ابتهاج حكومي وغضب قضائي بعد وقف حكم تيران وصنافير

30 سبتمبر 2016
نُظّمت تظاهرات عدة رفضاً للاتفاقية (الأناضول)
+ الخط -

في خطوة من شأنها إضفاء مزيد من الغموض على ما ستؤول إليه قضية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، بموجب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بينهما في إبريل/ نيسان الماضي، أصدرت محكمة الأمور المستعجلة، أمس الخميس، حكماً بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان هذا التنازل وبطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على الاتفاقية، وذلك بالمخالفة للمادة 190 من الدستور الساري، التي تنصّ على اختصاص القضاء الإداري وحده بمنازعات التنفيذ الناشئة عن أحكامه.

وأعاد هذا الحكم إلى ذاكرة المراقبين الأحكام العديدة التي كانت تستصدرها الحكومة المصرية من محكمة الأمور المستعجلة للالتفاف على أحكام مجلس الدولة (القضاء الإداري والإدارية العليا) أو تعطيلها، خصوصاً في المنازعات الانتخابية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وسادت فور النطق بالحكم حالة من الغضب الشديد في أوساط قضاة مجلس الدولة المصري، الذين ضاقوا ذرعاً بتدخل محكمة الأمور المستعجلة، التي يعيّن أعضاؤها بقرارات إدارية من وزير العدل، في الشؤون القضائية الخاصة بمجلس الدولة، وتجرّؤهم المستمر على وقف تنفيذ أحكامه.

وكتب عدد من القضاة على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم تدوينات تنتقد صدور الحكم بالمخالفة للدستور، وتنتقد الحكومة لصمتها على رفع "اثنين من المواطنين الشرفاء" دعويين لوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري بشأن الجزيرتين، بل ومؤازرة هيئة قضايا الدولة المدافعة عن الحكومة لهما أمام محكمة الأمور المستعجلة.

بينما أعلن المحامي خالد علي اتخاذ الإجراءات القانونية لبطلان حكم الأمور المستعجلة، متمثلة في رفع دعوى جديدة أمام محكمة القضاء الإداري لعدم الاعتداد بالحكم الأخير، والطعن عليه أمام محكمة مستأنف الأمور المستعجلة (الدرجة الأعلى من قضاء الأمور الوقتية).

من جهتها، تلقّت الدوائر الحكومية النبأ بالابتهاج، إذ عبّرت مصادر حكومية بوزارة العدل لـ"العربي الجديد"، عن ترحيبها "الشديد" بالحكم والتأكيد على أنه "صحيح بسبب تعدي القضاء الإداري على اختصاص البرلمان، بالحكم ببطلان اتفاقية لم تعرض حتى الآن على مجلس النواب، وباعتبار أن مراجعة الاتفاقيات الدولية شأن برلماني خالص ليس للقضاء أن يراقبه أو يتدخل فيه".



وأضافت المصادر أن "الحكم يعبّر عن جدية الحكومة المصرية في تنفيذ اتفاقها مع السعودية"، مشيرة إلى احتمالية أن "يتطور النزاع القضائي حول الاتفاقية ليصل إلى المحكمة الدستورية العليا، ما قد يؤدي لتجميد القضية سنوات عدة، وبالتوازي مع ذلك ستعرض الحكومة الاتفاقية على البرلمان ليوافق عليها وتدخل حيّز التنفيذ".

وتوقعت المصادر أن تعرض الحكومة الاتفاقية على البرلمان الأسبوع المقبل فور بدء دور انعقاده الثاني في 4 أكتوبر/ تشرين الأول، مؤكدة أنه "من الناحية القانونية البحتة أصبح حكم القضاء الإداري موقوفاً، ولا حجة ولا مبرر لاستمرار الامتناع عن عرض الاتفاقية على البرلمان ليعمل اختصاصه فيها بالتصديق عليها، تمهيداً لإصدارها رسمياً بقرار جمهوري".

بدوره، كشف مصدر قضائي رفيع المستوى بمجلس الدولة، أن "هناك إجراءات اتخذت بشكل سري بالاتفاق بين الحكومة والبرلمان لاستصدار هذا الحكم بالمخالفة للدستور"، مؤكداً أن "البرلمان تراخى في إرسال مشروع قانون وافق عليه في 6 أغسطس/ آب الماضي، يمنع محكمة الأمور المستعجلة أو أي محكمة أخرى من وقف تنفيذ أحكام القضاء الإداري، كونه كان مقرراً أن يحيل البرلمان هذا المشروع إلى رئيس الجمهورية لإصداره، لكنه لم يفعل، وما زال المشروع حبيس أدراج مكتب رئيس مجلس النواب علي عبد العال".

وأضاف المصدر أن "هذا المشروع لو صدر قبل الجلسة، لكان قد تحتم عملياً أن تقضي محكمة الأمور المستعجلة بعدم اختصاصها بنظر الإشكالات المرفوعة أمامها، وذلك لأن قضاة الأمور المستعجلة يعتنقون مذهباً قديماً يرفض تطبيق مواد الدستور بذاتها، وينتظرون صدور قوانين منظمة لهذه المواد لتنفيذ أحكامها".

وأكد المصدر أن "هذا القانون كان من شأنه عدم إدخال محكمة الأمور المستعجلة في سياق القضية من الأساس، إلّا أن تأخير إصداره بهذا الشكل أدى إلى تدخلها، وخلق فرصة مؤاتية للحكومة لعرض الاتفاقية على مجلس النواب للتصديق عليها".

يذكر أن القضية الأصلية لاتفاقية التنازل عن تيران وصنافير منظورة أمام المحكمة الإدارية العليا بالدائرة الأولى لفحص الطعون، والتي من المقرر أن تحدد خلال أيام جلسة لنظر طعن الحكومة على حكم أول درجة، وترجح المصادر أن تعقد جلسة لذلك في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر المقبل.

كما أن محكمة القضاء الإداري التي أصدرت الحكم ستنظر في 18 أكتوبر في إشكالين، أحدهما مرفوع لوقف تنفيذ الحكم، والآخر مرفوع للاستمرار في تنفيذه، وهو ما يعكس حالة التخبط القانوني الشديد حول هذه القضية.

المساهمون