لم أحب المصارف يوماً، ولا شركات التأمين، ولا آليات عملها. أكره الإجراءات البيروقراطية الطويلة، واستهلاك وقت المرء وأعصابه. أوراق كثيرة يضعها موظف المصرف أمامك، عند كل عملية، لتوقعها في كل مرة. فتكون أمام خيارين. إما أن توقع وتنجو بنفسك بعد إلقاء نظرة خاطفة وادعاء فهم المحتوى، أو ترغم نفسك على قراءتها فتضطر لتمضية بقية نهارك في ضيافة المصرف، إذا كنتَ صاحب نفسٍ طويل. والموظفون لا يشرحون لك كثيراً فأنت في النهاية "مودع" صغير لا يزيد حجمه عن قيمة راتبه الموطّن.
لكنّ الراتب الموطّن دخل إلى المصرف ولم يخرج منه بعدما قرّر أصحاب المصارف، بأسلوب البلطجيين، "الحجر" على أموال المودعين، ومنعوهم من سحب أموالهم، إلّا بالقطارة. أصحاب المصارف وقحون، لا يخجلون، ولا شيء يؤثّر فيهم. أصحاب المصارف أقوياء. يمشون باختيال الواثقين فهم من يدينون الدولة العاجزة، ويقبضون على مستقبل مواطنيها عن طريق إغرائهم بقروض يعلقون بها، فتخنقهم، ويحملونها معهم إلى القبور. قروض متعددة عملت المصارف على إيقاع الناس في فخاخها. قروض تطاول جميع نواحي حيواتهم، من السيارة، إلى الشقة، فالزواج، والسفر وغيرها. قروض تغوي المصارف الناس للإفادة منها فتشعرهم بأنها تقدّم لهم "خدمة العمر". قروض بإعلانات ساحرة تتوزع في كل الأماكن التي تصلها العين.
اقــرأ أيضاً
لكن هذه "الأحلام" الحلوة التي وعد المصرف الناس بالاستمتاع بها انسابت فجأة من بين أصابعهم، عندما وقعت البلاد في أزماتها المالية والسياسية. والمصرف كان يعرف بهذا الغرق، لكنه ولأنه خبيث، لم يقل. الأصحّ أنه تكتّم. هذا ما تفضحه صفحات الإعلانات يومياً لمواطنين خسروا هذه "الأحلام" بسبب عدم قدرتهم على متابعة سداد أقساطها، فبدأ المصرف بعرضها في المزادات العلنية. ضاع الحلم وجنى العمر معاً. البالون الزهري الجميل الذي نفخه أصحاب المصارف وأوهمونا به تمزّق قبل أن يقع على الأرض. أذلّ المصرف الناس مرتين وكذب عليهم. مرة عندما سرق أحلامهم، ومرة ثانية عندما صادر رواتبهم ودفعهم إلى استجدائها عند آلات الصرف وداخل الفروع.
في ما مضى، وقبل أن نقع، لم تكن موظفة المصرف تتوقف عن الابتسام. لكنها اليوم فقدت ابتسامتها الساحرة. ربما لأن الضحية لم تعد مشروع قرض محتمل في هذه الأيام. صار وجه الموظفة متجهماً كل الوقت. صار وجهها أكثر حقيقية ويشبه بقية وجوه ناس هذه البلد.
لكنّ الراتب الموطّن دخل إلى المصرف ولم يخرج منه بعدما قرّر أصحاب المصارف، بأسلوب البلطجيين، "الحجر" على أموال المودعين، ومنعوهم من سحب أموالهم، إلّا بالقطارة. أصحاب المصارف وقحون، لا يخجلون، ولا شيء يؤثّر فيهم. أصحاب المصارف أقوياء. يمشون باختيال الواثقين فهم من يدينون الدولة العاجزة، ويقبضون على مستقبل مواطنيها عن طريق إغرائهم بقروض يعلقون بها، فتخنقهم، ويحملونها معهم إلى القبور. قروض متعددة عملت المصارف على إيقاع الناس في فخاخها. قروض تطاول جميع نواحي حيواتهم، من السيارة، إلى الشقة، فالزواج، والسفر وغيرها. قروض تغوي المصارف الناس للإفادة منها فتشعرهم بأنها تقدّم لهم "خدمة العمر". قروض بإعلانات ساحرة تتوزع في كل الأماكن التي تصلها العين.
لكن هذه "الأحلام" الحلوة التي وعد المصرف الناس بالاستمتاع بها انسابت فجأة من بين أصابعهم، عندما وقعت البلاد في أزماتها المالية والسياسية. والمصرف كان يعرف بهذا الغرق، لكنه ولأنه خبيث، لم يقل. الأصحّ أنه تكتّم. هذا ما تفضحه صفحات الإعلانات يومياً لمواطنين خسروا هذه "الأحلام" بسبب عدم قدرتهم على متابعة سداد أقساطها، فبدأ المصرف بعرضها في المزادات العلنية. ضاع الحلم وجنى العمر معاً. البالون الزهري الجميل الذي نفخه أصحاب المصارف وأوهمونا به تمزّق قبل أن يقع على الأرض. أذلّ المصرف الناس مرتين وكذب عليهم. مرة عندما سرق أحلامهم، ومرة ثانية عندما صادر رواتبهم ودفعهم إلى استجدائها عند آلات الصرف وداخل الفروع.
في ما مضى، وقبل أن نقع، لم تكن موظفة المصرف تتوقف عن الابتسام. لكنها اليوم فقدت ابتسامتها الساحرة. ربما لأن الضحية لم تعد مشروع قرض محتمل في هذه الأيام. صار وجه الموظفة متجهماً كل الوقت. صار وجهها أكثر حقيقية ويشبه بقية وجوه ناس هذه البلد.