أظهر تصويت لجنة مجلس الشيوخ الإيطالي يوم الثلاثاء الماضي، للنظر برفع الحصانة عن الزعيم المتشدد والشعبوي ووزير الداخلية ماتيو سالفيني، تراجع اليمين المتطرف عن أحد أهم خطاباته الشعبوية بشأن فساد الطبقة الحاكمة وتهربها من الملاحقة القضائية من خلال الحصانة.
ورغم أن التصويت يخلق ما يشبه خلافاً في صفوف الحركة الشعبوية حزب "النجوم الخمس"، بزعامة لويجي دي مايو، إلا أنه أيضاً، وبحسب ما يقرأ الإيطاليون، يذهب إلى تدعيم موقف اليمين المتطرف أمام الأوروبيين في أزماتهم مع دول القارّة حول سياسة رفض استقبال البلد لمزيد من المهاجرين واللاجئين.
فمع توجه الادعاء العام في كاتانيا بجزيرة صقلية، خلال الأسابيع الماضية، لطلب سحب الثقة عن سالفيني، متزعم حزب "الرابطة" اليميني المتشدد، لمحاكمته بتهمة "اختطاف لاجئين"، بدا زملاؤه، في ائتلاف الحكومة المتشددة في روما من حزب "النجوم الخمس"، منهمكين في مساع برلمانية وشعبية لوقف إجراءات رفع الحصانة. ولم يتأخر حتى رئيس الوزراء جيوزيبي كونتي، عن تقديم دعمه لسالفيني ولدي مايو لمقاومة رفع الحصانة.
وبحسب ما تذهب إليه صحيفة "لاستامبا" الإيطالية، فإن الملاحقة القضائية تتعلق بتهم اختطاف بحق سالفيني، بإقدامه في أغسطس/ آب الماضي على إصدار أوامر "حجز حرية واختطاف 177 مهاجراً على متن سفينة خفر السواحل ديسيوتي، الذين أنقذتهم في مياه البحر الأبيض المتوسط"، الأمر الذي توعد مكتب المدعي العام في كاتانيا، كارميلو زوكَارو، بطلب رفع الحصانة.
ذهب زملاء سالفيني في التشدد، في "الخمس نجوم"، إلى إجراء تصويت إلكتروني (ينتهج ما يسمى التصويت المباشر، على قاعدة روسو، بمشاركة أكثر من 52 ألفاً) في قواعده حول ما إذا كان على حزب دي مايو أن يقبل أو يرفض إسقاط الحصانة. 52 في المائة من المصوّتين رفضوا مصادقة مجلس الشيوخ على سحب الثقة. ومن صيغة السؤال في التصويت الإلكتروني، بحسب ما نشر موقع "توداي" الإخباري الإيطالي، بدا الاختيار والخطاب القومي المتشدد حاضراً لإقناع المصوتين القبول بموقف قيادة الحزب الرافض لمحاكمة شريكه سالفيني.
فنحو 59 في المائة اعتبروا أن تأخير ديسيوتي كان للمصلحة القومية. فسؤال الاستطلاع حمل النفس القومي المتشدد بصيغة ما إذا كان "تأخير سفينة ديسيوتي انتظاراً لإعادة توزيع المهاجرين على متنها بين الدول الأوروبية جاء حماية لمصلحة الدولة؟".
الاهتمام الإيطالي بالتصويت الذي أجراه الشعبويون، في "الخمس نجوم"، يأتي على خلفية إيديولوجية وترويجاً لخطاب شعبوي بنى عليهما شعبيته واكتساحه الشارع الإيطالي، كغيره، في سنوات وقوفه في المعارضة. فتاريخياً اتهم الحزب الطبقة السياسية الإيطالية باستخدام الحصانة البرلمانية للتهرب من الملاحقة القانونية، ما يجعله عملياً يغير تماماً أحد أهم شعاراته الترويجية بين الإيطاليين حول نزاهة السياسيين وعدم استغلال المنصب.
وكشفت سرعة ذهاب اليمين الشعبوي، ونائب رئيس الوزراء دي مايو في المقدمة، يوم الإثنين الماضي إلى التصويت لإنقاذ حليفهم سالفيني، لتبدو الأمور وكأنها استجابة لقواعد الحزب، تغييراً كبيراً بدأ يستدعي سجالات وجدلاً حول برامج الحزب الشعبوي، وعموم اليمين المتطرف في إيطاليا، وخصوصاً أنه لعب كثيراً على فضائح رئيس الوزراء الأسبق، سلفيو بارلسكوني، لحصد المزيد من الشعبية بين الإيطاليين.
الصحف الإيطالية رأت أيضاً أن التصويت الإلكتروني لم ينقذ فقط سالفيني، بتصويت 16 من أعضاء الشيوخ، عن الحزب، لمصلحة سالفيني و6 ضده، بل أنقذ الحكومة الإيطالية من التفكك بسبب ما باتت تعرف بـ"قضية ديسيوتي". وإلى جانب ذلك يرى المعلقون في الصحف ووسائل الإعلام الإيطالية أن التغطية على سالفيني، الذي اتهم المهاجرين واللاجئين بأنهم "مجرمون يحضرون لإغراق إيطاليا"، يعتبر نوعاً من تأكيد لسياسات الحكومة المتشددة في تعاطيها مع اللاجئين والمهاجرين عموماً.
ولم يتردد السياسي الشعبوي دي مايو في اعتبار "الديمقراطية الشعبية المباشرة"، من خلال الاستفتاء، "رسالة ضرورية إلى أوروبا عن أنه يجب الالتزام بمبادئ التضامن، وأن الإجراءات هي لحماية مصالحنا العامة". وأضاف دي مايو على صفحته الرسمية على فيسبوك، موجهاً التحية إلى المشاركين، بأنه "تصويت يدعو للفخر في حركة سياسية تواجه حتى نوابها، وهذا سيستدعي إعادة تنظيم حركة النجوم الخمس"، في إشارة لاختلافات داخلية حول تخلي الحركة عن أحد أهم مبادئها الشعبوية.
من ناحيته، دافع سالفيني عن إجراءاته التي يصرّ عليها بالقول: "ما قمت به كان لأجل حماية أمن المواطنين، وإذا كنت مضطراً فسأقوم بذلك مرة ثانية"، بحسب ما نقلت وكالة "انسا" الإيطالية يوم 18 فبراير/ شباط.