ابتزاز إسرائيلي لن يتوقف
وما بين النشوة التي انتابت الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بعد توقيع إعلان المبادئ، وتصريحات مرشد عام الثورة، علي خامنئي، والرئيس الإيراني، حسن روحاني، حول الاتفاق النهائي، ووضعهم شرط الإلغاء الفوري للعقوبات، فور توقيع الاتفاق، تأتي محاولات إسرائيل وضع عصيّ في دواليب الاتفاق المرتقب والمتوقع، للحيلولة دون الوصول إليه، وهي التي تعتبر هذا الملف أمنياً إسرائيلياً في الأساس، ولم تتوقف في السنوات الماضية عن ذلك، بالتهديد بالخيار العسكري المنفرد، أو محاولة توريط الآخرين بخيارات عسكرية، أو دفعهم إلى التشدد في المفاوضات، وحضّهم على وضع شروط تعجيزية في أثنائها، من شأنها أن تفشل المفاوضات، وتعيد الخيار العسكري، أو تشديد العقوبات إلى واجهة المسرح.
قبل توقيع اتفاق الإطار، في لوزان في الثالث من إبريل/ نيسان الجاري، بين إيران من جانب ومجموعة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا من جانب آخر، ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الكونغرس، في تحدٍ سافر لإدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وخصص جل خطابه للتحذير من مخاطر الاتفاق مع إيران، وتحريض الكونغرس ضده. وما أن تم توقيع اتفاق المبادئ، حتى خرج نتنياهو بشرط غريب عجيب، طلب إضافته إلى الاتفاق النهائي، وهو أن تعترف إيران بحق إسرائيل في الوجود. وجاء رد أوباما سريعاً، نافياً أن يتضمن الاتفاق أي بنود لا تمت، مباشرة، للملف النووي الإيراني، وإن أية أمور أخرى تتعلق بالأوضاع الإقليمية يمكن البحث فيها، بعد الاتفاق النهائي، مؤكداً بذلك أن الاتفاق لا يتضمن، كما توهّم بعضهم، صفقة شاملة مع إيران، تمزج بين الملف النووي والقضايا الإقليمية، بما فيها التمدد الإيراني في المنطقة. ولا يُعدّ عدم حدوث صفقة شاملة تعفّفاً من الأطراف المختلفة على الخوض فيها، بقدر ما يعبّر عن حجم الصعوبات والتعقيدات التي رافقت الوصول إلى الاتفاق المبدئي حول الملف النووي، وإدراك هذه الأطراف أن الزج بقضايا وملفات إقليمية أخرى ضمن سياق المفاوضات النووية من شأنه أن يقضي، تماماً، على محاولة الوصول إلى أي اتفاق.
وقد بذل أوباما جهوداً كثيرة لطمأنة الحكومة الإسرائيلية، وأعلن، مرات، التزامه المطلق بأمن إسرائيل الذي شدد على اعتباره أولوية أميركية، وموضع إجماع أميركي لدى كل الإدارات لم تنقطع. ووصلت إلى حد اعتباره الأمن الإسرائيلي مقياساً لنجاح أي إدارة أميركية أو فشلها، إلا أن ذلك لم يلق قبولاً كافياً من الإسرائيليين، واعتبرها وزير الاستخبارات الصهيوني، يوفال شتاينتس، غير كافية بالنسبة لأمن إسرائيل، وفي مواجهة التهديد النووي ودعم إيران أعداء إسرائيل، مثل حماس وحزب الله، ووصف هذه الضمانات بأنها بمثابة عصفور على الشجرة.
وإذا كان مطلب نتنياهو تضمين الاتفاق حق إسرائيل في الوجود لم يلق آذاناً صاغية، فقد بادر وزير الاستخبارات إلى وضع مجموعة مطالب جديدة، مطالباً بإعادة بحثها قبل التوقيع على الاتفاق النهائي، أبرزها وقف الأبحاث النووية الإيرانية في مجال أجهزة الطرد المركزي، معتبراً أن استمرار هذه الأبحاث سيجعل إيران قادرة على إنتاج سلاح نووي خلال ثلاثة أشهر أو أربعة، إضافة إلى إغلاق موقع فوردو، الواقع تحت الأرض كلياً، ونقل المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب إلى الخارج، ومطالبتها بالكشف عن كل نشاطاتها السابقة، والأهم حرية التفتيش المطلقة في أي زمان ومكان، بما يذكّر بالإجراءات المهينة التي اتبعت في أثناء مرحلة التفتيش عن الأسلحة الكيماوية العراقية. واعتبر الوزير يوفال شتاينتس أنه مع كل هذه الإجراءات، لن يكون الاتفاق جيداً، بل سيغدو أكثر قبولاً، موضحاً أن الخيار العسكري الإسرائيلي ما زال على الطاولة.
غني عن القول إن هذه الاشتراطات تخالف نص اتفاق الإطار وروحه، وهو الذي جرى التفاهم عليه بعد سنوات من المفاوضات والعقوبات، ومجرد البحث في أي من بنوده سيعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر، وينسفها. والواضح أن الابتزاز الإسرائيلي لن يتوقف، وإنه يترافق مع محاولات إسرائيلية للتأثير على الكونغرس الأميركي، والضغط على الإدارة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، لحثهم على إبقاء العقوبات، وعدم توقيع اتفاق نهائي، وهو الاتفاق الذي تحتاج تفاصيل فيه إلى تفاهم الأطراف المعنية واتفاقها.
وفي حال توقيع الاتفاق، فإن إسرائيل ستبقي هذا الملف مفتوحاً، تارة لمحاولة عرقلة تنفيذه، وحمل حلفائها على النكوص عنه، وتارة أخرى لابتزاز هؤلاء الحلفاء، من أجل استمرار الدعم اللامحدود الذي يقدّم لها، ودفعهم إلى تقديم أثمان باهظة سياسياً وعسكرياً ومالياً، تحت شعار المحافظة على الأمن الإسرائيلي، والدفاع عنها في وجه أي محاولة لتهديدها. وينطبق ذلك على المواقف من عملية السلام والقرارات التي صدرت، أو يتوقع صدورها، عن الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، وأي مشاريع أو مبادرات أخرى.
وإذا كانت إدارة أوباما مصممة على المضي بهذا الاتفاق حتى النهاية، فإنها حتماً ستواجه، هي والإدارات الأميركية اللاحقة، تحدياً كبيراً في سبل مواجهة الابتزاز الإسرائيلي المستمر أو الإذعان له، وهو ابتزاز لن يتوقف، بل ستزداد وتيرته، إذا ما تم توقيع الاتفاق النهائي.