أنا الأكثر يأساً بينكم
مصيري أسود، وقُطعت يدي التي كنتُ أكسر بها القواعد
بلا معطفٍ، وكعب حذائي مهترئ
حزيناً، أحمل فوق ظهري حياة ناقصة كي أُضيّع نفسي
أنا عثمان بن العدم
حيٌّ أكثر من الأموات، وميّت أكثر من الأحياء
شعر ابنتي الأشقر الرقيق ينسدل فوق كتفيها
ابنتي التي أريد أن أمنحها كل عمري
لدي حماسٌ يتجاوزني ولا يتوقّف
ويكاد قلبي أن ينفجر
أمّي التي رأت في حياتها ما رأت
يداها مرتعشتان، ووجهها أرجواني
حقيقية إلى درجة أنها كانت تخترقني وتمرّ من داخلي
أمّي التي أدمنتُها منذ أن فطمتني وأدارت وجهها عنّي
هي معركتي التي لا تنتهي ولا يمكن شرحها
وأنا مدين لله البعيد عن الجميع
مشغولاً بفهم نفسي والبحث عنّي
في جهنّم التي اقتلعتُ منها جذوري
كنتُ أفكّر في أنّ آخر يوم لي سيكون أسود
وأنّني أعوي في السهول، وأنا أهدّ تاريخي المريض
كنتُ أعيش جائعاً داخل الترف
وأقضم نفسي بتأثير الموت
جاء ووجدني على طاولة ينقصها ساق
كان كلامه أغمق من الكلمات التي تشقّ صدري
وكنتُ أجلس في مواجهة الحياة التي تمدح الضجيج
تحت أشعة الشمس الضبابية
مع الحائط، في ظل البيرة التي تتناقص
وكان النُّدُل يعرفون أنني صرتُ طفلاً مرّةً أُخرى
في المكان الذي وُلدتُ فيه،
والمجلّات التي اصفرّت أوراقها،
وصوري القديمة التي تمزّقت دون علمي
في تلك الظهيرة اقترب مني صمتٌ مُدبّر
كنت بعيداً عنه، وكنت الأبعد عن نفسي طوال الحياة
ينبغي أن أكون كلمة لا تُشرح ولا يمكن وصفُها
أُطعم الحمام على أسطح البيوت، بدلاً من التعرُّف على الناس
قال: وجدتُ اليوم الذي سأترك فيه عقلي، وأتيتُ إلى هنا
حكى عن الصباح الذي لم يعد فيه حياة
كان شارداً مثل ماءٍ صافٍ مُشتبهٍ به
وكان يقرأ كثيراً، ولا حياة له غير الكتب
له أعداء مختلفون، وأفعال لا يمكن تجاوزها
وتناقضات عميقة وغير مفهومة
وادِّعاءات منطقية، وجوانب غير متّسقة
وأشجار زيتون جنوبية
كان مختلفاً، لكنه لم يكن غير مؤمن تماماً
وعندما شاهدتُ النار في عينيه أول يوم
لم تكن تلائم المجلّة التي أفنى فيها شبابه
رأيتُ نهايته، وهو جالس هناك
ثم توقّفنا عن الحديث بصمتٍ لم نتعوّد عليه
لأنني لم يكن لديّ مكان لأذهب إليه سوى نفسي
ولهذا فأنا أفضل من يستطيع الحديث عنه
نحن الأكثر وحدة بينكم، الأكثر عتمة، الأكثر نقاءً، وغير الموجودين
أبحث عنه كل يوم بغرابة وحيدة
في الإثنين الناقص، والجمعة الزائد، والأربعاء الأخير
كل خميس أخرج بقلقٍ وصمتٍ مختلفين
أنا ابنٌ بلا معنى
لا يسعني بيت ولا شارع
مشؤوماً، أذوب وأتدفّق نحو العدم
أبحث عن شغف الخلود
لأنظر لنفسي مرّة أُخرى في المرايا الشاحبة
أبحث عن نفسي
لأقترب من الشواطئ اليائسة، وأتجوّل فيها بدرّاجة نارية
ولكي أُضيّع نفسي هناك مرّةً أُخرى
أبحث عن نفسي في الأرقام المجهولة،
والهواتف التي يسهل نسيانها، والسجلّات المحذوفة
لكي أُضيّع نفسي في الأفواه البذيئة
له كلمات وكتب، وفي إصبعه خاتم
وله فتاة يحبّها تحت سماء المهاجرين
في وجهه خطوط، ويرتدي نظّارة "درجة 3.15"،
لأنه يعاني من قصر النظر
له حياة سوف يفنيها في القراءة
ولديه الكثير من الأشياء الناقصة
في هذا العالم الذي يتدحرج رأساً على عقب
لقد جعلتني معرفتي أرى نفسي معكوساً، وأراه بشكل صحيح
وتحولت معرفتي من الله وإليه
يخسر الواقف باليأس حيث يفوز العَدّاء
كان لديه جيوب وليس لديه يد
موجودٌ ولكن بلا حياة
وإذا تحدّث في صحراء ليس فيها شجرة واحدة
فعلى الجميع التوقّف والاستماع إليه
الذي أريد قوله ولا أريد أن يُنسى:
انعطف الرجل نحو نفسه في الطريق الذي لن يعود منه
مرتدياً قميصاً أبيض في قارب داكن
هو الإرهابي غير الفعّال!
* Cenk Gündoğdu أحد أبرز شعراء جيل الألفية الثالثة في تركيا. ولد في أنقرة عام 1976، ودرس الاقتصاد ثم الفنون الجميلة. عمل محرراً في العديد من الصحف والمجلات الأدبية، وهو الآن أستاذ جامعي يدرّس المسرح. من إصداراته الشعرية: "وحشة" (2012)، و"خراب" (2013). حصل على جائزة الشاعر متين ألتي أوك، وجائزة الشاعر أركداش أوزجار، وجائزة الشاعر داغلارجا. كما أصدر أنطولوجيا شعر الألفية الثالثة في تركيا عام 2017.
** ترجمة عن التركية: أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير