذا كانت الولايات المتحدة سترد على مسألة طرد صحافيين أميركيين يعملون في الصين. وكانت وزارة الخارجية الصينية قد أعلنت، يوم الثلاثاء الماضي، أنها ستطرد صحافيين أميركيين لديها، يعملون في ثلاث صحف أميركية، هي "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" و"واشنطن بوست".

أهمية الاتصال بين الجانبين في هذه الفترة، أنه يحصل بعد أيام على استئناف الصين عمليات شراء الغاز النفطي المسال من الولايات المتحدة، إثر توقف دام نحو 20 شهراً، في خطوة تهدف إلى تعزيز الواردات من واشنطن، كجزء من المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين البلدين، حسبما نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر. وتقدمت الشركات المستوردة بطلب من أجل الحصول على إعفاءات من الرسوم الجمركية البالغة نسبتها 25 في المائة على منتجات الوقود، بعدما أعفت بكين حوالي 700 سلعة أميركية من التعرفات المفروضة عليها. واستفادت نحو 12 شركة من هذه الإعفاءات، من بينها "تشاينا غاز هولدنغز" و"أورينتال إنرجي" التي تستخدم الغاز المسال بكثافة. وقد أكد مسؤول لدى "تشاينا غاز هولدنغز" على أهمية الشحنات الأميركية من الغاز النفطي المسال في تنويع مصادر الإمدادات التي تعتمد عليها الشركات الصينية للحفاظ على انخفاض تكاليف الاستيراد.

وتصبّ هذه الخطوة في سياق تنفيذ اتفاق المرحلة الأولى التجاري بين البلدين، الموقّع في 15 يناير/ كانون الثاني الماضي، بين ترامب ونائب رئيس الوزراء الصيني، ليو كه. ويهدف الاتفاق إلى زيادة كبيرة في المشتريات الصينية للمنتجات والسلع الزراعية المصنعة في الولايات المتحدة، وإمدادات الطاقة والخدمات الأميركية. واتفاق "المرحلة واحد" أنهى الفرض المتبادل للرسوم بين الجانبين، الذي دام لنحو 18 شهراً، وساهم في إبطاء النموّ العالمي.

ومحور الاتفاق أساساً هو تعهّد الصين بشراء سلع أميركية إضافية بقيمة مئتي مليار دولار على مدى عامين، بهدف خفض عجز تجاري ثنائي مع الولايات المتحدة وصل إلى ذروته عام 2018 عندما بلغ 420 ملياراً. ويفترض أن تشتري الصين سلعاً إضافية أميركية الصنع بقيمة 80 مليار دولار على مدى عامين، بما في ذلك السيارات وقطع غيارها والطائرات والآلات الزراعية والأجهزة الطبية، بالإضافة إلى زيادة مشترياتها من إمدادات الطاقة بنحو 50 مليار دولار، ومن الخدمات بمقدار 35 ملياراً. والأهم تعزيز مشترياتها من المنتجات الزراعية بواقع 32 ملياراً على مدى العامين المقبلين.

وألغى اتفاق "المرحلة واحد" رسوماً أميركية على الهواتف المحمولة والألعاب وأجهزة الحاسوب الشخصية الصينية، وخفض معدل الرسوم الجمركية إلى النصف ليبلغ 7.5 في المائة، في ما يتعلق بسلع صينية أخرى قيمتها نحو 120 مليار دولار، بما في ذلك الشاشات التلفزيونية المسطحة وسماعات البلوتوث والأحذية. لكن الاتفاق أبقى رسوماً نسبتها 25 في المائة على منتجات صينية بقيمة 250 مليار دولار، وتشمل سلعاً ومكونات يستخدمها المصنعون الأميركيون. وكان مفترضاً أن يواصل الجانبان مفاوضاتهما لتوقيع اتفاق شامل بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، غير أن فيروس كورونا قد يعدّل الموعد.
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس)



المساهمون