ابكي يا إسراء وأوجعينا

03 نوفمبر 2015
موجعة هي دموع إسراء الطويل (مواقع التواصل)
+ الخط -
موجعة هي دموع إسراء الطويل، فهي تلك الدموع الحقيقة التي  تشبه دموع أختك أو صديقتك أو ربما ابنتك، فمع الدموع المنهمرة تستقر تلك النظرة الطفولية العذبة خلف نظارتها لترميك بسهم التقصير، فها أنت تواصل حياتك بشكل عادي جدا تأخذ صور السيلفي وتجرب مطاعم جديدة وتتبادل النكات مع أصدقائك وتبقى تلك الفتاة خلف القضبان خمسة واربعين يوما أخرى بعيدة عن سريرها الدافئ وحضن أمها البعيد.

ولكن هل كنا ننتظر أن تنهار إسراء أمام الكاميرا لنعرف أنها موجوعة لدرجة البكاء؟! أم كنا نتجاهل وجعها ونحاول تمرير فكرة أننا أقوى من سجونهم ومن بطشهم ومن ظلمهم؟! وهل يجب أن نسجن ظلما ونحرم حتى من حقنا في البكاء؟!

ربما كنا نتفاعل مع تلك المشاعر التي تسربها شقيقتها في كل زيارة ومحاولات إسراء المتكررة في التطمين، تلف مسبحتها حول معصمها وتلوح مبتسمة وهي تغادر سيارة الترحيلات وتحرك عكازيها بخفة قدميها مستدعية كل قوتها لإيهامنا جميعا أنها تستطيع الاحتمال نتحدث عن صعوبة الموقف ولكننا نميل إلى تصديق أنها تتحمل.

في الجلسة الأخيرة يبدو أن الفتاة توقفت عن هذا كله وقررت مواجهتنا بالحقيقة وتركت نفسها لطبيعتها فلم تعد قادرة على تحمل أكثر من ذلك. كشفتنا دموعها أمام أنفسنا فربما نتذكرها للحظات مع صورة ترفقها شقيقتها بالإضافة لبضع كلمات قالتها إسراء في زيارة خاطفة أو خبر عن جلسة وشيكة أو لجنة ألمحت إلى أنها تود التأكد من حالتها الصحية ولكن ليس منا من ذاق عذابها ولا بيننا من قضى مائة وأربعين يوما في السجن ويأتي قاض يمارس روتينه اليومي أيضا ويحرمها من حريتها مجددا ويضيف خمسة وأربعين يوما أخرى!

دموع إسراء لم توجعنا وحدنا بل وصلت هذه المرة للمعسكر الآخر وأوجعت عمرو أديب الذي طالب باستخدام الرحمة معها رغم تكراره اتهامات النيابة ولكنه اعتبرها مجرد فتاة قعيدة تستحق أن تعلو الرحمة فوق العدل، تارة وحذر من تحولها لرمز تارة أخرى ولكنه طالب في النهاية بخروجها رأفة بحالها.

ولم يعرف الأستاذ عمرو أن إسراء تستحق الحرية عدلا لا رحمة ليس لأن دولته لا تعرف الرحمة فقط بل لأن إسراء لم تكن مذنبة يوما، لم يدرك بعد أن دموعها ليست لصغر سنها بل لتعطيل ساعة أحلامها واختصارها في التحديق في عدة أسرة متجاورة وقضبان داخل إحدى الزنانزين..

وقفت إسراء أمام قاضيها هذه المرة وتركت دموعها تتحدث بكت وبكت وبكت، ويبدو أنها ليست مرتها الأولى ففي رسالتها الأولى من السجن قالت الكثير ولكننا لم ننتبه..

جزء من رسالة إسراء الطويل من سجنها والتي نشرت في الصحف حينها:
سجن القناطر: "أنا لابسة بنطلون وبلوزة وكارديجان وطرحة قصيرة.. التهم الموجهة ليا الانضمام لجماعة الإخوان.. إمداد الجماعة.. فبركة الأخبار خارج وداخل مصر.. إيه ده؟ هوا أنا مين أصلا؟!! طب الحاجات دي كلها محصلتش ومفيش أي حاجة عليا.. دخلت السجن.. أول مرة أشوف ناس كتير وستات كتير.. ودوني عنبر "الإيراد الجديد".. معيش هدوم غير الجلابية بتاعت السجن اللي وكيل النيابة بعد كدا قاللي اسمها "الشُل".. مبطلتش عياط ومش ببطل.. أنا ضغيفة جداً في الحقيقة وطول الوقت بعيط.. عادي.. الدموع جميلة.. أنا جالي جرب 17 يوم ماستحمتش.. أهلي عرفوا إني في سجن القناطر وجولي تاني يوم الموافق واحد رمضان.. الحمدلله.. الحمدلله.. الحمدلله.. كأنني ربنا أحياني من القبر.. فضلت أعيط بعدها وأقول آمنت بالله.. إحساس غريب.. كإني خرجت من القبر فعلا.. السجن مرعب.. عالم تاني.. اللي جايين مخدرات ودعارة وآداب ونشل وأموال عامة.. أشكال عجيبة وقصص عجيبة كإنهم وحوش.. كل الناس بتفتن على كل الناس.. وكلهم عايزين مشاكل لبعض وبيكرهوا بعض.. وكل الستات بتدخن.. السجن وحش أوي أوي أوي.. أنا بكره السجن.. لما أتعب بنام وأصحى مفزوعة أنا فين؟! باحس طول الوقت إنه كابوس.. إزاي أنا جيت هنا وإزاي كل ده حصل وبيحصل؟ أنا عايزة أروح لماما وبابا.. قعدت 9 أيام في الإيراد بعد كدا ودوني زنزانة الإخوان.. معروف إن أنا مش إخوان ولا أي حد من عيلتي.. المهم إن محدش بيدخن في الزنزانة عشان كنت بموت من السجاير في الإيراد.. كل حاجة صعبة أوي.. البيت وحشني.. عيلتي وحشتني.. أصحابي وحشوني.. أنا عايزة أروح البيت".

(مصر)
المساهمون