طيلة العام الدراسي، وبينما كانت تقلب إيلانا دفاترها وكتبها المدرسية، كانت تتذكر والدها المعتقل،الذي يواجه حكما بالمؤبد لثلاث مرات، بتهمة المشاركة في الانتفاضة الثانية والنضال ضد المحتل الإسرائيلي.
سعت إيلانا دوما للتفريج عن والدها الذي ينتظر سماع خبر مفرح يسعد قلبه داخل المعتقل، إلا أن وصيته لها بالتفوق منحتها دافعا قويا، شجعها خلال الشهرين الأخيرين على أن تبذل جهدا كبيرا في الدراسة لتحقق نتيجة لم تكن تتوقعها وأدخلت الفرحة على بيتها ووالدها المعتقل.
97.4 كانت نتيجة الطالبة إيلانا، والتي تسكن مع أمها وإخوتها الثلاثة في عزبة الجراد بمدينة طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة. لم تكن تتوقع عندما اختارت أن تدخل اختصاص التجارة في مدرسة جمال عبد الناصر بالمدينة هذه النتيجة، فقد كانت كل علاماتها في صفوفها المدرسية السابقة لا تتعدى نسبة 88 في المائة، ومن ضمنها فصلا الثانوية العامة التي قدمت امتحانات تجريبة خلالها، فكانت النتيجة ستكون أقل أو أكثر بعلامة من تحصيلها المعتاد، إلا أن الاجتهاد أثمر النتيجة المفرحة التي جعلت بيت عائلتها يهتز فرحا.
تقول إيلانا لـ "العربي الجديد": كان تحدّيا لي أن أثبت لوالدي الحاضر الغائب مدى حبي واشتياقي له، خاصة بعد أن أسمعني طلبه وكنت أتمنى أن أحقق نتيجة مائة، كي أثبت مدى حبي له، فاجتهدت خلال عطلة الشهر الأخيرة التي تمنحها وزارة التربية، ودرست بكل طاقة واجتهاد، ولم أكن أنام إلا ساعات قليلة حتى أنجز دراستي، إلى أن حصدت تعبي وأحرزت معدلاً جيداً".
وتضيف: "لا بد أن أبي سمع بنتيجتي، ولا شك في أنه فرح للغاية الآن، ويستقبل التهاني من رفاقه في الأسر، لكن الفرحة تظل منقوصة كونه بعيدا عنا، رأيت الفرح في عيني أمي التي تعبت وسهرت ووقفت بجانبي من الخطوة الأولى في التوجيهي، كانت هذه الفرحة الأولى لنا في البيت، وكان جميع الأقارب يجتمعون حولي فرحين أكثر مني، فأنا لا أستطيع وصف هذا اليوم وهذه الفرحة".
كان لجدها محمد وجدتها سميرة، وهما والدا المعتقل، وقفة خاصة لن تنساها إيلانا طيلة حياتها، وفق ما تقول، مشيرة إلى أنهما عوضا غياب والدها عنها، ولعبا دوره كاملا في توفير الجو المناسب والمريح للدراسة، فقد كانت تذهب إلى بيتهما لتدرس في ذلك المكان، لتجد جوا مريحا بعيدا عن الضوضاء والإزعاج، "فلهذين الجدين أهدي نصف نجاحي، أما النصف الآخر فهو لأبي القريب البعيد الساكن في القلب مهما طال البعد، ولأمي التي تعوض غياب الجميع"، تقول إيلانا.
ما زالت إيلانا تنتظر جرس الهاتف يدق، عله والدها الذي لا يتصل إلا صدفة وبشكل نادر جدا، كي ترفع سماعة الهاتف وتبشره وتقول له ما خبأته منذ سنوات، تقول إيلانا: "سأخبره أنني لا شيء دونك يا أبي، وها أنا قد رفعت رأسك عاليا وحققت نتيجة ممتازة لا تعبر بشكل جيد عن مدى حبي لك، لكنها أفرحتنا كثيرا".
وتلفت إلى أن والدها أخبرها ذات مرة أنه يتمنى أن يراها محامية، ولهذا قررت أن تدرس القانون وأن تحقق رغبته وهو في سجنه، وعلى الرغم من أن ذكرياتها معه وهو خارج السجن تكاد لا تذكر، حيث اعتقله الاحتلال عندما كان عمرها 3 سنوات، إلا أنه يعيش بداخلها وتتمنى له الإفراج القريب ليعود لبيته يكمل عليهم الفرحة ويشاركهم كل أيامهم.
تشعر إيلانا بالفخر الكبير وهي تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي لترى كافة الصفحات والمواقع تكتب خبر نجاح ابنة الأسير عطا عبد الغني، وصوره تزين الصفحات، بعيدا عن تتمة الخبر، أنه محكوم مدى الحياة، لأنه سيعانق الحرية مهما طال الاعتقال.