وفي آخر هذه الردود، بحسب وكالات أنباء الإيرانية، أعلن المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، كيوان خسروي، اليوم الجمعة، أن طهران "ستنفذ قراراتها الجديدة لتقليص التعهدات النووية بموجب الاتفاق النووي بشكل مرحلي من دون توقف"، معتبرا أنها تأتي "استمرارا لمسيرة الدبلوماسية لإعادة الأطراف المخطئة إلى مسار تنفيذ تعهداتها".
وهدّد خسروي بأنه إذا لم تلب مطالب إيران، فإن الأخيرة "ستواصل خطواتها المرحلية حتى مرحلة الانسحاب من الاتفاق النووي، وربما تتعدى ذلك أيضا".
وأضاف المتحدث ذاته، في مقابلة صحافية، أنه "كان من المقرر أن يكون الاتفاق النووي الدولي على قاعدة ربح ربح، لكن انسحاب واشطن منه والمماطلات الأوروبية التي كانت تشم منها رائحة الخدعة أوجدت ظروفا، الاستمرار فيها لا يأتي بأي نتيجة سوى الخسارة والضرر".
وفي معرض رده على سؤال حول الجهة أو الجهات التي خاطبتها طهران بقراراتها الأخيرة، قال خسروي إن "المخاطب الرئيسي للقرار الإيراني الجديد هي الإدارة الأميركية، ثم الدول الأوروبية التي هي المسؤول المباشر للظروف الراهنة غير المطلوبة".
وفي إشارة إلى النتائج المحتملة للمسار الذي بدأته طهران، قال إن "نتيجتين تترتبان على هذا المسار، وهما تتوقفان على سلوك المخاطبين الرئيسيين للقرارات الإيرانية"، لافتا إلى أنه "في حال عادت هذه الأطراف إلى تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاق النووي واحترمت الحقوق القانونية لإيران، هي أيضا ستنفذ تعهداتها كالسابق".
واستدرك خسروي قائلا إنه "في حال لم يتم ذلك لتأمين الحقوق الإيرانية الشرعية، فإن إيران ستواصل مسار خطواتها المرحلية حتى مرحلة الانسحاب من الاتفاق النووي وإذا دعت الحاجة ستتعدى ذلك".
وعلى صعيد متصل، رفض وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الموقف الأوروبي الأخير تجاه القرارات الإيرانية القاضية بتقليص تعهدات نووية، قائلا إن ذلك "يفسر لماذا وصل الاتفاق النووي إلى هذه الحالة"، مطالبا الأوروبيين بتنفيذ التزاماتهم بدلا من مطالبة طهران بذلك.
كما أن عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، محمد جواد جمالي، اعتبر أن الموقف الأوروبي "هروب إلى الأمام"، قائلا إن "البيان الأوروبي الأخير يعزز فرضية أن هناك توزيعا للأدوار بين الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي تجاه إيران".
وكان الاتحاد الأوروبي قد رفض، أمس الخميس، المهلة التي حددتها إيران بستين يوماً قبل تعليق التزامها ببنود أخرى في الاتفاق في محاولة لدفع الأوروبيين إلى تنفيذ تعهداتهم الواردة في الاتفاق النووي، بحسب السلطات الإيرانية، بغية تحقيق مطالب الأخيرة المتمثلة في تمكينها من تحصيل منافعها الاقتصادية من الاتفاق، وخصوصا في المجالين النفطي والمصرفي.
وقالت الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، ومنسقة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، في بيان مشترك: "نرفض أي إنذار، وسنعيد تقييم احترام إيران لالتزاماتها في المجال النووي".
مسيرات شعبية
وبموازاة ذلك، خرجت مسيرات شعبية بعد صلوات الجمعة، اليوم، في مختلف المدن الإيرانية بدعوة من مجلس تنسيق الإعلام الإسلامي، أعلن فيها المشاركون دعمهم لقرارات مجلس الأمن القومي الإيراني الأخيرة، رافضين التهديدات الأميركية ومندديين بالمواقف الأوروبية.
ودعا المشاركون الإيرانيون في المسيرات، في بيان موحد بختامها، السلطات الإيرانية إلى "اتخاذ خطوات أكثر جدية وصرامة دون أي تراجع حتى إلحاق هزيمة نكراء بأميركا وأتباعها".
وفي السياق، قال خطيب جمعة طهران، رجل الدين علي أكبري، إن "الاتحاد الأوروبي اليوم أمام اختبار كبير"، واصفا ردود فعل الاتحاد الرافض للمهل الإيرانية بـ"غير الاعتيادية" و"الانفعالية والعصبية".
واعتبر أن هذه الردود دليل على "أن الخطوات الإيرانية صحيحة"، قائلا إن بلاده "لا تتنظر شيئا من أميركا".
رفض للتفاوض
كما أن الدعوات التي أطلقها الرئيس الأميركي، خلال اليومين الأخيرين، لاقت ردودا إيرانية، ليعتبر رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، في تغريدة له على "تويتر"، أن هذه الدعوات "ستزداد وبشكل أكثر جدية" خلال المرحلة المقبلة.
كما أن نائب القائد العائم للحرس الثوري الإيراني، يد الله جواني، علّق على هذه الدعوات بالرفض، مؤكدا أن بلاده "لن تجري أي مفاوضات مع الأميركيين"، وأنها "تشهد اليوم إجماعاً ووحدة وطنية منقطعة النظير، لمواصلة الصمود الاستراتيجي".
وكان الرئيس الأميركي قد حثّ، أمس الخميس، القيادة الإيرانية على الجلوس والحوار معه بشأن التخلي عن برنامج طهران النووي، مشيراً إلى أنه "لا يمكنه استبعاد مواجهة عسكرية بالنظر إلى التوتر المتزايد بين البلدين".
ورفض ترامب، خلال مؤتمر صحافي عقده في البيت الأبيض، الإفصاح عما دفعه إلى نشر مجموعة حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" في المنطقة، مكتفيا بالقول إنها "تهديدات غير محددة"، لكنه أكد إن الإيرانيين أظهروا أنهم مصدر "تهديد كبير".
وحول قراره إرسال حاملة طائرات وقاذفات عدة من طراز "بي 52"، أشار إلى أنه "لدينا معلومات لا تريدون أن تعرفوها".
وذكر ترامب أيضاً أنه يريد أن يرى الإيرانيين يطلبونه، ولكنه زعم أن جون كيري، وزير الخارجية الأسبق، نصحهم بألا يفعلوا.
ولفت ترامب إلى أن مخاطر المواجهة العسكرية موجودة "دائماً"، لكنه أضاف: "نأمل ألا يحدث ذلك".
وفي السياق، أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي حظر أي تفاوض مع الولايات المتحدة في أغسطس/ آب من عام 2018، قائلاً "أعلن حظر التفاوض مع أميركا كما حظره الإمام الخميني".
وخرجت خلال الفترة القصيرة الأخيرة تصريحات لافتة في هذا الاتجاه، اعتبرت إجراء أي تفاوض مع الإدارة الأميركية في ظل الضغوط الراهنة بمثابة "الاستسلام والمذلة والهوان".
رأى قائد فيلق القدس الإيراني، اللواء قاسم سليماني، أن الولايات المتحدة الأميركية تريد "استدراج إيران إلى طاولة التفاوض من خلال الضغوط الاقتصادية"، قائلا إن "هذا التفاوض في الظروف الراهنة يعني الاستسلام الكامل ولن نقبل هذه المذلة".
استبعاد للحرب
ويأتي الموقف الإيراني الرافض لإجراء أي تفاوض مع الإدارة الأميركية في وقت تستبعد فيه السلطات الإيرانية أن تقدم هذه الإدارة على شن أي حرب على البلاد في الوقت الحاضر، ليصدر آخر موقف في هذا الصدد، اليوم الجمعة، على لسان نائب القائد العام للحرس الإيراني، يد الله جواني، حيث علّق على إرسال واشنطن حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" ووحدة من القاذفات الأميركية بقوله إن الأميركيين "لن يجرؤوا على القيام بأي عمل عسكري ضد إيران"، مضيفا أنهم "يتصورون أنه إذا ما تبنوا لغة عسكرية، كنكهةٍ للعقوبات والضغوط الاقتصادية، فإن الشعب الإيراني والجمهورية الإسلامية سيرضخان للتفاوض".
وأضاف جواني أن "الأميركيين يعانون من ارتباك وتخبط، وهم منزعجون جداً، وحشدوا كل طاقاتهم لهزيمة مقاومة الشعب الإيراني طيلة 40 عاماً، عبر جر الجمهورية الإسلامية إلى التفاوض".
ومن جهة أخرى، على الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني استبعد اندلاع حرب وشيكة مع بلاده، فقد حذّر أكثر من مرة خلال الآونة الأخيرة من أن المقربين من الرئيس الأميركي ومجموعة "ب"، خاصا بالذكر مستشاره للأمن القومي جون بولتون، يحاولون استدراجه إلى مواجهة عسكرية مع إيران.
وتشير مجموعة "ب"، التي أصبح يذكرها ظريف كثيرا في تصريحات الأخيرة، إلى مستشار الأمن القومي الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووليي عهد السعودية محمد بن سلمان، وأبوظبي محمد بن زايد.
رفض للعقوبات الأخيرة
كما رد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي على العقوبات الأميركية الأخيرة لقطاع التعدين الايراني، واصفا إياها بأنها تتنافى مع التعهدات الدولية لواشنطن، داعيا إلى ملاحقتها قضائيا في الأوساط الحقوقية الدولية، محملا إياها مسؤولية الخسائر الناجمة عن ذلك.
وأعلن الرئيس الأميركي، الأربعاء الماضي، فرض عقوبات جديدة على إيران تشمل صناعات التعدين والصلب، مع تهديدات بمواصلة سياسة فرض العقوبات لتطاول لاحقا قطاع البتروكيميائيات الإيرانية.